حمزة الأنفاسي: المال السايب
خرج المنتخب المغربي لكرة القدم من الدور الثاني لكأس إفريقيا للأمم المقامة في ساحل العاج، في نتيجة لم تكن مقنعة للشعب المغربي، بالنظر للوجه المشرق الذي ظهر به في النسخة الأخيرة من كأس العالم بقطر. بعدها، خرج أحد أعضاء الطاقم الصحافي الذي رافق المنتخب في تصريح مستفز لكل غيور على المال العام. خرج هذا الطبيب السابق الذي قفز إلى مستودع الصحافة ليعلن أنه تم التكفل بالطاقم الصحافي تكفلا تاما، من مسكن ومأكل ومصاريف التنقل. وشكر هذا الشخص أولئك الذين تكفلوا بهم، لكنه كان ينتقد عدم تزويدهم بالمعلومة، كأن مهنة الصحافي هي انتظار المعلومة.
تصريح مستفز للشعب المغربي الذي يؤدي ثمن هذا النوع من الصحافة، ومستفز للصحافيين الذين يبذلون الجهد والوقت والمال للبحث عن المعلومة والخبر الذي ينور المغاربة. وما زاد الطين بلة هو أن هذا الطبيب الصحافي راح يبرر بكون التكفل لم يكن من المال العام بل من أموال الجمعية المغربية للإعلام والناشرين، في جهل عميق بأبسط أبجديات التمويل العمومي وحجمه.
تصريح آخر مستفز لصحافية شابة تشق طريقها في مجال السلطة الرابعة تقول فيه للمغاربة بأن هذا التكفل التام بمصاريفهم لا يظهر حجم المعاناة التي عانوها هناك بسبب الرطوبة والحرارة وخطر الإصابة بالأمراض، كما لا يظهر حجم تجندهم لخدمة المغرب وتشريفه في هذه التظاهرة القارية.
التجند لخدمة المغرب لا يبرر الاستعمال غير المعقلن للمال العام، كما لا يعطي شيكا على بياض لكل من انخرط فيه. فيما اتفق التصريحان على التهليل والمديح لرئيس الجمعية المغربية للإعلام والناشرين، وكأن الرئيس أدى تكاليف الوفد الصحافي من ماله الخاص.
فعلا يصعب تصديق أن البعض لديه من الجرأة ما يسمح له بأن يخاطب المغاربة بهذه البرودة وأن يبرر هذا التسيب في التعامل مع انتقادات منطقية لشعب يقدم من جيبه ليس فقط التكاليف العالية لتمويل المنتخب، وإنما كذلك الطاقم الصحافي العرمرم الذي يرافقه أينما حل وارتحل.
أولا، لا يمكن بأي حال تبرير العدد الكبير للصحافيين الذين رافقوا المنتخب إلى ساحل العاج، والذي وصل بحسب المعطيات المعلنة 140 صحافيا وصحافية.
ثانيا، حتى وإن قبل المواطنون بهذا العدد، فهم لم يلمسوا تغطية صحافية ملائمة لهذا العدد الضخم من الصحافيين. بهذا العدد من الصحافيين، كان على المواطن المغربي أن يتلقى منتوجا غنيا ومتنوعا ومركزا على زوايا مختلفة من المعالجة.
بالتأكيد، يجب التركيز على كرة القدم، لكن كان يمكن كذلك التركيز على الجانب الثقافي، الاقتصادي، السياسي، البيئي، النوع الاجتماعي، وزوايا أخرى عديدة للبلاد المحتضنة وشعبها وجماهير الدول الأخرى الزائرة لساحل العاج.
الملاحظ للأسف أن من قام بهذا الدور هم مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي المغاربة بدلا عن الصحافيين، والذين أبلوا البلاء الحسن في تمثيل المغرب وثقافته المتنوعة والمحبة للبهجة. وأكبر دليل على هذا هو استقبال وزير السياحة الإيفواري لبعض مشاهير السوشل ميديا المغاربة للثناء عليهم وعلى الصورة الجميلة التي قدموها عن البلد.
ثالثا، إذا كان هذا الوفد الصحافي قد ذهب إلى ساحل العاج من أجل تغطية الكأس الإفريقية، فما مبرر عودة معظمهم مباشرة بعد إقصاء المنتخب المغربي؟ أولم يكن حريا بهم البقاء لتغطية الكأس حتى نهاية الدورة والاستمرار في تمثيل المغرب أحسن تمثيل كما ادعت الصحافية الشابة في منشورها؟
أصل الحكاية له صلة بالمثل الشعبي القائل “المال السايب كايعلم السرقة”. فالعديد من المسؤولين عن الشأن العمومي وصلوا إلى درجة من الاعتياد على الانقضاض على الأموال العمومية لم يعودوا يستسيغون أن يناقشهم أحد أو ينتقدهم حولها. وللأسف فالظاهر أن المال العام هو أسهل وأضمن طريقة من أجل الاغتناء في المغرب، في غياب قطاع خاص مستقل وقادر على خلق ثروة غير متصلة بأموال دافعي الضرائب.