العثماني: يجب أن يحدث تكامل بين تعاليم القرآن والمعرفية النفسية الحديثة

يرى الأخصائي في الأمراض العقلية والنفسية ورئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، أن الاهتمام بالصحة النفسية مسؤولية مجتمعية، مشددا على ضرورة “أن يكون هناك تكامل بين تعاليم القرآن والمعرفة النفسية الحديثة”.
وقال رئيس الحكومة السابق، خلال لقاء تواصلي نظمه المجلس العلمي الأعلى بالرباط، الأحد 9 فبراير 2025، إنه “يجب الحرص على أن تتكامل الوسائل الإيمانية مع الوسائل الأخرى التي يوصي بها المعالجون النفسانيون من مثل طلب الدعم الاجتماعي”.
وأكد العثماني، في مداخلته حول “حاجة تعزيز الصحة النفسية ومعالجة الأمراض النفسية إلى وازع القرآن”، على أن الصحة النفسية يجب أن تكون أولوية مجتمعية، ومسؤولية كل المتدخلين، لافتا إلى أنه للعلماء والمربين والوعاظ المرشدين في ذلك دور كبير.
وشدد على أن “التكامل بين مواعظ القرآن وتوجيهاته وأحكامه، مع المعرفة البشرية الموثوقة لخير ضمان للرقي بالصحة النفسية للفرد والجماعة”.
وقال العثماني إن المشاكل النفسية تنتج عن ضغوط الحياة المتشابكة، مشيرا إلى أن الضغط النفسي يعرف بأنه حالة من الإنهاك الجسدي والنفسي الذي هو رد فعل على ضغط غير طبيعي ومرتفع الدرجة، لتأثيرات الحياة أو الأحداث التي يعيشها الفرد.
وأوضح أن معرفة الله والثقة برعايته وحفظه والتوكل عليه، وما يبعثه في النفوس من راحة وطمأنينة، “من أكبر ما يخلص من القلق ويعين على التحلي بالصبر على تلك الضغوط”. واستشهد بآيات قرآنية تذكر هذه الضغوط الحياتية على أنها ابتلاءات.
وأشار إلى أن القرآن الكريم يوصي عند التعرض للضغوط بالاستعانة بالصبر والصلاة وذكر الله ودعائه، وبكظم الغيظ والعفو عن أخطاء الآخرين.
كما دعا إلى “تجنب العزلة والانكفاء على الذات واجترار الأفكار السلبية”، موضيا بالمقابل، بممارسة الوسائل المعينة على الاسترخاء، والحرص على جودة النوم، إلى جانب “ممارسة التمارين الرياضية وبعض الأنشطة الممتعة، والتسلح بالمرونة والتيسير في الأمور وغيرها”.
وفي معرض حديثه عن وازع القرآن والمرض النفسي، قال سعد الدين العثماني إن المرض النفسي هو صنو المرض العضوي، له أسبابه وعوامله الموضوعية، ويحتاج إلى تشخيص من متخصص، وإلى علاج مناسب.
وذكر أن المبادئ الإسلامية العامة في ميدان حفظ الصحة وعلاج الأمراض تنطبق أيضا على الأمراض النفسية، مبرزا ضروررة الحرص على “دمج الحكمة القرآنية مع الأساليب العلاجية الحديثة”، إذ أن التقدم العلمي والطبي خطا خطوات ضخمة في التعامل مع الأمراض النفسية، فهما وتصنيفا وتشخيصا وعلاجا ووقاية، “ولا يحسم في كل ذلك إلا المتخصص”، يضيف العثماني مستشهداً بالآية القرآنية “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”.
واعتبر الطبيب الأخصائي في الأمراض العقلية والنفسية أنه “لا شك أن تذكير المريض بالله، ورفع الروح المعنوية لديه، وإدخال السرور على نفسه، وفتح باب الأمل والتفاؤل، معينات على العلاج”. بحيث أنه في بعض الدراسات الحديثة وُجد أن المرضى المترددين على أماكن العبادة باستمرار “يشفون بسرعة أكبر من غير المحافظين على العبادات”.
وأضاف أن المتدين يكون أكثر صبراً وتكيفاً وتحملاً، “وبالتالي تكون مدة مكثه في المستشفيات النفسية أقل من غيره”.
ولفت العثماني إلى أنه لابد في العلاج النفسي “أن تراعى النواحي الدينية والروحية، مثل باقي النواحي النفسية والاجتماعية”، وأشار إلى أنه من الأمثلة لتأثير التدين على علاج بعض الأمراض النفسية، “تأثير التدين على السلوك الإدماني”.
هذا وحث سعد الدين العثماني على ضرورة “تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة المنتشرة بين المسلمين”، والتي من بينها أن المؤمن لا يمرض نفسيا”، في حين أنه مثل جميع الناس -سواء كان مسلما أو غير مسلم- يمكن أن يصاب بالمرض النفسي، إذا توافرت عوامله العضوية أو البيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية.
وأوضح أنه “لا علاقة للإصابة بمرض الاكتئاب مثلا، أو مرض الوسواس القهري، أو مرض الرهاب الاجتماعي أو غيره من الأمراض النفسية بمستوى الإيمان”. مستشهداً بحديث نبوي من الصحيحين البخاري ومسلم يقول “مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمِّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمِّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَاّ كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاه”.
ويرى العثماني أن الاكتئاب “ما هو إلا درجة أعلى وأشمل من الحزن والهم والغم”، داعيا إلى تصحيح الأفكار الخاطئة والحث على الإقبال على العلاج لدى متخصصين نفسيين معتمدين، من أطباء ومعالجين.
أما بخصوص وازع القرآن والصحة النفسية الإيجابية، فاعتبر سعد الدين العثماني أن الدين هو الذي يجيب عن الأسئلة الكبرى في حياة الإنسان، “وهي الأسئلة الوجودية من مثل من أين جئنا؟ وما مصيرنا؟ ولماذا كانت الحياة؟ ولماذا نعيش ونموت؟ وما هي الغاية من أفعالنا؟”، مؤكدا أن الإيمان والتدين يهبان للحياة معنى وقيمة.
وألفت إلى أن الدين يعزز المكونات الروحية للمعنى مثل التسامي والإدراك الكلي والحكمة، ويعطي للفرد بالتالي شعورا بالطمأنينة مع الله، والاستعداد للحياة الآخرة، واليقين بأن كل عمله يجازى عليه في الآخرة، وأن هناك بعثا وحسابا. كما أن الإيمان يعطي أيضا لتجربة التدفق والاستغراق أبهى تجلياتها.
ويرى أنه “لا شك أن الاستغراق في العبادة الباطنة والظاهرة، من أروع ما يشعر معه الإنسان بالتدفق، وبالتالي بالسعادة”. وقال إن العقائد الإسلامية توفر من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية أرقى درجات اكتساب معنى للحياة، كما توفر العبادات الإسلامية -بأبعادها الإيمانية العميقة- أحلى تجارب الاستغراق الروحي. وهو ما تسميه بعض الأحاديث النبوية: “حلاوة الإيمان”.
وأفاد بأن جميع مواعظ القرآن، وجميع ما يتضمنه من آداب وأخلاق وأحكام، “يسهم في تنمية صحة نفسية إيجابية وجيدة، وبقدر ما يترقى المرء في مراتبها، بقدر ما تكون صحته النفسية أفضل”، موضحا أن القرآن الكريم يشع نورا وبركة وشفاء على القلب المؤمن، “فتشرق نفسه وتكون أطوع لكل ما هو طمأنينة وراحة وخير وحب وسماحة”.
وتوقف العثماني عند أهمية العلاقات الاجتماعية في الصحة النفسية، بحيث أن المتخصصين متفقون على أن من معايير الصحة النفسية القدرة على التكيف مع الجماعة، وعلى عقد علاقات اجتماعية راضية مرضية.
وأشار في هذا الصدد إلى أن كل مسلم يعلم أن في القرآن الكريم التوجيهات والآداب والأحكام ما يجعل المسلم في مجتمعه في أخوة صافية وعلاقة متينة وتعاون حميم. “وهو ما يدخل فيه اتفاق المتخصصين النفسيين على أهمية المشاركةَ في الأعمال التطوعية”، مشيرا إلى آية قرآنية في هذا السياق مثل “فاستبقوا الخيرات”، “وافعلوا الخير لعلكم تفلحون”.