المغرب يفتح صفحة جديدة في علاقاته الديبلوماسية مع شركائه التقليديين
منذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، آواخر سنة 2020، استطاعت الديبلوماسية المغربية إعادة ترتيب أوراقها في علاقاتها مع عدد من الدول، خاصة شركاء المغرب التقليديين، وهو ما مكن المغرب من جني مكاسب سياسية مهمة، تمثلت في تقوية موقفه من قضية الصحراء المغربية عبر كسب دعم دول كبرى لها تأثير قوي في الساحتين الإقليمية والدولية.
الموقف الإسباني
وكانت البداية مع ضم الموقف الاسباني الذي ظل ضبابيا وفي بعض الأحيان استفزازيا، لعقود طويلة، قبل أن تعلن الجارة الشمالية في مارس 2023، عن دعمها لملف القضية الوطنية، معتبرة أن مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، هو “الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع” بين المغرب وجبهة “البوليساريو”.
وقد أنهى دعم إسبانيا للقضية الوطنية مسلسل خلاف دبلوماسي كبير بين البلدين، كان قد انطلق في أبريل سنة 2021، حينما استقبلت إسبانيا زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي بهوية مزورة من أجل تلقي العلاج بمستشفياتها، واستمرت هذه الأزمة لما يقارب السنة وأسفرت عن ردود فعل قوية من طرف المغرب كان أبرزها استدعاءه لسفيرته في مدريد من أجل التشاور.
وتعزز الموقف الإسباني أكثر بالزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز يوم أمس للمملكة، والتي جدد فيها الموقف الإسباني من دعم قضية الصحراء المغربية، خلال استقباله من طرف الملك محمد السادس.
وقد شملت هذه الزيارة عددا من الملفات من بينها الموقف الإسباني من الصحراء المغربية، والدعم الإسباني للمشاريع الاستراتيجية التي أطلقها المغرب، وحديث عن آفاق التعاون بين البلدين، في ظل الاستعدادات للاحتضان المشترك إلى جانب البرتغال، لكأس العالم 2030.
الموقف الألماني
ألمانيا هي الأخرى، وبعد توتر دبلوماسي كبير بسبب قضية الوحدة الترابية وملفات أخرى، صارت على نهج إسبانيا وعبرت عن دعمها لموقف المغرب في قضيته الأولى خاصة بعد رسالة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى الملك محمد السادس وكذا الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى المغرب في غشت سنة 2022.
العلاقات المغربية الفرنسية
أما فرنسا التي تعد الشريك التقليدي للمغرب منذ عقود، لا زالت تقف على نفس المسافة من كل الأطراف المعنية بملف الصحراء المغربية، بالرغم من الإشارات التي أرسلها المغرب إلى كل الدول الشريكة لدعم قصيته الوطنية، كان أبرزها الخطاب الملكي لـ 20 غشت سنة 2022.
وفي هذا الإطار يقول استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي محمد العمراني بوخبزة، “إن الأمر تطلب مجهودا استثنائيا من المغرب لإقناع شركائه بضرورة الانتقال إلى وضع جديد وبضرورة ان المستقبل يجب أن يبنى بكيفية مختلفة لأن هناك تحديات جديدة أصبحت مطروحة وكذلك هناك وضع جديد في العلاقات الدولية الذي يحتاج إلى علاقات جديدة ما بين المغرب وشركائه التقليديين”.
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية، أنه “في هذا الإطار هناك دول استوعبت وتفاعلت بشكل سريع مع هذا الطموح المغربي، في حين هناك دول أخرى كانت تتطلب المزيد مت الوقت”، مبرزا أن “المغرب شريكا يعول عليه لخدمة المصالح المشتركة لأن المغرب مقتنع بأن العلاقات ما بين الدول يجب أن تكون مبنية على أساس رابح- رابح وألا تكون موازين التعاون والشراكة لصالح طرف واحد دون طرف آخر”.
ومن جهة أخرى يعكس الموقف الفرنسي الضعيف، في دعم ملف الصحراء المغربية، أزمة ديبلوماسية صامتة بين الرباط وباريس مستمرة منذ سنوات.
بوادر انفراج الأزمة
لكن بوادر انفراج في الأزمة بين الرباط وباريس لاحت في الشهور الأخيرة، انطلقت بالإعلان عن مشاريع استثمارية ولقاءات ثنائية بين مسؤولين مغاربة وفرنسيين، ثم تعيين الملك محمد السادس لسميرة سيطايل سفيرة للمغرب في فرنسا.
وتبع هذا التعيين إشارات من مسؤولين فرنسيين عن قرب انفراج الأزمة، قبل أن تعلن الخارجية المغربية قبل 3 أيام عن استقبال بريجيت ماكرون زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للأميرات المغربيات الثلاث لالة مريم ولالة أسماء ولالة حسناء بقصر الإليزيه بتعليمات من الملك محمد السادس.
ويأتي ذلك في ظل ترقب لزيارة ينتظر أن يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، إلى المغرب يلتقي فيها بنظيره المغربي ناصر بوريطة، بعد أيام قليلة.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة، “ربما أن المتتبع للساحة السياسية الفرنسية سيلاحظ أن الموقف النشاز الذي لاحظناه في العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، هو موقف التيار الماكروني داخل فرنسا، في حين أن التيارات الأخرى كانت تنادي بضرورة إعادة رسم علاقات جديدة مع المغرب وفق الواقع الجديد المتمثل في أن للمغرب مصالح يجب مراعاتها”.
مستقبل العلاقات بين الرباط وباريس
وأضاف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، “الآن ربما حتى تيار ماكرون داخل الساحة السياسية الفرنسية بدأ بدوره يستوعب هذا التحول، ولذلك فالخطوات المتخذة لحد الآن هي خطوات تتجه نحو ما قامت به إسبانيا كخطوة أولى في أفق أن يكون ربما لفرنسا خطوات متقدمة، باعتبار طبيعة العلاقات التقليدية الوثيقة ما بين المغرب وفرنسا التي يمكن تسميتها بعلاقات التشبيك حقيقية ترسخت لعقود من الزمن من الصعب القفز عليها”.
وتوقع الأستاذ الجامعي أنه، “من المحتمل أن تتخذ فرنسا خطوات في اتجاه تقوية وتمتين العلاقات مع المغرب وأن تكون هاته العلاقات نموذجية بالنظر إلى طبيعة المصالح المشتركة الموجودة ما بين الطرفين”، يقول الأستاذ محمد العمراني بوخبزة.
وتشكل هذه التحركات الدبلوماسية للمغرب، الذي انتقل من اعتماد سياسة المهادنة والحوار إلى سياسة التعامل الند للند، امتحانا حقيقيا للمملكة ومدى قدرتها على إدارة الصراعات الخفية، خاصة مع القوى المؤثرة في الساحة السياسية الدولية، من أجل الدفاع عن مواقف المغرب والذود عن مصالحه العليا.