story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الغرفة رقم 120

ص ص

صدر تقرير التنمية البشرية الأخير، وككل سنة ينبري من يشكك في المؤشرات والإحصائيات التي بني عليها التصنيف، الذي منحنا الرتبة 120، رغم أن ما جاء به بخصوص بلدنا لا يختلف عن التقارير الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، أو المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، أو المجلس الأعلى للتعليم، ولم يكن دافع القوم للتشكيك والتبرير سوى أن دولا في الجوار الإقليمي تقدمت علينا في الترتيب، رغم أن النتيجة مخجلة حتى ولو كنا نحن من تقدمنا على الجزائر وتونس مثلا (حلوف كرموص)، إذ تظل دول المغرب الكبير جميعها، والتي تقع على بعد كيلومترات قليلة من أوروبا، بعيدة بمسافات “ضوئية” عن القارة العجوز على مدارج التنمية والتطور واستفادة المواطنين من الخيرات والثروات التي تزخر بها تلك البلدان.

اللافت أنه خلافا لجوقة “التبريرولوجيا” لم تشكك الجهات الرسمية في التقرير، ولا مؤشراته، ولا المعطيات التي بنى عليها خلاصاته، الناطق الرسمي باسم الحكومة وعلى النقيض اعتبر أن تقدم المغرب بثلاث درجات إنجازا يقتضي الاحتفاء به، بمعنى أنه لا يجد حرجا في انتظار قرن كامل من أجل أن نصل فقط للرتبة 100، أما السيد والي بنك المغرب، فبعد أن اعتبر هذا الترتيب غير مشرف على نقيض بايتاس، إلا أنه استدرك بأن من شأن الاستثمارات الموجودة حاليا، وتلك التي وعدنا بها أن تخلق نموا، يمكن من تمويل المشاريع الهيكلية الكبرى، وبالتالي تحسين الترتيب مستقبلا، معطيا نموذجا هو الاتفاقيات الموقعة مؤخرا مع الإمارات العربية المتحدة.

هل معنى هذا أن حصول تقدم في مؤشرات التنمية البشرية بالمغرب يمر حتما عبر قناة جلب استثمارات أجنبية ضخمة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل مصير الصحة والتعليم وتحسين الدخل الفردي للأسر (المؤشرات الأساس لقياس واقع التنمية البشرية حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يصدر التقرير) أصبح بيد الدول المانحة للهبات أو للديون أو الموقعة على اتفاقيات تمويل واستثمار من خلال صناديقها السيادية؟ هل أصبح مصير المغرب الدولة التي يمتد تاريخها إلى ثلاثين قرنا، كما نردد في مناكفاتنا مع الجزائر في يد دولة ولدت سنة 1971؟

قبل جائحة كورونا أقر الملك بفشل نموذج التنمية السابق، وشكل لجنة لاقتراح نموذج تنموي جديد، كانت من خلاصاته الدعوة لتشييد إمكان لدولة اجتماعية، ولم يتغير شيء في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية. مازال الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية، وحماية اقتصاد الريع الذي لا يخلق مناصب شغل، وضعف تمويل القطاعات الاجتماعية التي ينظر لها كعبء، مما يعني عدم الاقتناع بأولوية الرأسمال البشري.

ويضاف إلى كل ذلك، الإيغال في ما يمكن تسميته “تنمية الواجهة”، فنحن سبقنا غيرنا قاريا في امتلاك القطار فائق السرعة، وسيكون لنا واحد من أكبر الأبراج في إفريقيا، ونستقبل كل شهر مؤتمرا أو تظاهرة دولية، وكأن الكاميرات لا تصوب دوليا نحونا إلا حين نتحول إلى “ممون حفلات”.

سننظم جزءا من كأس العالم بعد ست سنوات، ومن الآن يبشروننا بجنة عدن التي سنصبح عليها حين سيأتي ذلك الموعد المنتظر، و”سينصلح الحال” على مستوى البنيات التحتية، ويقيسون على تجربة إسبانيا 1982، دون أن يستحضروا أن الجارة الشمالية آنذاك استفادت من معطيين أساسيين: الأول هو الانتقال الديموقراطي، والثاني مترتب عنه، وهو رغبة دول السوق الأوروبية المشتركة آنذاك في تقوية الاقتصاد الإسباني للاندماج في منظومته.

إن سياق إسبانيا 1982، غير سياقات اليوم، ويكفي قراءة آثار تنظيم اليونان للألعاب الأولمبية سنة 2004، الذي كان من نتائجه مع أسباب أخرى انهيار اقتصادي.

أما تجربة جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014 مع كأس العالم، فأسفرت عن واقع تعميق الفوارق المجالية، ذلك أنه للاستجابة لدفاتر تحملات الفيفا على مستوى البنيات الفندقية والطرقية والصحية والنقل الجوي، عملت الدولتان على تطويرها بالمدن التي ستحتضن المباريات والمناطق القريبة منها، والتي كانت في الأصل متطورة قياسا للمناطق الأكثر حرمانا، وبعض هذه البنيات أصبح عائدها ضعيفا بعد انتهاء البطولة العالمية.

حين نعود إلى الترتيب الأخير لمؤشرات التنمية البشرية، سنجد دولا متقدمة علينا، وهي لا تتوفر مثلنا على اكتفاء طاقي، ومعدل الاستثمارات الأجنبية فيها متواضع (أحيانا لأسباب جغرافية)، غير أنها لا تعتمد نموذجا تنمويا استعراضيا ( أكبر، أول دولة تنظم…)، وتحارب الرشوة والفساد، وتضع قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل في أولوياتها.

إن تصنيفاتنا في مجالات التنمية البشرية، والعدالة المجالية، والرشوة، وحرية الصحافة، وتقويمات التعليم، وغيرها مخجلة، وتعكس إفلاسا في خيارات الدولة وأولوياتها، ومع ذلك يهلل القوم لنموذج التنمية الاستعراضية التي لا تستفيد منها إلا القلة، ممن تفوز بصفقات المشاريع التي يقال إنها كبرى، والتي ينطبق عليها المثل: أش خاصك العريان؟ الخاتم أمولاي.

مشاريع استعراضية، لو جمعناها لشكلت لوحة “بوزل” لكائن هلامي بلا رأس ولا رجلين، ولكنه بأياد كثيرة تحدث ضجيجا، لكن الكائن يظل ثابتا في مكانه. فهل “تعرفون اللعب بالأيدي؟”

استدراك وتصحيح: أعتذر للقراء عن خطأ وقع في المقال السابق، حين نسبت لحكومة بنكيران رفع كافة التحفظات عن اتفاقية سيداو، والحال أن ذلك كان في أبريل 2011 قبل ثمانية أشهر من تنصيبها، وما صادقت عليه هو البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية سنة 2015.