الموت يدق أبوابها كل صيف.. تفنوت تحت قسوة السموم وغياب الأمصال

في أعالي جبال تفنوت بإقليم تارودانت، يتجدد كل صيف كابوس لدغات الأفاعي ولسعات العقارب، وسط عجز صحي مزمن وغياب تجهيزات طبية أساسية قد تُنقذ الأرواح.
وفي ظل هذا الوضع الصعب، يواجه سكان هذه المناطق الجبلية المنسية مصيرًا قاتمًا، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد التنقل بين الحقول والمراعي، حيث تتكاثر الزواحف السامة في غياب تام لمضادات السموم والإسعافات الأولية.
نداء استغاثة عاجل أطلقه نشطاء وفاعلون مدنيون، محذّرين من كارثة صحية تتكرر كل عام، ونبهوا إلى أن تأخر التدخل الطبي وغياب الأمصال غالبًا ما ينتهي بمآسٍ إنسانية، خاصة في صفوف الأطفال وكبار السن.
وتؤكد فعاليات جمعوية وحقوقية أن التأخر في توفير الأمصال الضرورية ينجم عنه في كثير من الأحيان فقدان أرواح، أو مضاعفات صحية خطيرة للأطفال وكبار السن، داعية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والسلطات الإقليمية إلى التدخل الفوري وتجهيز المراكز الصحية بالمضادات الحيوية الخاصة بلسعات العقارب ولدغات الأفاعي.
وأطلقت هذه الفعاليات حملة مدنية وحقوقية تحت الهاشتاغ: #أنقذوا_تفنوت___بأمصال_العقارب_والأفاعي_قبل_أن_تفقد_أرواح_أبنائها_مرة_أخرى
واعتبرت أن هذه الحملة محاولة لإيصال صوت الجبل المنسي إلى الرأي العام، وحثّ الجهات المعنية على التحرك الفوري.
وفي السياق، أكد يوسف مازيغ ابخار، ابن منطقة تفنوت بإقليم تارودانت، ومطلق هاشتاغ: “أنقذوا تافنوت من سموم العقارب والأفاعي قبل أن تفقد أبناءها من جديد”, أن ساكنة الجماعات القروية التابعة لتفنوت، وهي جماعة إكيدي، أهل تفنوت، وتوبقال، تعاني من غياب مستوصفات مجهزة بالكامل للتعامل مع الحالات الصحية الطارئة، خاصة في ظل ارتفاع حالات لسعات العقارب ولدغات الأفاعي خلال فصل الصيف.
وأشار مازيغ في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إلى أن الحادث المأساوي الذي أودى مؤخرًا بحياة طفل صغير، بعد تعرضه للسعة عقرب في إحدى دواوير جماعة تفنوت، يكشف بوضوح عمق الأزمة، موضحًا أن وفاة الطفل كانت نتيجة مباشرة للإهمال وغياب الأمصال المضادة لسموم الأفاعي والعقارب، وأن هذه المأساة تتكرر كل صيف وسط صمت غير مبرر من الجهات المسؤولة.
وأضاف أن سيارات الإسعاف، وإن توفرت، فهي غير مجهزة لتقديم الإسعافات الأولية الضرورية، بل إن بعضها يفتقر حتى إلى أبسط شروط السلامة كوجود الإنارة، مشيرا إلى ان ذلك يدفع الأسر، خصوصًا في المناطق الجبلية، إلى نقل ضحاياهم بوسائل خاصة وعلى نفقتهم الشخصية، ما يُفاقم المعاناة ويهدد حياة المصابين.
وفيما يخص حالة الطفل المتوفى، قال مازيغ إن الأسرة اضطرت لنقله بسيارة خاصة لمسافة طويلة قبل أن تلتقي بسيارة إسعاف على الطريق، لتستمر الرحلة نحو المستشفى حوالي خمس ساعات، وهو ما أتاح للسم الانتشار في جسده، وتسبب في وفاته رغم محاولات العلاج المتأخرة.
وشدّد على أن “الهاشتاغ” الذي أطلقه رفقة نشطاء آخرين جاء ردًّا على الإهمال المزمن الذي تعاني منه تفنوت صحيًا، داعيًا إلى ضرورة توفير مستوصف مجهز تجهيزًا كاملاً، وسيارات إسعاف قابلة للتدخل السريع، حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث الأليمة.
وخلص المتحدث بالقول إلى أن ساكنة منطقة تفنوت تواجه مشاكل كثيرة، “لكننا نركّز الآن على الملف الصحي، لأنه الأكثر إلحاحًا. وقد بدأ عدد من المنظمات الدولية والناشطين والفاعلين في التفاعل مع هذا الملف بعد الوقوف على حجم المعاناة التي نوثقها يوميًا”.
وعلاقة بنفس الموضوع، تسببت لدغة أفعى قبل أيام في وفاة طفل ينحدر من دوار تسكينت بجماعة إكيدي التابعة لإقليم تارودانت، وذلك رغم محاولات إسعافه ونقله إلى المستشفى الإقليمي بالمدينة.
وقد وقع الحادث، يوم الأحد 27 يوليوز 2025، حين تعرض الطفل للدغة أفعى في الدوار المذكور، الذي يبعد بنحو 12 كيلومترا عن مركز الجماعة عبر طريق غير معبدة ووعرة التضاريس.
ونظرا لغياب مركز صحي مجهز بجماعة إكيدي، وتأخر توفير سيارة إسعاف، تطوع أحد السكان لنقل الطفل على متن سيارته الخاصة، في محاولة لتسريع وصوله إلى نقطة الإسعاف.
وبعد نقله إلى المركز الصحي بجماعة أوزيوة، الذي يبعد حوالي 38 كيلومترا، نظرا لخضوع المركز المحلي للصيانة، تم نقله مجددا إلى المستشفى الإقليمي بمدينة تارودانت بسبب ضعف التجهيزات على مستوى جماعة أوزيوة، قبل أن يفارق الحياة بعد تدهور حالته الصحية، نتيجة تأخر تلقي العلاج وغياب المصل المضاد لسم الأفاعي.