الملك في الإمارات.. نهاية الحرب البارد العربية؟
يحل الملك محمد السادس اليوم الاثنين في الإمارات العربية المتحدة، في زيارة رسمية لا يمكن النظر إليها كأي حدث عابر.
الخطوة التي كثر الحديث عنها في الفترة الأخيرة بكثير من الترقب، تؤشر على نهاية مرحلة أقل ما يمكن أن توصف به، هو ما قالته بعض المراكز البحثية من “حرب باردة” دارت رحاها طيلة العشرية الأخيرة، أي منذ العام 2013، وانطلاق ما يعرف بالثورات المضادة، والتي شكلت الإمارات العربية المتحدة، رأس الحربة في المعسكر الذي قادها، بينما كان المغرب إحدى ساحاها الرئيسة.
لا عداوة ولا صداقة دائمين في السياسة، وبشكل خاص في العلاقات بين الدول، لكن طي الصفحات يكون مفيدا عندما تتم قراءها وفهمها أولا. هذه القراءة ينبغي أن تستند إلى المعطيات والتفسيرات العقلانية والموضوعية، لا الأيديولوجية التي تنطلق من أحكام مسبقة.
لنتذكر أن المغرب يشكل إل جانب دول الخليج العربي والأردن، الفئة “الناجية” من اضطرابات فترة الربيع العربي، وأن المغرب تلقى وقتها دعوة رسمية للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. نعم، لقد مر اليوم 12 سنة وهناك قسم كبير من الشباب المغربي لا يعرف أن بلاده المسماة تاريخيا بالمغرب الأقصى، كانت مدعوة وبشكل رسمي لعضوية مجلس الملكيات الخليجية الست.
لم يستجب المغرب، وما كان له ليستجيب لطلب يحمل كل عناصر التناقض مع الطبيعة قبل أي شيء آخر، واختار حتى وهو يحصل على وعد سخي بتلقي تمويلات استثنائية، أن يبني نموذجه الخاص في التعامل مع موجة الثورات والاحتجاجات الشعبية. وبدل إخراج الهراوات ومعدات القمع والإخضاع، أخرج المغرب عرضا دستوريا شجاعا قدمه الملك وقبله الشعب، وذهب المغاربة إلى انتخابات مبكرة، أعطت الصدارة لإسلاميي العدالة والتنمية، وهنا اتسعت شقة الخلاف بين ملكية المغرب وملكيات المشرق.
حاول المغرب جاهدا الحفاظ على علاقاته التاريخية الوطيدة بدول الخليج، ولم يتخلف عن دعوة الانضمام إلى التحالف العربي الذي شن الحرب في اليمن، وإن عاد لينسحب منه بعد ذلك، وكبر الخلاف تدريجيا لدرجة بات معها المغرب، وبشكل غير مسبوق، ساحة لتحركات سعت إلى التأثير في الوضع الداخلي للبلاد، وحمله مكرها على الإطاحة بإسلامييه وإخراجهم من المشهد كما أخرج إخوانهم في مصر.
وحتى لا نسقط في أي اصطفاف أو تبن لرواية طرف على حساب أخرى، دعونا نشير إلى أن الأمر يتعلق بصراع دولي بأدوات إقليمية، دارت رحاه في جل دول المنطقة العربية، وقادته في المنطقة المغاربية أربع قوى “سنية”، هي كل من العربية السعودية والإمارات وقطر وتركيا.
كان محور هذا الصراع يدور حول ثلاث نقط رئيسة: أولاها الإسلام السياسي، فكانت هذه القوى منقسمة بين داعم ومساند لها، وتحديدا قطر وتركيا، وبين رافض بل ومحارب لها، ويتعلق الأمر أساسا بالإمارات.
أما ثانيها فهي أزمة قطر، والحصار الذي أعلنه ضدها جيرانها، وعلى رأسهم العربية السعودية، بينما حرص المغرب على استقلالية قراره ورفض الانخراط في هذا الحصار، بل أرسل المساعدات وقام الملك شخصيا بزيارة الدوحة.
فيما تتمثل النقطة الثالثة في المصالح الاقتصادية والاستثمارية، ومن خلالها الحصول على أوراق ضغط ونفوذ في المغرب ومن خلاله في محيطه الإقليمي والقاري.
اليوم وبعد مرور عشر سنوات كاملة على انطلاق ما يعرف بالثورات المضادة، تقول بعض المراكز البحثية إن المغرب كان أفضل من تعامل مع ما أفرزته من تناقضات ومحاور عربية. فهو الذي أبقى إسلامييه في السلطة لولايتين حكوميتين كاملتين ولم يخرجهم منها إلا بأسلوبه وطريقته (…)، وهو الدولة العربية التي احتفظت بعلاقات محايدة ومتوازنة مع أطراف الأزمة الخليجية، وكان نقطة توازن في الملف الليبي، كما أبقى مصالحه الاقتصادية مفتوحة على الأطراف “السنية” كلها، بالترغيب (فتح الباب للاستثمار) تارة والترهيب أخرى (حظر وتقييد بعض الواردات التركية…).
بل إن خريطة إقليمية ودولية جديدة تتشكل، وأبرز معالمها ما حصل في العلاقات التركية الإماراتية، في الوقت الذي كانت الدولتان تقفان على طرفي نقيض طيلة العشرية الماضية. وحتى عندما بدأت ابرة البوصلة الخليجية، وخاصة الإماراتية، تميل نحو المغرب، حرص المغرب على توازنه الدقيق وراح يبعث الرسائل المتوالية عن عدم استعداده الدخول في أي اصطدام أعمى مع الجزائر، ورفضه التحول إلى مصدر لأي شر يصيب الجزائريين.
بناء على كل ذلك، يمكن القول إن “طنجرة” العلاقات المغربية الإماراتية قد استوت على نار هادئة، وحتى الملف الملغوم للتطبيع مع إسرائيل، جرى ضبطه بعناية على التوقيت المغربي، حين رفض المغرب في عز جائحة كورونا تدخّل الإمارات العربية المتحدة دون تنسيق مسبق لنقل رعايا إسرائيليين كانوا حينها عالقين في المغرب، وبالتالي ورغم ما يثيره الموقف الرسمي للمغرب، المصر على هذا التطبيع من غضب داخلي، إلا أنه على الأقل بات معزولا عن أية أجندة إقليمية يمكن أن تفكر في تحويل المغرب إلى أداة طيعة في أجندتها.