الـ”بام”.. 15 عاما من التيه
يستعد حزب الأصالة والمعاصرة لعقد مؤتمره الوطني الخامس أيام 9 و10 و11 فبراير 2024، بمشاركة حوالي ثلاثة آلاف مؤتمر، جرى اختيارهم بناء على معيار عدد المنتخبين في كل جهة والنتائج التي تم تحقيقها في الانتخابات الماضية. موضوع خصّصت له مجلة “لسان المغرب” غلاف عددها الجديد.
ينعقد هذا المؤتمر والحزب في قلب زوبعة إعلامية، أطلقها اعتقال اثنين من كبار قيادييه، واحد في جهة الشرق (عبد النبي بعيوي) وآخر في جهة الدار البيضاء (سعيد الناصري)، وبآفاق غير واضحة بخصوص القيادة التي سيفرزها المؤتمر، وإن كانت التكهنات لا تخرج عن المعسكر نفسه الذي تحالف في المؤتمر السابق، والقائم على محور الأمين العام الحالي عبد اللطيف وهبي وسيدة مراكش القوية، الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري.
معطى يضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل هذا الحزب، وما إن كان قادرا على الاستمرار في الساحة كواحد من الفاعلين الذين هيكلوا ال15 سنة الماضية، في ظل غياب أي نقاش حول أطروحة الحزب واختياراته ورؤيته السياسية، أو ما يعكس تطلعات أعضائه والفكرة الجامعة التي يتوحدون حوله.
وبينما كانت الانتخابات التشريعية الأخيرة رهانا كبيرا للحزب، على اعتبار أنه دخلها بصفة الحزب الثاني من حيث الوزن الانتخابي، والطرف الذي جلس منذ أكثر من عقد في قاعة الانتظار لبلوغ الضفة الحكومية، كما كان أمينه العام الحالي، وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد وعد بتخليص الحزب من وصم التبعية للدولة، إلا أن ما جرى بعد الثامن من شتنبر 2021 كان مناقضا لكل ما سبقه، حيث عجز الحزب مرة أخري عن تصدر الانتخابات، وحل ثانيا بعد حزب التجمع الوطني للأحرار، والتحق بحكومة هذا الأخير رغم أن وهبي خاض الحملة الانتخابية على أساس فكرة تمايز بل وتناقض مع حزب الحمامة، ورفض أية مشاركة معه في الحكومة في حال فوزه…
لا يتناقض الحزب مع طموحاته الأصلية بتصدر المشهد الانتخابي كتعبير عن إرادة الدولة التي وقعت شهادة ميلاده، بل يراكم طبقات كثيرة من الفشل، أبرزها فشله في تحقيق استراتيجية السلطة في المصالحة مع منطقة الريف.
فقد تأسس حزب “البام” بهدف رئيسي، ضمن أهداف أخرى، ليكون قناة لإدماج النخب الريفية، وأساسا الحسيمة، ضمن مؤسسات الدولة، وبالتالي استيعاب تلك النخب في إطار استراتيجي أكبر هدفه تعزيز الوحدة الوطنية للمغاربة، بعد عقود من التهميش والعزلة التي عانى منها سكان المنطقة في عهد الملك الراحل.
تعيد جل القراءات المحايدة، بداية انحدار الحزب إلى العام 2016، حيث فشل في هزم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، رغم حصوله على دعم واضح من السلطة. وتأكد هذا الانحدار عقب “تعيين” عزيز أخنوش على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث تأكد أن الرهان على حزب الجرار انتهى، وبات أخنوش مكلفا باللعب باسم السلطة.
لقد اعتبر عبد اللطيف وهبي، انتخابه أمينا عاما للحزب في فبراير 2020 “مؤشرا قويا على القطيعة مع الدولة”، وبداية مرحلة جديدة في حياة “البام”، على الرغم من تشكيك خصومه الداخليين في ذلك، لوجود هوية حزبية راسخة، لا يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها، ما يعني أن هناك مسار يصعب تجاوزه، يعود على أقل تقدير إلى الانتخابات التشريعية 2016، التي خسرها “البام” أمام “البيجيدي”.
كان وهبي يعول على تصدر نتائج انتخابات 2021، مستفيدا من استثمار كبير قامت به السلطة في حزب الجرار، وتحالف براغماتي جعله ممكنا محتمل مع حزب العدالة والتنمية. لكن هذا الأخير انهار تحت ضغط عوامل عديدة، منها تبعات ولايته الحكومية الثانية الضعيفة سياسيا، وتوقيع أمينه العام لاتفاقية “التطبيع” مع إسرائيل الذي أدى إلى تخلي حركة التوحيد والإصلاح تعنه ضمنيا وعدم دعوتها قواعدها للتصويت عليه، والنزول القوي لتحالف المال والسلطة إلى جانب أخنوش.
ورغم أن هذا الأخير كان يحوز أغلبية ضمنية رفقة الرباعي الذي خاض معه مرحلة “البلوكاج” بعد انتخابات 2016، إلا أن رياح المرحلة آتت بما لا تشتهيه سفن الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، واستجاب ال”بام” لرغبة تشكيل تحالف حكومي ثلاثي هو الأقوي من الناحية العددية في التاريخ الحديث للمغرب، وبات وهبي يجلس في اجتماعات المجلس الحكومي تحت رئاسة أخنوش، وفوق المشهد أكثر من علامة استفهام: ما جدوى استمرار حزب الأصالة والمعاصر؟