العقوبات الأمريكية ضد “الجنائية الدولية”.. خلفيات القرار وتأثيراته على عمل المحكمة

يرى الخبير في القانون الدولي خالد الشيات أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الجنائية الدولية سوف يكون له تأثير على هذه المحكمة، سواء من حيث التدبير والتسيير المالي، أو من حيث قدرتها على إنفاذ القانون الدولي بحق الأشخاص المتهمين بالجرائم التي تختص بها المحكمة.
وقال خالد الشيات أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن المسألة تتجاوز مجرد قرار تنفيذي أو إجراء قانوني اتخذه ترامب.
وأوضح أن الرئيس الأمريكي يحاول ترسيخ منهجية جديدة في العلاقات الدولية، تجعل الولايات المتحدة تقود التوجهات الحديثة وفق مصالحها الأيديولوجية.
وأصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس 6 فبراير الجاري، أمراً تنفيذياً يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، متهماً إياها “باتخاذ إجراءات غير شرعية ولا أساس لها” ضد الولايات المتحدة وحليفتها الوثيقة إسرائيل.
وتشمل هذه العقوبات تجميد أصول مسؤولي المحكمة وموظفيها، بالإضافة إلى حظر دخولهم وأفراد عائلاتهم إلى الولايات المتحدة.
قرار محدود
ومع ذلك، وأفاد خالد الشيات بأن تأثير هذا القرار قد يظل محدوداً في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، نظراً للتضامن الدولي الواسع مع المحكمة الجنائية الدولية.
كما لفت إلى أنه قد يكون قراراً انعزالياً لا يؤثر بشكل جوهري على العلاقات الدولية، “بحيث لا يؤدي إلى فرض نمط جديد من الفوضى في النظام العالمي، الذي بُني عبر عقود طويلة وفق أسس القانون الدولي”.
وأشار إلى أن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، يندرج ضمن سياسات ولايته الحالية، “التي تتبنى تصورات تعكس توجهه نحو مصادر يمينية داخلية في الولايات المتحدة، والتي تمجّد قيماً لا تقوم على أساس المساواة بين الأفراد والمجتمعات على المستوى الدولي”.
تكريس الإفلات من العقاب
وأوضح أن ذلك يأتي في إطار تكريس الإفلات من العقاب، وتشجيع إسرائيل بضمان حصانة عملياتها ضد غزة، كما من شأنه، وفقاً للمتحدث “تعزيز هيمنتها الإقليمية، وذلك بضمانات قوية من الولايات المتحدة الأمريكية، التي يقودها رئيس يحمل توجهات أيديولوجية، تتعارض مع القيم الإنسانية المرتبطة بإنفاذ القانون والمساواة بين الأفراد والشعوب”.
وتستهدف العقوبات الجديدة الأفراد الذين يساهمون في تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية التي تشمل مواطني الولايات المتحدة أو حلفائها، مثل إسرائيل.
ومن جانبها، اتخذت المحكمة إجراءات استباقية لحماية موظفيها من الآثار المحتملة لهذه العقوبات الأمريكية. بحيث أنها دفعت رواتب ثلاثة أشهر مقدماً واستعدت لقيود مالية قد تؤثر سلباً على سير عملها.
ويذكر أن رئيسة المحكمة القاضية توموكو أكاني حذرت، في دجنبر 2023، من أن العقوبات الأمريكية قد “تهدد عمليات المحكمة في جميع القضايا، وتعرض وجودها نفسه للخطر”.
انتهاك لمبادئ العدالة
ومن جهته، اعتبر المحامي الدولي عبد المجيد مراري مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة إفدي الدولية أن العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد المحكمة الجنائية الدولية “تمثل انتهاكًا صارخًا لمبادئ العدالة الدولية وحكم القانون”، عادّا إياها “محاولة لإعاقة عمل المحكمة الجنائية الدولية في تحقيق العدالة للضحايا والمجتمعات التي تعرضت لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” وعلى رأسها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة.
إفدي الدولية تعرف نفسها منظمة مستقلة مهمتها الدفاع عن حقوق الإنسان. وهي تعمل على صيانة حقوق الإنسان و الدفاع عنها و نشر وتعزيز ثقافتها، ليتمكن أي شخص من التمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع النصوص القانونية الدولية الأخرى المتعلقة بالحقوق والحريات الإنسانية.
وتبعا لذلك نندد مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة إفدي بهذا القرار، داعيا في نفس الوقت المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية، “إلى إعلان التضامن مع المحكمة الجنائية الدولية ودعم استقلاليتها وسلطتها القضائية”.
مطالب بإلغاء العقوبات
وطالب مراري في تصريح صحافي توصلت به صحيفة “صوت المغرب”، الإدارة الأمريكية بإلغاء هذه العقوبات الفورية والامتناع عن أي إجراءات أخرى قد تُضعف عمل المحكمة أو تُقوّض جهود تحقيق العدالة الدولية، داعيا دونالد ترامب إلى احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية والتعاون الكامل معها لضمان تحقيق العدالة للجميع، دون تمييز أو تدخل غير مشروع.
وأوضح المتحدث، أن المحكمة الجنائية الدولية، كمؤسسة قضائية دولية مستقلة، “تمثل أملًا للعديد من الضحايا حول العالم الذين يسعون إلى تحقيق العدالة والمساءلة عن الجرائم الدولية الخطيرة، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية”.
وأشار إلى أن، العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية ليست فقط هجومًا على المحكمة، “بل هي أيضًا بمثابة محاولة لإضفاء الشرعية على الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي وحمايته من المساءلة الدولية والاعتداء على حقوق الضحايا في الوصول إلى العدالة” .
وخلص المحامي المغربي إلى أن اللجوء إلى أسلوب العقوبات بمثابة أداة لعرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية “مما يُعد انتهاكًا للالتزامات الدولية للولايات المتحدة تجاه تعزيز العدالة وحقوق الإنسان ولأنها تُضعف النظام القضائي الدولي القائم على احترام القانون وتشجع على سياسة الإفلات من العقاب”، مما يهدد استقرار النظام العالمي وسيادة القانون.