الكراء اليومي للشقق المفروشة.. إقبال متزايد وقانون “مُتجاوز”

مع حلول فصل الصيف من كل عام، يُقبل عدد متزايد من الأسر المغربية ومحبي السياحة الداخلية على خيار الكراء اليومي للشقق المفروشة، باعتباره بديلًا عمليًا وأقل كلفة من مؤسسات الإيواء الفندقي التقليدية.
ورغم الإقبال المتزايد، إلا أن هذا النشاط ما يزال يُمارس في غالبيته خارج الأطر القانونية، ما يُثير تساؤلات حول وجود إطار قانوني لهذا المجال وأسباب تعثر تنزيل الإطار التشريعي المنظم إن وجد، وحدود فعالية الرقابة الإدارية في ضبط هذا القطاع.
وفي هذا السياق، أكد أمين الفتحي، المستشار القانوني، وجود إطار قانوني رقم 80.14، صدر سنة 2015، يُنظّم عملية الكراء اليومي للشقق المفروشة، والمعروف بـ”الإيواء السياحي”، مشيرًا في الوقت ذاته إلى وجود عدد من العراقيل التي تعيق تفعيل هذا الإطار القانوني على أرض الواقع.
إطار قانوني
وشدد الفتحي، المستشار القانوني، أن كراء المساكن المفروشة يخضع لإطار قانوني قديم يعود إلى ظهير 1932، المتعلق بضبط شؤون الشقق والمساكن المفروشة، وهو نص لا يزال ساري المفعول ولم يتم نسخه أو تعديله إلى حدود الساعة.
ومن خلال الاطلاع على هذا الظهير يبدو أنه يُلزم كل مالك أو مستغلّ للشقق المفروشة بالتصريح الكتابي لدى مصالح الأمن والدرك والضرائب خلال خمسة عشر يومًا من بداية النشاط، كما يفرض مسك دفتر يومي للوافدين يُؤشر عليه من طرف رجال الأمن ويتم تسليم نظيره كل صباح قبل الساعة السابعة.
ويلزم النص ذاته بالتبليغ الفوري في حال رفض أي نزيل الإدلاء بهويته، مشيرًا إلى أن المخالفات تُعاقب بغرامات وحبس قصير، إلا أن المستشار القانوني يرى أن قيمة الغرامات المحددة بالفرنك منذ 1932 أصبحت متجاوزة اليوم، مما يُضعف من أثر الردع القانوني، ويعكس في الآن نفسه محدودية تحديث الترسانة القانونية لما قبل الاستقلال.
وبخصوص القانون 80.14 الصادر في 4 غشت 2015، فوسّع مفهوم “الإيواء السياحي” ليشمل ما يُعرف بـ”الإيواء عند الساكن”، أي كراء الشقق أو الغرف للسياح، لكن في هذا الصدد يقول فتحي إن المُشرّع، اشترط لهذا النوع من النشاط الحصول على ترخيص إداري مسبق، وتصنيف الوحدة السياحية، ومسك دفتر يومي للوافدين.
وفي هذا السياق شدد المتحدث ذاته، على أن النصوص التنظيمية التي يفترض أن تُحدد دفاتر التحملات والمعايير المرجعية لم تصدر بعد، معتبرا أن ذلك أبقى القطاع في ما وصفه بـ”المنطقة الرمادية”.
غياب التفعيل
وحول سبب عدم الامتثال لتلك القوانين من طرف عدد كبير من المواطنين، اعتبر الفتحي أن تفعيل النصوص القانونية المؤطرة للكراء السياحي المفروش يواجه عدة إكراهات، في مقدمتها اتساع رقعة الظاهرة، وضعف الوسائل الإدارية المتاحة حاليًّا لضبطها أو مراقبتها.
وأشار إلى أن الآلاف من الشقق تُمارس الكراء السياحي بشكل غير مرخص، خاصة على منصّات الحجز العالمية، ما أدى إلى تسرب جزء من العملة الصعبة خارج القنوات الرسمية، وتسجيل فقدان الرقابة الجبائية والإحصائية على النشاط.
كما نبه المصدر ذاته، إلى غياب قاعدة بيانات دقيقة وموحّدة لدى الوزارة الوصية، وعدم توفرها على نظام معلوماتي يُمكّن من تتبع المالكين والإيرادات والزبناء.
وأضاف الفتحي أن دفاتر التحملات التنظيمية التي من شأنها أن تُحدد الشروط والمعايير التقنية والاقتصادية للشقق المرخصة، “لا تزال غائبة”، مما يزيد من تعقيد الإطار التنظيمي، كما أن “الرقابة الميدانية تعاني من خصاص في الموارد البشرية والتقنية”، في ظل وجود فئتين من العارضين: شقق مرخّصة وأخرى “سوداء” لا تخضع لأي تتبع أو مراقبة.
ودعا فتحي الجهات المعنية إلى الإسراع بإصدار النصوص التطبيقية، وتعزيز الموارد الرقابية، وتحسين منظومة التتبع المعلوماتي، لضمان ضبط هذا القطاع الحيوي، وحمايته من العشوائية والتسيّب، والارتقاء به ليواكب التحديات السياحية والاقتصادية للبلاد.
يُفوت فرصًا واعدة
من جانبه، اعتبر محمد جدري، الخبير الاقتصادي، أن التأخر المسجل على مستوى التشريعات المنظمة لكراء الشقق، خاصة الكراء اليومي، وعدم مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية الجارية، قد يُفوت على المغرب فرصًا استثمارية وضريبية كبيرة، كما قد يُثني عددًا من المستثمرين عن دخول هذا المجال بسبب غياب الوضوح القانوني.
وقال جدري، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، إن الاقتصاد الوطني يشهد تحولات متسارعة، تتطلب تحديث التشريعات بما يواكب الواقع الجديد، مشيرًا إلى أن الكراء اليومي أصبح “ضرورة اقتصادية واجتماعية”، لما يوفره من حلول مرنة للأسر المغربية والزوار الأجانب، في ظل محدودية العرض الفندقي التقليدي، الذي يقتصر في الغالب على الغرف الفندقية دون استجابة كاملة لتطلعات السياح الباحثين عن استقلالية وراحة أكبر.
وأوضح أن منصات الحجز العالمية مثل Airbnb وBooking تُستخدم على نطاق واسع في المغرب، لكن خارج أي تأطير قانوني واضح، مما يُدخل الآلاف من الشقق في دائرة النشاط غير المهيكل، ويُصعّب على الدولة عملية التتبع أو جني العائدات الضريبية.
وأضاف أن العديد من الدول قامت بتقنين عمل هذه المنصات، من خلال إلزام أصحاب الشقق والمستفيدين من هذه التطبيقات بالتسجيل والتصريح بالممتلكات المؤجّرة، مشيرًا إلى أن هذا النموذج يمكن أن يعود بالنفع على جميع الأطراف، سواء من حيث حماية الحقوق أو دعم الاقتصاد الوطني.
وأبرز الخبير الاقتصادي أن تأطير هذا القطاع بشكل قانوني من شأنه أن يُحقق مجموعة من الأهداف، من بينها، إنعاش قطاع العقار، بحيث سيتجه عدد من المواطنين إلى تهيئة شققهم بهدف الاستثمار في الكراء القصير الأمد، ما يُساعد على تحسين مداخيلهم وتحريك السوق العقارية.
وأشار أيضا إلى إمكانية تحقيق موارد ضريبية مهمة للدولة، عبر فرض رسوم بسيطة تتراوح بين 5% و10% من مداخيل الكراء، وهو ما من شأنه أن يُعزز المداخيل الجبائية دون أن يُثقل كاهل المستثمرين، وضمان الحماية القانونية للأطراف المتعاقدة، “بحيث إن وجود إطار قانوني واضح سيُحدد المسؤوليات بدقة في حال وقوع حوادث كالحريق أو الوفاة، ويُعزز الثقة بين المكترين وأصحاب الشقق”.
ولفت جدري كذلك، إلى خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، تشمل خدمات النظافة، الوساطة العقارية، الصيانة، والتأمين، وهو ما يُساهم في الدينامية الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
ودعا المتحدث إلى الإسراع بتقنين هذا النشاط، خاصة أن المغرب مقبل على تنظيم مجموعة من التظاهرات الدولية الكبرى، مشيرًا إلى أن التجارب العالمية، خاصة في تنظيم تظاهرات مثل كأس العالم أو الألعاب الأولمبية، أظهرت أهمية تنويع العرض السكني أمام الزوار، ليشمل الشقق المؤهلة والمصنفة، إلى جانب الفنادق.
وأكد أن تدارك التأخر التشريعي في هذا المجال لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحة، حتى لا تضيع على المملكة فرصا اقتصادية حقيقية، ولضمان تنظيم سوق الكراء السياحي بطريقة عادلة وشفافة.
ضعف البنية التحتية السياحية
من جانبه، عزى الخبير السياحي الزبير بوحوت انتشار الكراء اليومي عبر منصات مثل “Airbnb” و”Booking” إلى ضعف البنية التحتية السياحية في المغرب، معتبرًا أن هذا النقص هو ما فسح المجال أمام هذا النوع من الخدمات ليزدهر خارج التصنيف الرسمي وخارج النظام القانوني.
وأوضح بوحوت أن الضغط السياحي الكبير، مقابل محدودية العرض الفندقي والتأخر في تطوير البنية التحتية، خلق فجوة استغلها العديد من المواطنين لتقديم خدمات الإيواء السياحي، سواء في المدن السياحية الكبرى أو في مناطق أقل شهرة.
وأشار بوحوت إلى أن القانون الجديد المنظم للسكن البديل والإقامات السياحية بات يُمكّن من إدراج هذا النوع من الكراء ضمن التصنيف الرسمي، لكنه شدد على أن الجهات المعنية لم تُفعّل بعد تصنيف هذه الوحدات فعليًا، وهو ما يجعل جزءًا كبيرًا من النشاط خارج الأطر القانونية.
وأكد أن هناك من يستغل الوضع “بشكل غير قانوني”، لكن بالمقابل هناك فئة أخرى ترغب في الدخول تحت المظلة الرسمية، لكنها لا تحظى بالدعم أو المواكبة من الإدارة، مبرزا أن التصنيف الرسمي لا يوفّر فقط الحماية القانونية، بل يُساهم أيضًا في تقوية الاقتصاد الوطني من خلال أداء الضرائب والانخراط في جهود الترويج السياحي للمغرب.
كما حذر من المخاطر الأمنية المرتبطة بالنشاط غير المصرح به، مؤكدًا أن تسجيل البيانات الشخصية للنزلاء يُعتبر أداة أساسية للتتبع والتأمين، قائلا : “عندما يكون النشاط منظَّمًا ومسجّلًا، يمكن معرفة هوية النزلاء وتتبعهم قانونيًا، عكس ما يحصل في القطاع غير المهيكل”.
وسلّط بوحوت الضوء على الضغط الذي تعرفه بعض المدن خلال المناسبات الكبرى، مستدلًا بمثال مهرجان “كناوة” في الصويرة، الذي يستقطب نحو 300 ألف زائر في وقت لا تتجاوز فيه الطاقة الإيوائية الرسمية للمدينة 10 آلاف سرير، ما يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الشقق غير المصنفة، ويُفاقم الوضع التنظيمي.
وشدد الخبير السياحي على أن المجهودات التي تبذلها الدولة يجب أن تواكبها مسؤولية المواطن أيضًا، خاصة في ما يتعلق بالتصريح بالنشاط والامتثال للضوابط، مؤكدا أن المعالجة لا يجب أن تقتصر على الزجر، بل يجب أن تشمل كذلك إدماج جميع الفاعلين في المنظومة الرسمية حتى تتمكن الدولة من تتبعهم والاستفادة من نشاطهم في الإحصاءات والميزانيات المحلية.