الذكاء الاصطناعي.. تباين في الرؤى وخبير يُنبه إلى اختفاء وظائف على المدى القريب

خلال تنظيم المناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي، التي شهدت مداخلات لعدد من المسؤولين والوزراء، برز تباين في الرؤى بشأن مستقبل المهن في ظل الثورة الرقمية، إذ اختلفت وجهات النظر بين من يرى في الذكاء الاصطناعي فرصة واعدة لتطوير المجتمع وتيسير الحياة اليومية، وبين من ينظر إليه كمصدر تهديد لفقدان الوظائف في وقت وجيز.
في هذا السياق، شدد كل من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، والوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري، على أهمية إدماج الذكاء الاصطناعي ضمن الاستراتيجية الوطنية، معتبرين ذلك رهانًا حاسمًا لتعزيز السيادة الرقمية للمغرب.
كما أكدوا أن استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030 يُعد فرصة استراتيجية لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية كالنقل، والأمن، والصحة، والسياحة، والخدمات التفاعلية.
وفي المقابل، عبّر رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، عن تفاؤله المشروط إزاء هذه التكنولوجيا، مشيرًا إلى أنها تفتح آفاقًا واعدة في مجالات كالصحة والفلاحة والتعليم، لكنه شدد على ضرورة التحضير الجيد لمواكبتها.
واستشهد بحالة شركة عالمية في مجال الأوفشورينغ قررت الاستغناء عن 800 موظف لفائدة الذكاء الاصطناعي، لكنها اضطرت لاحقًا إلى التراجع عن القرار بعد فقدانها لعدد من العملاء الذين رفضوا التعامل مع الذكاء الاصطناعي كوسيط مباشر، وهو ما اعتبره العلج دليلاً على أن الذكاء الاصطناعي ليس حتمية مطلقة، بل فرصة ينبغي توظيفها برؤية متبصّرة وعقلانية.
وفي تعليقه حول الموضوع، اعتبر المهندس المعلوماتي، بدر بلاج، أن أي تكنولوجيا حديثة عند ظهورها تؤدي بشكل طبيعي إلى تدمير عدد من المهن، لكنها في المقابل تخلق مهنًا جديدة، ولذلك، في نظره، لا يتعلق النقاش بوجود تهديد بقدر ما هو سؤال حول ما إذا كانت المهن الجديدة التي سيخلقها الذكاء الاصطناعي ستكون أكثر عددًا وقيمة من تلك التي سيقضي عليها.
وشبّه بلاج في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، ما يحدث اليوم مع ظهور الإنترنت، حيث أحدثت هذه التكنولوجيا تحولًا عميقًا في عدة قطاعات، إذ أثرت بشكل مباشر على خدمات الاتصال التقليدية، مثل المكالمات الهاتفية، التي تراجعت لصالح التطبيقات الرقمية.
وفي هذا السياق، أكد بلاج أن التهديد الذي يشكله الذكاء الاصطناعي ليس بعيد المدى كما يعتقد البعض، بل هو تهديد قريب جدًا، وبدأ بالفعل في التأثير على مهن محددة.
واستشهد بمهنة الترجمة، عبر الإنترنت أو عن بعد، مؤكدا أنه أصبح بالإمكان ترجمة نصوص معقدة باستعمال أدوات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك المصطلحات التقنية، وبجودة عالية.
وكانت شركة “مايكروسوفت”، إمبراطورية البرمجيات والتكنولوجيا الأمريكية، قد قررت في الفترة الأخيرة شطب مئات الوظائف، في إطار توجهها المتصاعد نحو تقليص التكاليف، مقابل الاستثمار الكثيف في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأفادت تقارير إعلامية بأن الشركة أبلغت أكثر من 300 موظف بفقدان وظائفهم، وذلك بعد فترة قصيرة من إعلانها السابق عن تسريح نحو 6 آلاف موظف.
ومع ذلك، شدد بلاج على أن الذكاء الاصطناعي لا يجب أن يُنظر إليه فقط من زاوية تدمير المهن، بل من زاوية تسريع الأداء الاقتصادي وتقليص عدد المتدخلين في بعض الأنشطة.
وأعطى مثالاً بمجال التعليم، حيث أصبح بإمكان الأشخاص تطوير مستواهم من منازلهم وبتكلفة منخفضة، مستفيدين من أدوات الذكاء الاصطناعي بدل الاعتماد على الساعات الإضافية المكلفة.
وفي غضون ذلك، يرى بلاج أن الحديث عن زوال بعض الحرف لا يجب أن ينفصل عن الحديث عن تحسين جودة المهن التي ستخلق مستقبلاً، إذ لا تقتصر هذه التكنولوجيا فقط على الاستغناء عن اليد العاملة، بل تساهم كذلك في تطوير نوعية الخدمات وتسريع وتيرتها، مما يعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام.
وفيما يخص المهن الأكثر عرضة للتأثير المباشر، أشار الخبير إلى كل ما يتعلق بخلق المحتوى، سواء المكتوب أو المرئي، كإحدى الفئات الأكثر هشاشة أمام الزحف التكنولوجي.
وأوضح في هذا الصدد، أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا اليوم على إنتاج مقالات، وتصميم فيديوهات، وابتكار محتويات رقمية بسهولة وبكلفة منخفضة، وهو ما يقلص الحاجة للتدخل البشري في هذه المجالات.
كما أكد أن صناعة الإشهار هي الأخرى ستعرف تحولًا كبيرًا بفضل الذكاء الاصطناعي، إذ باتت بعض الشركات قادرة على إنتاج إعلانات احترافية بتكاليف زهيدة مقارنة بما كان معمولًا به سابقًا.
وختم بلاج بالإشارة إلى أن مهنًا أخرى مثل التصوير الفوتوغرافي وصناعة الأفلام لم تعد محصنة كما في السابق، لافتا إلى أن الذكاء الاصطناعي صار يقدم حلولاً بديلة تضاهي في كثير من الأحيان الإبداع البشري.