بالرغم من تعهده بالاعتماد على الطاقة النظيفة.. المغرب يتجه نحو استيراد الغاز الطبيعي المسال
أطلق المغرب مؤخرا خريطة طريق لتطوير البنية التحتية للغاز، والتي بموجبها يمكن تزويد البلاد بعدد من المنافذ لاستيراد الغاز المسال.
هذه الخريطة تم تجسيدها من خلال برتوكول اتفاق تم توقيعه بين وزارات الداخلية والاقتصاد والمالية والتجهيز والماء والانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بهدف تعزيز التنسيق بين الوزارات لإنجاز برنامج تطوير بنية تحتية غازية.
ويتضمن البرنامج، حسب وزارة الانتقال الطاقي ، تطوير محطة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال في ميناء الناظور غرب المتوسط وإنشاء أنبوب غاز جديد يربط المحطة بالأنبوب المغاربي الأوروبي.
وهو ما طرح أسئلة عديدة حول طبيعة هذا النوع من الوقود الأحفوري وجدوى الاهتمام المتزايد به من طرف المغرب خاصة في ظل تعهد المملكة في السنوات الأخيرة بالتقليل من اعتمادها على الوقود الأحفوري والتوجه نحو إنتاج الطاقة النظيفة.
خصوصا وأن وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي كانت قد أكدت في حوار سابق أن المغرب يسعى لاستثمار 40 مليار درهم في قطاع الغاز خلال السنوات القليلة المقبلة.
ما هو الغاز الطبيعي المسال ؟
هو غاز طبيعي يتم تحويله من حالته الغازية إلى حال سائلة عن طريق تبريده حتى درجة −162 درجة مئوية ليتخذ مساحة أصغر بنسبة 600 مرة من حالته الأصلية تمكن من نقله بسهولة لمسافات بعيدة، حيث يتم تخزينه وتبريده داخل خزانات على متن ناقلات ضخمة معدة خصيصا لنقل الغاز المسال للمسافات الطويلة.
وعندما يتم نقله من مكان إلى آخر، يمكن إعادة تسخينه وتحويله لغاز مرة أخرى، من خلال رفع درجة حرارته، في محطات استقبال الغاز المسال
لماذا تحولت دول العالم نحو استيراده بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة؟
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، سعت الدول الأوروبية إلى تقليل اعتمادها على روسيا في مجال الطاقة، حيث كانت روسيا المزود الرئيسي للغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خطوط أنابيبها التي تمتد على طول القارة.
في المقابل وبعد اندلاع الحرب فقد تم تقليص الاعتماد على الغاز الروسي والانتقال نحو الاعتماد بشكل أكبر على استيراد الغاز الطبيعي المسال من دول كالولايات المتحدة الأمريكية أساسا وقطر.
في هذا السياق خلصت بيانات “إس إند بي” إلى أن صادرات روسيا من الغاز الطبيعي انخفضت بأكثر من 80 بالمائة خلال الفترة ما بين 2021 أي قبل اندلاع الحرب إلى سنة 2023، حيث انتقل الرقم من 15 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، أو حوالي ثلث احتياجات القارة، إلى 3 مليارات قدم مكعب يوميًا بحلول نهاية عام 2022.
ويعزا جزء من هذا الانخفاض إلى قطع روسيا إمدادتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر أهم أنابيبها “نورد ستريم 1” ردا على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أوروبا، وهكذا وجدت أوروبا، التي كانت آنذاك تعتمد على الغاز الروسي لتلبية 40 بالمائة من حاجياتها، نفسها أمام تحد لإيجاد بديل سريع للغاز الروسية
وقد ساعد الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة على استبدال هذه الطاقة بسرعة، حيث يمكن خيار الغاز المسال من استيراد الغاز من مزويدين بعيدين دون الحاجة إلى بناء أنابيب ضخمة قد تأخذ سنوات لإكمالها.
لماذا يحتاج الغاز الطبيعي المسال إلى بنية تحتية خاصة لاستيراده ؟
لاستيراد أو تصدير الغاز الطبيعي المسال لا بد من محطات خاصة لاستقبال ناقلات الغاز الطبيعي المسال. حيث يتم تفريغها من حمولتها، ومن ثمة تحويل الغاز الطبيعي المسال مرة أخرى إلى حالته الغازية، وهكذا يمكن تقسيم النشاط في محطة الغاز الطبيعي المسال إلى أربع مراحل رئيسية.
- استلام وتفريغ الغاز الطبيعي المسال من ناقلات الغاز المسال الضخمة.
- تخزين الغاز الطبيعي المسال في صهاريج كبيرة خاصة، وهي عملية جد دقيقة، وقد تستغرق هذه العملية ما يصل إلى 12 ساعة لأن العملية يجب أن تكون حذرة للغاية. رغم هذا فمن الشائع أن تتبخر نسبة قليلة من الغاز الطبيعي المسال في الهواء، تتراوح بين (0-10٪).
- الضغط وإعادة تحويله إلى حالته الغازية
وحاليا يعتمد المغرب على الموانئ الإسبانية لاستيراد حاجياته من الغاز الطبيعي المسال، حيث كان المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب قد وقّع اتفاق مع شركة “شل” منتصف السنة الماضية، لاستيراد 500 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال سنويا إلى المملكة بموجب اتفاق مدته 12 سنة.
وكانت وزارة الانتقال الطاقي قد أشارت في بلاغ لها إلى أن الغاز سيتم شحنه في السنوات الأولى من موانئ إسبانية باستخدام خط أنبوب الغاز الذي يربط بين البلدين لحين بناء المغرب محطات للغاز الطبيعي المسال.
وحول العالم فقد أطلقت العديد من الدول مشاريع ضخمة لبناء موانئ مجهزة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال بهدف الرفع من وارداتها من هذه المادة الحيوية.
فحسب معطيات المعهد الأميركي لاقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، يتوفر الاتحاد الأوروبي على شبكة بنية تحتية كبيرة للغاز الطبيعي المسال في أوروبا مكونة من 37 محطة استيراد عاملة، بالإضافة إلى 13 مشروعًا جديدًا قيد الإنشاء، فيما هناك خطط لتوسيع أربع محطات أخرى قائمة .
في هذا السياق يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الرفع من وارداته من الغاز الطبيعي ب94 مليار متر مكعب بحلول سنة 2023، لتصل رقم الواردات الإجمالي إلى 405 مليار متر مكعب.
لماذا يسعى المغرب إلى رفع وارداته منه رغم مشاريع الطاقات النظيفة ؟
على الرغم من تسطير المغرب للاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة والتي من خلالها فتح الباب أمام مجموعة من المشاريع الكبرى لإنتاج الطاقة المتجددة، إلا أن المغرب يظهر عزما أكبر نحو الرفع من وارداته من للغاز الطبيعي المسال.
وهو ما يؤكده إطلاق المغرب لخريطة طريق لتطوير البنية التحتية للغاز، والتي بموجبها سيتم تزويد البلاد بعدد من المنافذ لاستيراد الغاز المسال.
في هذا السياق يرى الخبير الطاقي عبد الصمد ملاوي أن هذا التوجه يعود إلى عدة أسباب من أبرزها استيعاب انقطاع مصادر الطاقة المتجددة، وهو ما تبرره بعض الأحداث الأخيرة مثل التعطل الأخير الذي شهدته محطة نور 3 الذي أدى انقطاع القسري سيستمر حتى نهاية العام الجاري، بالإضافة إلى انقطاعات مشابهة، وهو ما دفع المغرب نحو استيراد الغاز الطبيعي كاحتياطي من أجل ضمان استقرار الشبكة الكهربائية في توليد الكهرباء.
سبب ثاني يتعلق بالتعهدات البيئية للمغرب بخفض إنتاجه من الغازات الدافئة بحلول 2030 بحوالي 45.5 بالمائة، موضحا أن هذا الرقم لن يتحقق إلا إذا توجه المغرب نحو الطاقات المتجددة أولا، بالإضافة استبدال المصادر الأحفورية الأكتر تلوثا بالمصادر الأقل تلوثا لدعم عملية الانتقال الطاقي.
في هذا السياق يعد الغاز الطبيعي من بين المصادر أقل تلوثا مقارنة بالمصادر الأخرى كالنفط والفحم الحجري وغيرها من المواد التي لا زال المغرب يستعملها في توليد الطاقة الكهربائية
كما أوضح الخبير أن المغرب في استراتيجيته الطاقية قد سطر ضرورة تنويع مصادره الطاقية، حيث أن المغرب يعتمد حاليا بشكل كبير على الفحم الحجري والنفط لتوليد الكهرباء.
وتشير مجموعة من المصادر الوطنية كالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وكذلك الوكالة الدولية للطاقة، أن المغرب في سنة 2022 أنتج حوالي 30 من جاجياته الطاقية من الفحم الحجري، و مايناهز 14%-15% من النفط و 56% من الغاز الطبيعي.
ومن المتوقع أن يتراجع توليد الكهرباء من الفحم الحجري سنة 2023 إلى 28%، ومن النفط بحوالي 14% ومن الغاز الطبيعي بحوالي 58%، أي بزيادة من 2% بالنسبة للغاز الطبيعي بالمقارنة مع سنة 2022
ويضيف الخبير أن هذه الأرقام تبين أن المغرب ينهج سياسة تنويع المصادر الطاقية، مضيفا أن الهدف من هذا التنويع هو تجنب التأثر بتقلبات الأسعار والاضطرابات على مستوى الإمدادات بالنسبة لباقي المصادر كما وقع خلال الحرب الروسية الأوكرانية.