برشلونة في متاهة قانون اللعب المالي النظيف
أصبح قانون اللعب المالي النظيف واحدا من العناصر الأساسية لضبط منظومة كرة القدم الاحترافية في السنوات الأخيرة، وهي مجموعة من اللوائح التي يعمل بها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، “يويفا”، فعليا منذ سنة 2012، وهدفها منع الأندية من إنفاق مبالغ أكبر من مداخيلها.
وفي السنوات الأخيرة بدأت عدة هيئات تبني قواعد اللعب المالي النظيف، ويأتي على رأسها رابطة الدوري الإسباني “لاليغا”، بعد انتعاش صفقات الأندية الإسبانية.
لكن رغم القانون الصارم الذي تفرضه رابطة الدوري الإسباني حول قانون اللعب المالي النظيف، فإن الأندية تمكنت خلال الميركاتو الصيفي الحالي من إنفاق قرابة 550 مليون يورو قبل أيام قليلة على نهاية فترة سوق الانتقالات في إسبانيا، وهو ما يُعادل ما أنفقته أندية الليغا خلال الموسم الماضي على الانتقالات الصيفية والشتوية معاً.
ورصدت صحيفة “ماركا” الإسبانية تقريراً مُفصلاً يُفسر تفاصيل القانون الذي بات يُشكل هاجساً للجمهور والأندية على حد سواء.
تفاصيل حول القانون
أصبح اسم برشلونة مرادفاً لقانون اللعب المالي النظيف الذي صار يقيّد النادي في كل فترة انتقالات، وفيما يخص هذا القانون فإن لديه تعريف مبسط وهو حث الأندية على أن تكون الإيرادات أعلى من النفقات لتجنب الإفلاس من جهة أو الدخول في مشكلات قانونية.
أما على الصعيد القانوني، فهي تتضمن الكثير من المتغيرات حسب الدوري وقوانين الدولة التي ينشط فيها، ففي وقت سابق كان أي نادٍ إسباني يسجل خسائر مالية، فإنه يدفع قيمتها في الموسم الموالي من خلال تخفيض سقف الرواتب للنادي، إذا كانت الخسائر 10 ملايين يورو فإن كتلة الرواتب الإجمالية المدفوعة يجب أن تخفض بشكل حتمي بـ 10 ملايين يورو في الموسم الذي يليه.
هناك أيضاً نقطة مهمة تتعلق بفاتورة الرواتب الخاصة باللاعبين والتقنيين والموظفين، والتي لا يجب أن تتجاوز 60% من الميزانية العامة للنادي.
وعلى عكس إسبانيا، فإن الدوري الإنجليزي الممتاز مثلا يفرض على الأندية ألا تتجاوز خسائرها 105 مليون جنيه إسترليني في 3 مواسم متتالية كحد أقصى، وما دام النادي يسجل خسائر تحت هذا المعدل، فإنه سيكون قادراً على تسجيل لاعبيه بشكل عادي.
اتهامات باستهداف البارصا
مع كل فترة انتقالات يتساءل المشجع عما يجري داخل الأندية، والتي تضطر في الكثير من الأحيان لإجراء حسابات مالية دقيقة وفقاً لبرتوكولات الرقابة الاقتصادية، الأمر الذي يتسبب في تعطيل الصفقات وإغضاب الجماهير، وتأتي وضعية نادي برشلونة في كل موسم لتزيد من حدة التساؤلات التي تصب في خانة واحدة، هل تسعى رابطة الدوري الإسباني “لا ليغا” إلحاق الضرر بالنادي الكتالوني، أم أنها فقط تحاول حمايته من تهور الإدارات المتعاقبة؟
خطة زيادة رأس مال النادي
لتفادي الوقوع في شرك قانون اللعب المالي النظيف، بإمكان أي نادٍ الرفع من سقف الأجور الخاص به ولكن عبر المرور ببعض الخطوات على غرار ما فعله نادي أتلتيكو مدريد الذي كان نشطاً للغاية خلال الميركاتو الحالي من خلال جلب لاعبين بمبالغ كبيرة، ولكن كيف فعل ذلك بموازاة مع احترام قانون اللعب المالي النظيف؟
خلال شهر يونيو الماضي قامت إدارة “الروخي بلانكوس” بزيادة رأس مال الفريق بمقدار 70.7 مليون يورو وهو ما مكنه من التحرك بحرية كبيرة في سوق الانتقالات.
وبما أن قانون اللعب المالي النظيف مليء بالتفاصيل المشتبكة التي تولد الكثير من التساؤلات، فإن أحدها يقود إلى التالي: هل الزيادة في رأس المال تعني الحرية المطلقة؟ والإجابة هي أن أتلتيكو مدريد يعتبر من الفرق ذات الوضع الاقتصادي الأفضل نسبياً والمصنفة في المجموعة “A”، ما مكنه من تخصيص المبلغ كاملاً من الزيادة التي اعتمدها في رأس المال في تحسين سقف الرواتب.
في وقت سابق كان بإمكان الأندية التي تندرج في المجموعة “A” تخصيص 80% من الزيادة في رأس المال على مدار 4 مواسم لتحسين سقف الرواتب، ولكن حالياً يمكن الاستفادة من هذا المبلغ بنسبة 100% وفي غضون موسمين بدلاً من أربعة.
وفي حالة أتلتيكو مدريد، فإنه كان سيرفع من سقف الرواتب بـ 14 مليون يورو كل موسم فقط بحسب القاعدة السابقة، ولكنه حالياً قادر على الرفع من سقف الرواتب بـ35.35 مليون يورو خلال الموسم الحالي ونفس المبلغ الموسم المقبل، كما يمكنه أيضا تخصيص جزء من هذا المبلغ في تطوير البنية التحتية.
على عكس فرق المجموعة “A” التي تتمتع بوضع اقتصادي جيد، فإن الأندية الأخرى ذات الوضع الاقتصادي السيء في الفئتين “B” وأيضاً “C” لن تستطيع سوى استثمار ما بين 90% و70% على التوالي من الزيادة في رأس المال.
أتليتيكو مدريد نموذج للتوازن المالي
خلال الميركاتو الصيفي الحالي أنفق أتلتيكو مدريد أكثر من 184 مليون يورو على لاعبيه الجدد للتعاقد مع خوليان ألفاريز (75 مليون يورو من دون احتساب الإضافات)، كونور كالاغر (42 مليون يورو)، روبين لو نورماند (34.5 مليون يورو) وألكسندر سورلوث (32 مليون يورو).
بعد التعاقد مع هؤلاء اللاعبين كان يتعين على أتلتيكو مدريد إضافة 35.8 مليون يورو سنوياً (مبلغ الصفقات الكلي على عدد المواسم) لقيمة رواتب هؤلاء اللاعبين في موسم واحد، وهو رقم مماثل تقريباً للمبلغ الذي ضخه الروخي بلانكوس من خلال زيادة رأس ماله 35.35 مليون يورو للموسم الواحد، مما يدل على أنه لولا هذا الجهد من قبل المساهمين، لكان من المستحيل الحصول على هذا القدر والمستوى من الصفقات.
حالة برشلونة المستعصية
يعود المأزق المالي الذي يعاني منه برشلونة أساساً إلى تجاوز سقف الرواتب الحد اللازم وهو ما يجعل الإدارة عاجزة عن أدائها، وبالتالي تقوم رابطة الدوري الإسباني بتقييد تسجيل اللاعبين الجدد وهو ما حدث في قضية اللاعب داني أولمو، حيث لم يستطيع النادي تسجيله وبذل مجهوداً مالياً لتحقيق الاستقرار في الحسابات إما من خلال جلب مزيد من إيرادات الرعاية أو بيع اللاعبين.
وتنص القاعدة الحالية على أنه إذا تمكن النادي من تخفيض سقف الرواتب عن طريق بيع أو إعارة لاعب، فسيسمح له بإنفاق 60٪ أو 70٪ من المبالغ التي يمكن توفيرها.
وبقرار النادي السماح برحيل الألماني غوندوغان مجانا إلى مانشستر سيتي فإن النادي الكتالوني، وفّر ما يقارب 10 ملايين يورو من راتبه سنوياً بعد الضرائب، ولأن النادي يعاني رقابة اقتصادية، كان يريد استخدام 7 ملايين يورو (70% من راتب غوندوغان) سعياً منه لتسجيل أولمو.
تم التعاقد مع أولمو مقابل 60 مليون يورو تقريباً لمدة 6 مواسم، راتب أولمو الذي سيتم تدوينه في الحسابات مكون من شطرين (9 ملايين تقريباً نسبة الصفقة في كل موسم، بالإضافة إلى راتبه دون ضرائب والذي يصل إلى 4.5 مليون يورو) ما يعني أن المبلغ الذي تم توفيره من صفقة غوندوغان غير كافية لتسجيل الدولي الإسباني.
وسارع نادي برشلونة الخطى للبحث عن حلول مالية تضمن له تسجيل أولمو بدلاً من كريستنسن المٌصاب قبل مواجهة رايو فايكانو، قبل نهاية فترة الانتقالات الصيفية مع نهاية شهر غشت.
كل هذه التعقيدات المالية تجعل نادي برشلونة في وضعية مفخخة هذا الموسم وفي المواسم المقبلة إذا لم يتم إيجاد حلول جذرية، وفي هذا السياق، تتطلع إدارة لابورتا إلى تحسين العقد مع شركة نايكي للألبسة من أجل زيادة الإيرادات المالية مستقبلاً وإذا لم يتم ذلك فإن برشلونة سيبقى دائماً تحت قبضة قوانين اللعب المالي النظيف لرابطة الدوري الإسباني.