story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

المغرب اليابس

ص ص

ها قد مرت أيام العيد بما لها وما عليها. وهو بكل تأكيد ويقين. كان عيد الأضحى في المغرب استثنائيا هذه المرة، ولم يعش المغاربة مثيلا له في السابق، لكثرة الحزانى الذين خلّفهم، بسبب العجز عن الاحتفاء به.

بعيدا عن ملاحظاتنا الشخصية بالعين المجردة، التي تسمح لكل ذي بصيرة بتسجيل الأعداد الكبيرة من المعوزين والفقراء الذين اضطروا إلى عدم ذبح الأضاحي، لدينا أنباء كمّيات النفايات الناتجة عن يوم العيد، والتي تؤكد حدوث تراجع لا يقلّ عن العشرة في المئة مقارنة بالسنة الماضية.

شتان بين امتناع الطبقات الميسورة والمتوسطة عن القيام بشعيرة دينية، تبقى محرّد سنّة مؤكدة، حفاظا منهم على توازن ميزانياتهم السنوية أو تجنبا لعناء وأوساخ الذبح وما يليه، واضطرار فئات بئيسة يشكّل عيد الأضحى فرصتها السنوية لازدراد اللحم واجتماع أفراد الأسرة حول مائدة العيد.

مرّ العيد بحلوه ومرّه، تاركا إيانا في مواجهة أيام لن تقلّ صعوبة. والذين عجزوا عن شراء شاة وذبحها يوم العيد، سوف لن يستطيعوا تحقيق الحدّ الدني من الاكتفاء الذاتي من البروتينات الحيوانية، وشراء اللحوم الحمراء بعد العيد. لقد تفرّجت السلطات غير مبالية بجريمة في حق الطبيعة والاقتصاد الوطنيين، حين كان السوق يلتهم إناث الخرفان بفعل قلة العرض والغلاء.

تغذية المغاربة مقبلة على أيام سوداء في علاقة باللحوم الحمراء، ولا ينبغي لنا أن نفاجأ إذا صادفنا الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم بسعر يناهز 200 درهم خلال أسبوع أو أسبوعين من الآن، خاصة بعدما خرجت مصادر حكومية رسمية لتعترف للزملاء في صحيفة “العمق” بتوقّعها بلوغ الأسعار مستوى 160 و170 درهما.

حتى عملية الاستيراد التي تعتبر إجراء ترقيعيا لا يسمن ولا يعني من جوع، لم تفلح فيه الحكومة. وقد بدأت المصادر النكرة تتحدّث عن عدم تجاوز مستوى 300 ألف رأس من المواشي التي تم استيرادها في الفترة التي سبقت العيد، علما أننا من أفقر شعوب الأرض من حيث وفرة المعلومات والمعطيات، والله وحده يعلم صحة هذه الأرقام، ولا هوية المحظوظين الذين استفادوا من الإعفاءات الجمركية والدعم “البارد” بقيمة 500 درهم عن كل رأس، ولا أين انتهى الأمر بالمواشي المستوردة؟ وهل منها ما تم عرضه فعلا في السوق في فترج العيد أم أن جلّها سيدخل سوق اللحوم الحمراء المقبلة على الغلاء، لتتحوّل البهيمة المستوردة إلى خروف يزن ذهبا.

وإذا كانت أسعار الخضر والفواكه قد استقرّت في مستويات عالية منذ موجة التضخم العالمية، ولم تعد قط إلى مستوياتها المعتادة، فإن “الباهية” تكتمل حين نعلم أننا هذه السنة أمام عجز قياسي في الحبوب، حيث لم يتجاوز، محصول القمح 34 مليون قنطار، ليرتفع حجم الواردات المتوقعة من هذه المادة الحيوية من خمسة ملايين إلى أكثر من سبعة ملايين ونصف مليون قنطار هذه السنة.

محصول الحبوب هذا وحده يكفي لإعلان فشل السياسات العمومية المتبعة في مجال الفلاحة منذ عقود، لأن المعطيات الرسمية لوزارة الفلاحة تخبرنا أن الحبوب تشغل أكثر من سبعين في المائة من إجمالي الأراضي القابلة للزراعة في المغرب، وهي تشكل أحد مصادر الغذاء الأساسي والضروري بالنسبة للمغاربة.

الجفاف وحده لا يكفي لتفسير هذا الوضع الذي انتهينا إليه: لا لحم ولا خضر ولا فواكه ولا حبوب. والسماء بريئة مما صنعته أيادي القائمين على تدبير الشأن الفلاحي في المغرب.

لا يعقل أننا في نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، نقدّم تفسيرات تجاوزتها الأمم المتقدمة منذ قرون طويلة، حين كانت الزراعة تمارس بطرق بدائية وترتبط كليا بالأمطار.

لا يمكن أن يخرج علينا اليوم في صيف 2024، مسؤول رسمي ليفسّر لنا حالة قطيع المواشي وسوق اللحوم الحمراء بالأسباب ذاتها التي نقرأها في كتب المؤرخين عن مغاربة ما قبل العصور الوسطى. ما حاجتنا إلي كل هذه الجيوش من الموظفين والإدارات والمؤسسات والأموال التي “تترعرع” في صناديق سوداء منسوبة إلى الفلاحة، إذا كنا في النهاية سنجوع أو نعيش الخصاص والعوز؟

المطر وحده لا يفسّر استمرار المغربي اليوم، على النهج نفسه الذي كان يتبعه أجداده قبل قرون، عندما كانت الجوائح والخوف من الكوارث يقودانه إلى التضحية بالقطعان ومن ثم الدخول في دورة الجوع، حيث يؤدي هذا السلوك إلى ندرة للحوم وغلاء في الأسعار.

لا يمكن أن نواصل ترديد العوامل نفسها التي كانت تتحكم في محصول الحبوب في قرون سابقة، دون أن نستحضر عوامل أخرى مثل الاختيارات الحكومية التي توجّه الأراضي الخصبة والمياه سطحية والجوفية نحو زراعات موجهة للتصدير، وبالتالي إطعام الأجانب، وتنسى حتى توفير وتطوير البذور التي يمكن أن تحقق إنتاجية أكبر من الحبوب والزراعات الأساسية بالنسبة للمغاربة.

لا افهم صراحة ما الذي تسعى إليه سياسات عمومية تحقق كل يوم أرقاما قياسية في صادرات مزروعات، خاصتيها الوحيدة أنها مستهلكة للماء، في أسواق دول أوربية تعرف جيدا كيف تحمي ثرواتها المائية، ثم نأتي بعد شهور قليلة، حين يحدث جفاف معروف ومتوقع ومنتظم منذ قرون فوق هذه الأرض، لنمنع أنشطة خدماتية بسيطة ونحرم البيوت من الماء، بدعوى توفير المياه؟

أين هي هذه الخضرة الموعودة في سياساتنا الفلاحية منذ عقود إذا كنا اليوم أمام مغرب “يابس” وعاجز عن توفير خبزنا وطبق غذاء أسرنا البسيط ، بدءا من “شنتيفة” اللحم ومرورا بحبات من الخضر ووصولا إلى بعض الفواكه؟

لا يمكن أن نتعرض للعطش والتجويع والتفقير دون أن نجد حتى من يدندن معنا بلسان ناس الغيوان:
سبحــان الله صيفـنـا ولـى شـتــــــــوة
وارجع فصل الربيع ف البلدان خريف