الرميد: المغرب لم يلائم قانونه الجنائي مع الدستور ونحن نضيع الفرص ونهدر الوقت
قال مصطفى الرميد وزير العدل والحريات الأسبق، إن المغرب “لم يلائم إلى غاية يومه قانونه الجنائي مع الدستور واتفاقية روما، مشددا على أنه نتيجة لذلك يغيب مبدأ التكاملية الذي يعطي للدول، حسب قانون روما، الحق في أن تحاكم مواطنيها المتهمين في الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب، بمقتضى قانونها وعلى أساس قضائها.
ورغم تنصيص كل من الدستور و النظام الأساسي لاتفاقية روما على معاقبة هذه الجرائم، أكد الرميد خلال ندوة نظمت اليوم الجمعة 05 يوليوز 2024 حول السياسة الجنائية بالمغرب، (أكد) غياب أي قانون يجرم صراحة هذه الجرائم ويعاقب عليها، مشددا على أن مبدأ التكامل لا وجود له ولا يمكن أن يصور في الحالة المغربية.
وذكَّر الرميد في إطار مداخلته حول “محددات السياسة الجنائية من خلال الدستور” بأن مشروع القانون الجنائي المسحوب كان يجرم ضمن ما يجرم هذه الجرائم التي نص عليها الدستور، مضيفا أنه كان بإمكان الحكومة الحالية، في إطار الحق في التعديل، أن توقع التعديل اللازمة على كل المقتضيات التي تراها ملائمة.
وأردف أن “تلك النصوص كانت نتيجة حوار وطني لم ترد تلك الحكومة في تلك المرحلة أن تصنع العجلة وإنما العجلة صنعها الجميع وجاء القانون يعكس المتوافق عليه من قبل الجميع”، مبديا أسفه قائلا “نحن في المغرب نضيع الفرص ونهدر الوقت ونهدر الزمن”.
وتطرق الرميد في مداخلته أيضا إلى قضية “الإعدام”، موضحا أن “النص على الحق في الحياة لا يعني بالضرورة منع عقوبة الإعدام وإن كان يعني التقليص منها إلى أبعد حد”.
وأوضح الراميد أنه لا يجوز في البلدان التي لم تلغي عقوبة الإعدام أن يٌحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة، مضيفا أنه لهذا الغرض قام المغرب في ما يخص القانون رقم 13-108 المتعلق بالقضاء العسكري بحصر عقوبة الإعدام في خمس جرائم فقط عوض 16 جريمة كانت في القانون السابق.
وتابع الراميد أن هذا التغيير لم يكن سهلا بل كانت وراءه مجهودات كبيرة مضيفا ” لايسعني إلا أن أحيي شجاعة جلالة الملك في هذا الجانب، التي أدت في الأخير إلى أن يٌصبح للمغرب قانون عسكري متقدم جدا”.
وأردف أن “المملكة المغربية لم تصادق على البروتوكول الاختياري التاني الملحق بالعهد الدوري الحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الاعدام، ولو صادقت لكان لزوما أن يتم إلغاء عقوبة الاعدام” مبديا رأيه المعارض للمصادقة على هذا البروتوكل.
وشدد الرميد في نفس الوقت على ضرورة حصر عقوبة الإعدام في حدود أخطر الجرائم وأبشعها مع إحاطة المحاكمات بأقصى الضمانات، مضيفا “لذلك اقترحنا في مشروع قانون المسطرة الجنائية على أن لا يتم الحكم بالإعدام إلا بإجماع الهيئة القضائية”.
وحول وجوب سلامة الأشخاص أكد الرميد على “الحاجة الماسة لتثمتين ضمانات المتهمين خلال البحث التمهيدي وفي مخافر الشرطة، وذلك بالنص في قانون المسطرة الجنائية المنتظرة على إلزامية حضور المحامي خلال استنطاق الأشخاص المودعين لدى الشرطة سواء كانوا رهن الحراس النظرية او خلافه”.
في ذاتب السياق أبرز أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة نص على التسجيل السمعي البصري لتصريحات المودعين رهن الحراس النظرية بخلاف غيرهم ممن يجب حضور المحامي معهم، مشددا على أهمية هذا التسجيل خاصة في إطار التطورات الحقوقية اللافتة بما فيها الآليات الحقوقية الأممية التي تعتبر غياب المحامي عن الحضور مع الأشخاص لدى الشرطة موجبا لتصديق ادعائهم بالتعذيب.
واسترسل شارحا أن “أي شخص يدعي التعذيب أمام الآليات الأممية مع إثبات بأنه كان دون محامي، فإن الآلية الأممية تصدقه، ولا تجد الدولة المغربية أو أي دولة وسيلة لإثبات عكس ما يدعيه سواء بالتعذيب أو اعتقال تعسفي”، مستنتجا “وجوب ملائمة التشريع الجنائي المسطري مع ما تقتضيه المقررات الأممية في هذا الجانب”.
وفي وجوب تحسين قرينة البراءة، أكد المتحدث أن “هذه الأخيرة تستلزم تمتيع الاشخاص بكافة ضمانات المحاكمة العادلة وعلى رأسها المحاكمة في حالة سراح وهو ما يستلزمه عدم الاعتقال إلا في الحدود الضرورية التي ينبغي للمشرع تدقيقها للحد من السلطة التقديرية وسلطة الملائمة التي جعلت الاعتقال الاحتياطي متضخما بشكل لافت”.
وذكَّر بالفصل 190 من الدستور الذي ينص على “أنه يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضاء مكتسب لقوة شيء المقضي به”، مسجلا أن “التطبيق الحرفي لهذا النص الدستوري يفضي إلى القول بأنه لا مجال لأي اعتقال إلا بعد بلوغ المحاكمة منتهاها بالإدانة بمقتدى مقرر قضائي”.
في المقابل أوضح أن “قاعدة البراءة هذه تتزاحم مع قاعدة أخرى تتعلق بضمان السلطات العمومية لسلامة السكان وسلامة التراب الوطني وهما قاعدتين دستوريتان متزاحمتان، حيث ينبغي إعمال كليهما”، مبرزا نتيجة لذلك “ضرورة رسم الحدود ضرورية اللازمة بين القاعدتين حتى لا تطغى قاعدة على قاعدة وتؤدي الى الغائها او تهميشها والتضيق عليها”.
وشدد على ضرورة تدقيق الحالات التي تستوجب الاعتقال وحصرها “بما يضمن تكريسا لقاعدة البراءة الأصلية وحماية قاعدة ضمان السلطات العمومية لسلامة السكان، مضيفا أن “أي اعتقال في أي قضية كانت نهايتها البراءة يتعين اعتباره موجبا للتعويض”.