العقار.. ملجأ رؤوس الأموال
بعد الثورة الزراعية، عرفت شعوب البشر نزوحا رهيبا نحو نزعة الادخار والتخزين والتفكير المتسمر في المستقبل، فأصبحنا نعيش الحاضر بعيون محلقة في سماء مستقبل مجهول عادة ما نصنفه في خانة المخاوف التي تستدعي العمل الجاد والمتواصل، من أجل لحظة موعودة قد لا نحظى بعيشها.
ومن ضمن ما استقر الإنسان على تخزينه وادخاره هناك الحجر. فهو الملجأ الذي كان يأويه قديما في الكهوف من خطر الوحوش، فأصبح اليوم يأويه من خطر الإفلاس أو نفاذ الذخيرة. استقر الحجر واستقر البشر واختلفت فقط زوايا النظر.
سنحاول من خلال هذا المقال أن نعرض لكم أهم مميزات العقار التي تجعله ملجأ قادرا على إيواء رؤوس الأموال.
حماية رأس المال:
بالرغم من كون القيمة العقارية تعرف تذبذبا من حيث الصعود والهبوط، إلا أنها تبقى ذات مردودية إيجابية بشكل دائم، وقادرة على الإنماء. ففي غضون خمس عشرة سنة مثلا كأمد طويل، تستمر الأثمان في التصاعد، ونادرا جدا ما تتنازل القيمة السوقية للعقار.
ما يميز العقار أيضا، كونه محسوس وملموس ماديا، وهو يُمَكن في بعض حالات العسر من تحصيل مبلغ شهري للكراء أو إيواء أحد أفراد العائلة أو السكن الدائم دون أن ينتقص ذلك من قيمة العقار. بخلاف الرسوم المتداولة في البورصة مثلا، التي قد لا تكون لها أية قيمة عينية، وبقدر ما تتيح فرصة الربح السريع فهي أيضا مفتوحة على الخسارة المدوية التي يمكن أن تأخذ معها كامل رأس المال.
تنشيط مداخيل ما بعد التقاعد:
كما تم ذكره في المقدمة، فالخوف من المجهول والتفكير المستمر في المستقبل ومدخرات الحاضر تبقى هاجسا مرافقا طيلة مختلف المراحل العمرية، ويعتبر الاستثمار العقاري أنجع وأفضل طريقة جربتها الأجيال من أجل توفير مداخيل إضافية خلال فترة الشيخوخة، التي تعرف نقصا مهولا في الموارد بفعل قلة النشاط والحركة المتناسبة عكسيا مع التقدم في العمر، وبهذا يبقى العقار على مدى سنين التحضر البشري، ملجأ وملاذا يقصده الناس لأجل الاستقرار المالي وكسب معركة استمرار مستوى العيش بين مرحلتي ما قبل وما بعد الستين.
تنمية الذكاء المالي :
طفا على السطح هذا المفهوم خلال بداية الألفية الثالثة مع الكاتب روبر كيوزاكي من خلال كتابه “أب غني .. أب فقير”، والذي تم فيه تسليط الضوء على ما قد نسميه المنتوج النشيط الذي يسمح بتحصيل مداخيل. والمنتوج السلبي عكس النشيط، حيث يشير الكاتب إلى ضرورة الاهتمام بالمنتوج النشيط كالاستثمار العقاري ثم الانتقال نحو المنتوج السلبي كشراء سيارة بواسطة المال المحصل من المنتوج النشيط.
يتقاطع هذا المبدأ مع جملة شهيرة في الموروث الشعبي تستدعي، بالإضافة إلى التمييز بين المنتوجين النشيط والسلبي، تمييزا بين منتوجين نشيطين، وهي القولة الدارجة: “الحانوت يدير الدار”، وهي دعوة إلى استثمار عقاري لممارسة نشاط تجاري أولى وأسبق كي نتمكن من شراء بيت يأوينا ترقد فيه قيمته إلى حين الرغبة في إعادة بيعه أو تحصيل مستحقات كراءه.
إن العقار والاستثمار فيه هو شكل جديد من أشكال ارتباط الإنسان بالأرض، و بأهمية امتلاك أجزاء منها، تُخفف عنهم تعب الحياة، وتريحهم خلال مراحل العجز وتحمل عنهم أثقالا غالبا ما تكون أهم أسباب الضمور الصحي المفضي إلى تسريع الموت بفعل القلق من المجهول.