المغرب وأولمبياد باريس 2024.. حصيلة هزيلة وردود فعل متباينة
أسدل الستار في العاصمة الفرنسية باريس عن الدورة 33 للألعاب الأولمبية الصيفية، وسط تباين كبير في آراء المتابعين بخصوص حصيلة المشاركة المغربية التي تمثلت في ذهبية العداء سفيان البقالي في مسافة 3000 متر حواجز في ألعاب القوى، ونحاسية المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة في كرة القدم.
وكان المغرب قد شارك في أولمبياد باريس ب60 رياضيا يمثلون 19 نوعا رياضيا، هي ألعاب القوى والملاكمة والبريكدانس والكاياك والدراجات والفروسية والمسايفة وكرة القدم والغولف والجيدو والتجذيف والرماية وركوب الموج والسباحة والتايكواندو والترياتلون والكرة الطائرة والمصارعة، برزت فيها رياضة كرة القدم التي سجلت نفسها في التاريخ الأولمبي كأول رياضة جماعية تفوز بميدالية أولمبية وانضافت إلى رياضتين فرديتين كانتا هي الوحيدتان من سجلت تتويج أبطالهما بالميداليات منذ دورة روما 1960، ويتعلق الأمر برياضتي الملاكمة وألعاب القوى.
توقعات قبل الأولمبياد
كانت توقعات الخبراء والتقنيين في شؤون الرياضة قبل انطلاق الألعاب تشير في مجملها إلى فوز سفيان البقالي بالميدالية الذهبية للمرة الثانية على التوالي في مسافة 3000 متر موانع بالنظر إلى مستواه المستقر منذ أولمبياد طوكيو 2021 وفوزه بمختلف السباقات التي خاضها قبل التوجه إلى باريس، وأيضا إلى انتظار فوز خديجة المرضي بذهبية الملاكمة بعد ظفرها ببطولة العالم واستعدادها الجيد لأولمبياد باريس، فيما ذهبت نفس التوقعات إلى ترشيح فاطمة الزهراء الكردادي بإحدى ميداليتي سباق المارطون لكون العداء المغربية سبق لها أن فازت بنحاسية بطولة العالم ببودابيست لسنة 2023، ومشاركاتها الجيدة في مختلف سباقات الماراطون التي شاركت فيها، فيما لم يتم ترشيح أي نوع رياضي لصعود البوديوم بالنظر إلى المستويات الضعيفة التي تعوق الرياضيين المغاربة عن التنافس مع أبطال من المستوى العالي جدا في مسابقة الألعاب الأولمبية.
إقصاءات بالجملة
مع بداية الألعاب وكما كان متوقعا، سجلت المنافسات خروجا بالجملة للرياضيين المغاربة في جل الانواع الرياضية من الأدوار الأولى والتمهيدية، وبحصص كبيرة، وظهرت فوارق في مستواهم التقني وأيضا في كيفية الإستعداد وفي الطواقم المشرفة عليهم مقارنة مع المشاركين من باقي البلدان، رغم تسجيل صمود بعضهم ومحاولتهم البقاء في المنافسة، مثل رياضة ركوب الموج مع رمزي بوخيام الذي ترك انطباعا جيدا وهو يتقدم في الأدوار في كواجهة أبطال عالميين في هذه الرياضة.
الإقصاء طال حتى الملاكمة خديجة المرضي في دور الربع بعدما كان الجميع يرشحها لإحدى الميداليات، فيما احتلت عداءة الماراطون فاطمة الزهراء الكردادي صاحبة برونزية بطولة العالم الصف الحادي عشر في الوقت الذي كانت الترشيحات تذهب إلى إمكانية حصدها لإحدى الميداليات الأولمبية.
الإستثناء كرة القدم
كانت المشاركة المتميزة للمنتخب الوطني لأقل من 23 سنة في كرة القدم بمثابة المفاجاة الوحيدة في المشاركة المغربية، إذ رغم الصعوبات الكبيرة والعوائق التي صاحبت استعدادات لاعبي المدرب طارق السكيتيوي لهذا الحدث الرياضي العالمي، بعد أن رفضت مجموعة من الأندية تسريح لاعبيها المغاربة، إلا أن عناصر النخبة الوطنية صنعت الحدث عندما ظهرت بأسلوب لعب مفتوح وهجومي واستطاعت بواسطة لاعبين مهاريين دحر منتخبات قوية كالأرجنتين والولايات المتحدة الأمريكية وسجلت نتيجة تاريخية في مباراة الترتيب أمام المنتخب المصري ب 6-0 لتظفر بالميدالية البرونزية في الوقت الذي أكد كثير من المتتبعين أن المنتخب المغربي كان هو أكثر من يستحق الميدالية الذهبية لولا بعض الأخطاء في التدبير التكتيكي لمباراة نصف النهاية أمام إسبانيا.
حصيلة وردود أفعال متباينة
خلفت حصيلة الميداليتين الذهبية والبرونزية ردود أفعال متباينة وسط المسؤولين عن الرياضة المغربية وأيضا لدى الرأي العام الوطني، وقد اعتبر المدير التقني للجنة الأولمبية الوطنية حسن فكاك حصيلة المشاركة المغربية في أولمبياد باريس 2024 إيجابية جدا وأن مجرد التأهل هو إنجاز كبير وأن نسخة باريس “كانت أفضل من نسخ طوكيو ولندن وريو دي جانيرو.
إذن كان هناك تحسن للمغرب وللرياضة المغربية ”، فيما ذهبت وجوه مهتمة بالرياضة الوطنية في نفس الإتجاه وأكدت أن حصيلة أولمبياد باريس كانت منتظرة ولم تخرج عن حصيلة المغرب في الدورات السابقة، واعتبروا أن الوجه الذي ظهر به الرياضيون المغاربة هو مستوانا الحقيقي في الرياضة، معتبرين أن المغرب ليس بلدا “رياضيا”، وأن ميداليتين في الألعاب الأولمبية هما أقصى ما يمكن للبلاد أن تفوز بهما في منافسات عالية المستوى في جميع الرياضات.
على النقيض من ذلك ترى بعض الأسماء الرياضية المعروفة أن الرياضة المغربية سجلت تراجعا كبيرا خلال العقدين الماضيين، حيث ردت العداءة السابقة نزهة بيدوان في حسابها بمواقع التواصل الإجتماعي على تصريحات المدير التقني للجنة الأولمبية المغربية ب:” الحمد لله هادشي كان ف 1960.. الحمد لله كنا مع الخمس الأوائل عالميا هادي 20 عام”، وهو رأي يساندها فيه آخرون من المتتبعين والجمهور الرياضي، معتبرين أن حصيلة أولمبياد باريس هزيلة جدا، وهي انعكاس لضعف الجامعات الرياضية في المغرب، وفوضى التسيير داخلها وسيطرة العديد من رؤسائها على كرسي التسيير لسنوات طويلة وإيصالها إلى الحضيض على جميع المستويات.
حلول وبدائل
المستوى التقني المتواضع الذي ظهر به الرياضيون المغاربة في أولمبياد باريس ولّد معه الكثير من مقترحات المختصين والمحللين والإعلاميين لوقف هذا التراجع المتواصل، وتطوير الرياضة الوطنية لتعود إلى توهجها السابق، ودورها في إعطاء صورة مشرفة عن المغرب في المحافل العالمية، وأول هذه المقترحات هو محاسبة رؤساء الجامعات الرياضية “الخالدين” في مناصبهم على هذه الإخفاقات المتوالية، واستبدالهم بوجوه أخرى لها القدرة على تطوير هذه الرياضات وإنتاج أبطال من مستوى عال، ثم ثانيا التركيز على رياضات بعينها ذات شعبية في المجتمع المغربي ومدها بكل الإمكانيات والدعم اللازم مثل ألعاب القوى وكرة السلة وكرة اليد والملاكمة والدراجات وفنون الحرب، بالإضافة إلى إحياء الرياضة المدرسية وجعلها رافدا من روافد التأطير الرياضي، وخزانا لاقتناص المواهب في مختلف الرياضات.