“النبي” الذي كاد يخلق أزمة بين المغرب وماليزيا…القصة الكاملة
قبل حوالي أسبوعين، نشر طالب ماليزي يدرس بجماعة محمد الخامس بالرباط، وثيقة “سرية” على حائطه الفايسبوكي، تحمل ترويسة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، صادرة بتاريخ 20 شتنبر 2023، يفترض أنها موجهة للسفارة الماليزية.
الوثيقة تتضمن معطيات عن شاب، يرجح أن السلطات الماليزية طلبت معلومات عنه من نظيرتها المغربية، وجاءها الرد بأن الشاب موضوع السؤال “لا علاقة له بالمغرب”. نشر الشاب الوثيقة، ثم سرعان ما حذفها بعد تصاعد الجدل، بين تشكيك وتأكيد لصحتها. الجدل فجرته مراسلة للسلطات الماليزية، تعتذر فيه عن ما أسمته “تسريبا لوثيقة رسمية”، مؤكدة أنها “فتحت تحقيقا في الموضوع، وتأكد لديها أن التسريب ليس من سفارتها”.
ثبت بعد ذلك، أن مراسلة السلطات الماليزية الحاملة للاعتذار عن التسريب موجهة إلى نظيرتها المغربية، وأن الموضوع يتعلق بشخصية مثيرة للجدل تعرف لدى مقربيها في المغرب ب”الشريف المولى محمد أمين”، بينما تعرف في ماليزيا ب”النبي الجديد”، أو “المهدي المنتظر”.
وأوردت الوثيقة المنسوبة لوزارة الخارجية المغربية، أيضا، أن الشاب موضوع البحث “فرنسي من أصل جزائري، يعرف بلقب “الشريف الإدريسي” واسمه الحقيقي محمد أمين أورادج”. وهو “من مواليد 4 شتنبر 1984 بالجزائر، وهاجر رفقة أسرته إلى فرنسا في التسعينات قبل أن يعود إلى بلده الأصلي لاستكمال دراسته الإسلامية بجامعة أدرار”.
هذا الشاب، حسب الوثيقة دائما، “دخل المغرب للمرة الأولى في 30 أكتوبر 2014، ويعيش بين فرنسا والمغرب وماليزيا وإندونيسيا واليمن”. وخلال مقامه بالمغرب، “تزوج من مغربية في سنة 2014، وحاول تغيير اسمه من “أورادج” إلى “الإدريسي””. وخلصت الوثيقة إلى أن المعني بالأمر “يدعي أنه مغربي والحال أنه فرنسي من أصل جزائري، ويستغل سمعة العلماء والصوفيين المغاربة للنصب على المسلمين في جنوب آسيا”، وأنه “لا علاقة له بالشرفاء الأدارسة المغاربة”، وأنه “يستغل الأمر لإثارة الأتباع، وأن المؤسسات الدينية في المغرب لا تدعم نشاطات هذا الشخص”.
هكذا بدأت القصة، قبل أن تظهر فيما بعد تفاصيل مثيرة بطلها “نبي” مزعوم يحمل “دينا جديدا”، وله اتباع كثر يمد إليهم يده لتقبيلها والتبرك بها، أو هكذا تم تقديمه، ما دفع السلطات الماليزية للبحث في سيرته وأصله. فلجأت إلى السلطات المغربية تبحث عن أجوبة لأسئلة كثيرة تقدمها للألاف من “الأتباع” الذين يتسابقون تباعا للوقوف أمام رجل ذو سحنة بيضاء، يقترب من الأربعين، اختار لنفسه مظهر”الفقهاء” و”الشرفاء”، يقف بين الجموع بجلبابه وعمامته يخطب فيهم ويدعو لهم، وهم يتطلعون إليه طائعين خانعين.
لكن ما هي قصة هذا الشاب؟ قبل حوالي أسبوعين، لم يكن يعرفه غير “أتباعه ومحبوه” داخل وخارج المغرب، خاصة آسيا، غير أن الجدل الذي خلقته الرسالة المنسوبة إلى وزارة الخارجية المغربية، نقلته إلى دائرة الضوء وحديث وسائل الإعلام، ومن تم بدأت رحلة البحث في سيرة محمد أمين أوراج الحسني، أو “النبي المزعوم”.
هو شاب مغربي ولد في 4 دجنبر 1982، بالجزائر، هاجرت عائلته إلى فرنسا في التسعينات، وهناك تلقى تعليمه الأولي والجامعي، وحصل على الإجازة سنة 2008، وبعدها ماستر أول ثم ثان وثالث في تخصصات مختلفة. لا تعرف له حرفة ولا مهنة، لكن المقربون منه أكدوا ل”صوت المغرب” أنه يقدم نفسه “شريفا وباحثا صوفيا”، يفتخر ب”نسبه الشريف ويرفض أن يصنف في خانة أتباع الزوايا والأضرحة”، فهو يعتبر نفسه “أكبر وأعلى مقاما استنادا إلى نسبه الشريف”.
يعيش حياته مترددا على عدة بلدان، خاصة آسيا، هناك كون لنفسه “قاعدة جماهيرية” من الأتباع الذين ينتظرون زيارته لسماع خطبه “الروحية”. شاب حداثي الملامح يعيش في جلباب “شخصية” اختارها لنفسه ويعيشها “إيمانا واقتناعا”، تقول مصادر “صوت المغرب”.
بقي محمد أمين أوراج الحسني يعيش في جلباب “شيخ الشباب” يصول ويجول بين الأتباع الذين صاروا يتكاثرون.. ويبدأ حديثه إليهم بلازمة “يا مجلس…أنا طالب…ما شيخ ما عالم”. في سنة 2022، فقد محمد أمين أوراج “عرابه” ومحتضنه الأول، وهو مولاي عبد الله الشريف الوزاني، وهو أحد “الشيوخ” المعروفين في فاس. وقبل دفنه في فاس، يقول مقرب من أمين أوراج، “جاءه مبعوث من القصر يطلب منه أن يكمل مسيرة شيخه”، قائلا “إذا ذهب الجسد فالروح باقية.. فاكمل المسيرة”.
بدأ الرحلة برسم صورة الشيخ الشاب…بعينين كحيلتين يرفل في ثياب بيضاء، ويعتمر رأسه عمامة أشد بياضا، بينما يحيط بمجلسه الأتباع من كل جانب. يقول إنه مغربي “شريف” يحمل في عروقه “دماء النبوة” وإنه “من نسل النبي محمد”، وهذا ما أكسبه شهرة في ماليزيا.
الماليزيون شعب “طيع” وبسيط، يقول مقربون من “المولى أمين”، وأنهم “يؤمنون بخطابات الشيوخ الروحانية، والتي تؤثر فيهم بشكل كبير”، وهي الأرضية التي وجدها “المولى محمد أمين “خصبة ليعيش نجوميته هناك”. قصة النبوة والدين الجديد يعرف محمد أمين أوراج ب”النبي” في ماليزيا.
مقربون منه قالوا في تصريحات ل”صوت المغرب” إن “الأمر مجانب للحقيقية، وبأنه لم يسبق له أن قدم نفسه نبيا ولا حاملا لدين جديد”. المصادر ذاتها أكدت ل”صوت المغرب” أن “العديد من الروايات نسجت عن محمد أمين أوراج، ضمنها قصة النبوة والدين الجديد”، وأن “جهات تعاديه هي من روجت لهذه الروايات بهدف الإساءة”.
الشاب الماليزي الذي نشر وثيقة الخارجية، وهو طالب يدرس في المغرب، قال في حديث مع “صوت المغرب” إن “اتباع “المولى محمد أمين هم من يصفونه بالنبي”، نافيا بدوره “أن يكون الشاب المثير للجدل قدم نفسه يوما نبيا ولا حاملا لدين”، قبل أن يردف: “لكن أتباعه والجهة التي تستدعيه إلى ماليزيا، وهي مؤسسة دينية معروفة، هم من يفعل ذلك”.
لكن كيف تفجر جدل النبوة والدين الجديد؟
كلما حط محمد أمين أوراج الرحال بماليزيا، إلا واستقبل استقبال الملوك.. يتحرك بحراس يرافقونه أينما حل وارتحل، وتقبل يده من قبل شرطة المطار الذي يدخله مختالا بلباسه المثير. يتهمه خصومه بأنه يدعي تأسيس طائفة دينية جديدة في ماليزيا، يبشر فيها الناس “إلى طريق قويم”، ويوما بعد الآخر ازدادت شعبية هذا الرجل ذو العمامة البيضاء واتسع أعداد أتباعه الماليزيين.
تحركات هذا الرجل وضعته تحت دائرة الضوء والبحث، وهو ما قاد السلطات الماليزية إلى اقتفاء أثره، وتتبع خيوط هذه القضية. مقربون منه يؤكدون بأنه “يخطب في الناس ليشرح لهم ويرسم لهم ملامح حياة معاصرة قريبة من حياة النبي محمد عليه السلام، ولا شيء غير ذلك”. لكن السلطات الماليزية توصلت إلى معلومات بأن “النبي” الجديد “اشترى أراض كثيرة في البلاد، وسفنا، ويستعد لتأسيس دولة جديدة بدين جديد في البلاد”، وهو ما “أثار مخاوفها فبدأت رحلة البحث في حقيقته”.
مصادر مقربة من “المولى محمد أمين” نفت في تصريح ل”صوت المغرب” أن يكون الأخير “يملك أي شبر أرض في ماليزيا، ولا نية له لتأسيس دولة ولا طائفة، وأنه “شريف من سلالة النبي محمد عليه السلام” يخطب في الناس بما أوتي من علم لا أقل ولا أكثر”.
هل اعتقل “النبي”؟
في الوقت الذي راجت فيه أخبار عن اعتقال “المولى أمين الحسني”، في ماليزيا، كان الأخير في فاس يحظر نشاطا دينيا. محبوه سربوا مقطع فيديو يظهره منزويا رفقة أصدقائه في زاوية مولاي عبد السلام بن مشيش. مصادر مقربة منه قالت ل”صوت المغرب” إنه اعتاد دخول ماليزيا منذ سنوات بدون مشاكل”، وأنه “لم يسبق له أنه اعتقل”، وأن “جهات تعاديه ضمنهم “علماء” في فاس هم من يقف وراء الحملة ضده”. وزاد المصدر نفسه: “المولى محمد أمين حمل مشعل مولاي عبد الله الشريف الوزاني بعد وفاته، وهو ما جر عليه نقمة العديد من الأعداء…هذه هي القصة بكل بساطة”.