“المسيرة الزرقاء”.. هل يسترجع المغرب إدارة مجاله الجوي من إسبانيا؟
عادت إسبانيا لتثير قضية إدارة المجال الجوي للصحراء المغربية، وإمكانية نقله للمغرب بعدما كانت الانتخابات التشريعية الإسبانية قد جمدت الملف، والذي يطالب المغرب بفتحه وتحقيق تقدم فيه منذ سنوات.
إعادة إثارة الملف، تتصادف مع مرور 48 سنة على تصفية الاستعمار الإسباني للصحراء المغربية، والذي يصادف الـ26 من شهر فبراير، يوم نقل السفير الإسباني لدى الأمم المتحدة آنذاك، خايمي دي بينييس، إلى المجتمع الدولي “إرادة الحكومة الإسبانية في المضي قدما بشكل منظم وسلمي، لإنهاء الاستعمار “من الإقليم، لتتخلص السلطات الإسبانية من صلاحياتها الإدارية على الصحراء باستثناء مجال واحد، وهو المجال الجوي.
رفع رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز الحظر على ملف نقل إدارة المجال الجوي في الصحراء للمغرب، بعدما كان قد تجمد النقاش حوله قبل أشهر.
وقالت صحيفة “elconfidencialdigital” الإسبانية إن سانشيز الذي عاد لتوه من زيارة خاطفة للرباط التقى فيها الملك محمد السادس، رفع الحظر على ملف نقل إدارة المجال الجوي في الصحراء للمغرب، وذلك نقلا عن مصادر دبلوماسية، والتي تحدثت عن اقتران الملف بشرط مغربي، مرتبط بفتح جمارك سبتة ومليلية المحتلتين.
وبدأت الرباط ومدريد المناقشات بشأن ملف إدارة المجال الجوي لمنطقة الصحراء، قبل سنة، في ملف يحظى بأهمية قصوى للرباط، خاصة بعد تأييد مدريد لمقترح الحكم الذاتي، إذ يحقق الاتفاق حول الملف حال نقله الإدارة للمغرب العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية للرباط.
الإعلان المشترك الذي صدر عقب زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للمغرب في أبريل 2022، كشف أن ملف حدود أخرى عالقة في الأجندة الرسمي للمغرب، يتمثل في إدارة المجال الجوي للأقاليم الصحراوية. رهان تتبعه مصالح اقتصادية وعسكرية كبرى، تفسّر إدراج المغرب هذه النقطة ضمن أجندة علاقاته مع إسبانيا في لحظة مكاشفة استثنائية.
الإعلان تضمن نقطة تشير إلى إطلاق مباحثات بين المملكتين، حول إدارة المجالات الجوية المشتركة، ليتضح بعد نحو عام من ذلك، وعبر تصريحات رسمية للحكومة الإسبانية، أن الأمر يتعلق بالمجال الجوي للصحراء، والذي يطالب المغرب بالحصول على حق إدارته بدلا من اقتسام ذلك مع السلطات الإسبانية التي تشارك في هذه المهمة انطلاقا من جزر الكناري.
وتحت ضغط سياسية داخلية، اضطرت الحكومة الإسبانية إلى التوضيح في مرحلة أولى أن الأمر لا يتعلق بـ”تنازل” عن إدارة المجال الجوي للصحراء، بل بمفاوضات حول التنسيق أكثر وتحقيق أمن أكبر للرحلات الجوية في هذه المنطقة، قبل أن تقدم عشية الانتخابات التشريعية ليوليوز 2023، على إعلان تعليق هذه المفاوضات.
يتعلّق الأمر بنقطة سيادية عالقة في قضية الصحراء، لا تقل أهمية عن مشكلة الحدود البحرية بين السواحل المغربية والأرخبيل الإسباني الواقع في مياه الأطلسي.
ورغم التقدّم الذي حققه المغرب في مجال ممارسة السيادة على المجال البري، والاختراقات التدريجية التي تتحقق في المجال البحري، بقيت مسالة السيطرة على المجال الجوي عالقة بالنظر إلى استناد المنظمة الدولية للطيران المدني إلى الأمم المتحدة كمرجعية قانونية، حيث تواصل هذه الأخيرة إدراج الصحراء ضمن الأقاليم التي لم تقرر مصيرها، خاصة أن اتفاقية “شيكاغو” المنظمة لهذا المجال، والموقعة سنة 1944، تربط السيادة الجوية بالتراب الخاضع كليا لسيادة الدول.
تعتمد المنظمة الدولية للطيران المدني خرائط خاصة بها لتحديد مناطق اختصاص كل مركز من مراكز إدارة الملاحة الجوية، وهي خريطة مختلفة عن الحدود الترابية للدول، إذ توجد الكثير من التداخلات، والكثير من الأقاليم تخضع لإدارة مركز أجنبي بدل الدولة التي تنتمي إليها، إلا أن الأمر في المجال الجوي للصحراء (المنطقة الواقعة غرب الجدار الرملي) يرتبط بشكل مباشر بالنزاع الدائر حول الإقليم، إذ تبقي المنظمة الدولية اختصاص إدارة مجاله الجوي في يد إسبانيا، باعتبارها كانت سلطة إدارة استعمارية، في انتظار الحسم النهائي في النزاع الحالي، “لا يمكنك أن تتنازل عما لا تملكه أصلا”، يقول خبير قانوني إسباني لصحيفة “إلسالطو دياريو”، في إشارة منه إلى أن إسبانيا لا تملك السيادة على الصحراء.
تحتاج الرحلات الجوية التي تنطلق من مطارات العيون والداخلة والسمارة، إلى جانب إذن مركز المراقبة المكلف وطنيا، مركز مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، إلى إذن إضافي من مركز المراقبة المختص في جزر الكناري، ولا تستثنى من هذه القاعدة الرحلات الجوية الخاصة ببعثة الأمم المتحدة المكلفة بتنظيم الاستفتاء (مينورسو).
وفي الوقت الذي تصر بعض المصادر الإسبانية على أن النشاط الجوي العسكري للمغرب خاضع بدوره لهذه الرقابة، تستبعد مصادر “صوت المغرب” أن تكون هذه المراقبة فعلية، بالنظر إلى حساسية العمل العسكري، كما تشير المصادر الإسبانية إلى حالات متكررة لتحليق طائرات عسكرية أو طائرات شحن خاصة بمهام “سرية” في أجواء الصحراء دون تنسيق مع مركز المراقبة لجزر الخالدات.
في ظل السرية والتكتم اللذان يطبعان سلوك السلطات المغربية في جل الملفات السيادية، خاصة منها المرتبطة بتدبير ملف الصحراء، تصبح المصادر الإسبانية المرجع شبه الوحيد لجمع المعطيات.
لكن الصحافة الإسبانية، وعلى غير العادة، لا تقدم الكثير حول هذا الموضوع، بل وتشتكي عدم تجاوب السلطات الإسبانية، بما فيها هيئة خدمات الملاحة الجوية الإسبانية (ENAIRE)، وذلك بمبرر وجود أبعاد سياسية حساسة للموضوع. كل ما يتوفر حول هذا الموضوع، هو تلك الخريطة التفاعلية التي يوفرها الموقع الرسمي للمنظمة الدولية للملاحة المدنية، والذي يُدرج أقاليم الصحراء بشكل واضح ضمن منطقة معلومات الطيران (FIR) الخاضعة لتدبير مركز جزر الخالدات.