بالرغم من تحسين تصنيفه.. المغرب لايزال في المراحل الأولى لمكافحة ظاهرة “غسل الأموال”
حسّن المغرب تصنيفه في مؤشر “مكافحة غسيل الأموال” لسنة 2024، الصادر عن معهد “بازل” للحكامة، ليقفز من المرتبة 101 سنة 2023 إلى المرتبة 95 هذه السنة، وذلك من أصل 164 دولة، بتحقيقه معدل مخاطر 4.94، وهو ما يضعه ضمن الدول ذات المخاطر المتوسطة المرتبطة بغسيل الأموال.
ويسجل البلد رتبة سيئة في هذا المؤشر، إذا صُنّف في مراتب متقدمة، حيث تعد المراتب الأولى خاصة بالدول الأكثر غسلًا للأموال، كما هو الحال بالنسبة لكل من “ميانمار” و”هايتي”، وجيدًا إذا اقترب من ذيل التصنيف المخصص للدول التي تعرف أقل نسبة من غسل الأموال، كما هو الحال بالنسبة لكل من “آيسلندا” و”سان مارينو”.
تعليقًا على دلالة هذا التصنيف وأضرار هذه الظاهرة، أكد الخبير الاقتصادي محد جدري أن ظاهرة تبييض الأموال تضر بشكل كبير بالاقتصاد الوطني، من خلال المساهمة في رفع معدل التضخم، بالإضافة إلى خلق جو من المنافسة غير العادلة التي تؤثر بشكل كبير على أرباح المستثمرين أو المقاولين الصغار في العديد من المجالات، مشددًا على أن المغرب قطع أشواطًا كبيرة في محاربة هذه الظاهرة.
وأوضح جدري أن غسيل الأموال يخلق منافسة غير عادلة بين أصحاب المشاريع الذين يعملون بطرق قانونية ومشروعة وبين الأشخاص الذين يقومون بغسيل الأموال.
غاسلو الأموال لا يهتمون بتكاليف أو قيمة ما يشترونه (مثل العقارات أو الأراضي) لأن الهدف الرئيسي لديهم هو تبييض الأموال غير الشرعية التي بحوزتهم، وليس تحقيق أرباح من المشاريع أو استثمارات حقيقية.
في المقابل، يعتمد أصحاب المشاريع القانونية على موارد محدودة، مثل القروض البنكية أو مدخراتهم الخاصة، ويحتاجون إلى دراسة الجدوى الاقتصادية لكل استثمار بعناية لضمان النجاح. وبالتالي، عندما ينافسون أشخاصًا يقومون بغسيل الأموال، يجدون أنفسهم في وضع ضعيف لأنهم لا يستطيعون مجاراة العروض أو الأسعار المرتفعة التي يقدمها غاسلو الأموال.
وشدد جدري على أن غسيل الأموال لا يمكن إلا أن يضر بالاقتصاد الوطني، خاصة وأن نسيجنا الاقتصادي يتكون أساسًا من مقاولات صغيرة جدًا وصغيرة، وهذه المقاولات لا يمكنها أبدًا أن تنافس تلك اللوبيات المرتبطة بغسيل الأموال داخل الاقتصاد الوطني.
وتابع المتحدث أن غسيل الأموال يساهم في ارتفاع التضخم بسبب السلوك المالي لغاسلي الأموال الذين لا يهتمون بالقيمة الحقيقية للسلع أو الخدمات ويركزون فقط على تبييض أموالهم بغض النظر عن التكلفة. هؤلاء الأشخاص يشترون عقارات وأراض وسلعًا وخدمات بأسعار قد لا تتوافق مع السوق، مما قد يؤدي، مثلًا، إلى رفع الأسعار بشكل غير طبيعي ويجعلها خارج متناول أصحاب المشاريع الصغيرة.
وبخصوص جهود المغرب لمواجهة هذه الظاهرة، أبرز الخبير الاقتصادي أن المغرب لا زال في المراحل الأولى من مكافحة غسيل الأموال، خصوصًا بعد خروج المغرب مؤخرًا من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي على المستوى العالمي، وهو ما يعكس جهود المملكة في هذا المجال، حيث أصبحت البنوك تراقب عددًا من العمليات التي يشتبه في ارتباطها بغسيل الأموال.
في هذا السياق، كان التقرير السنوي للهيئة الوطنية للمعلومات المالية قد كشف عن ارتفاع التصاريح المتعلقة بالاشتباه بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ببلوغها أزيد من 5.700 تصريح خلال سنة 2023، فيما تمت إحالة 71 ملفًا على وكلاء الملك لدى مختلف المحاكم بمدن المملكة، وهو ما يشكل ارتفاعًا نسبته تزيد عن 31% مقارنة بسنة 2022.
وأوضحت الهيئة في تقريرها السنوي برسم سنة 2023، أن عدد تصاريح الاشتباه بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب الواردة عليها انتقل من 1.088 سنة 2018 إلى 5.777 سنة 2023، من بينها 38 تصريحًا فقط يتعلق بتمويل الإرهاب. ويشكل الرقم الإجمالي للتصاريح ارتفاعًا بأزيد من 430% مقارنة بسنة 2018.
وبخصوص أهم مزودي التصاريح بالاشتباه، فقد حافظ القطاع البنكي على المرتبة الأولى بتزويده لأزيد من 44% من إجمالي التصاريح الواردة على الهيئة، في حين احتلت مؤسسات الأداء (خدمات الدفع وتحويل الأموال) المرتبة الثانية بنسبة بلغت أزيد من 19% من إجمالي التصاريح.