الديبلوماسية الروحية… قوة المغرب الناعمة بإفريقيا
تجمع المغرب بالدول الإفريقية جنوب الصحراء علاقات تاريخية قوية تشمل مختلف أوجه التعاون، سياسيا واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ودينيا، وغيرها.
ولعل من أبرز علاقات التعاون بين المملكة المغربية وهذه الدول، هي العلاقات الروحية الضاربة في عمق التاريخ.
وما أسهم في ترسيخ هذه العلاقة وتوطيدها هو وحدة المرجعية الدينية والروحية التي تجمع المغرب وإفريقيا، والمتمثلة في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني الجنيدي.
“إذا كانت بلدان غرب إفريقيا مسلمة اليوم، فهذا بفضل المغرب…مسجد محمد السادس بأبيدجان الذي شيد تنفيذا للتعليمات السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يعد رمزا لإسلام السلم والتضامن والعيش المشترك”.
هذه تصريحات لرئيس المجلس الأعلى للأئمة والمساجد والشؤون الإسلامية بكوت ديفوار، عثمان دياكيتي، يوم الجمعة 05 أبريل 2024، بمناسبة الافتتاح الرسمي لمسجد محمد السادس بأبيدجان، والتي تدفع بنا إلى استحضار عمق “الدبلوماسية الروحية” التي ينهجها المغرب في دول إفريقيا، لحفظ الدين وأشياء أخرى.
علاقات متجذرة..و”حقيقة تاريخية”
في هذا السياق، يرى الأستاذ الباحث، المتخصص في التصوف والأدب والجماليات، ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي خالد التوزاني أن “للمغرب علاقات متميّزة مع إفريقيا، منذ القدم، إذ ظلّت الزيارات بين المغاربة ودول إفريقيا متواصلة دائما سواء عبر التجار المغاربة الذين ربطوا اتصالات تجارية مع دول إفريقية أو من خلال استقرار بعض الأفارقة في المغرب، وكذلك رحلات الحج عبر التاريخ كانت تمر من المغرب؛ حيث كان الحجاج الأفارقة يجتمعون في مراكش أو في فاس، ثم ينطلقون مع الحجاج المغاربة عبر الجزائر وتونس وطرابلس ومصر متوجهين إلى الديار المقدسة لأداء مناسك حجهم، ثم في طريق عودتهم من الحج، يرجعون للمغرب أولاً قبل توغلهم في ربوع القارة السمراء”.
وأوضح التوزاني، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن العلاقات بين المغرب ودول إفريقيا، “تعود إلى أكثر من ألف عام، أي منذ الدولة المرابطية، حيث ترسخت هذه العلاقات مع انتشار الطرق الصوفية المغربية في إفريقيا، ومن ذلك الطريقة التيجانية، إذ أصبح للأفارقة ارتباط روحي بالمغرب” مؤكدا أن “اليوم، إذ يؤكد رئيس المجلس الأعلى للأئمة والمساجد والشؤون الإسلامية بدولة الكوت ديفوار أن انتشار الإسلام في دول غرب أفريقيا يعود بالأساس للمغاربة، فهو يؤكد حقيقة تاريخية، لأن المغرب كان عبر التاريخ بوابة إفريقيا، ولذلك كانت جهوده في حفظ الأمن الروحي بإفريقيا من خلال نشر الإسلام بطرق سلمية تمثلت في حسن أخلاق التجار المغاربة وفي انتشار الطرق الصوفية المغربية في دول إفريقية، ثم رحلات الحج التي كانت تمر من أهم مدن المغرب، ورعاية سلاطين المغرب لشؤون الأفارقة”.
وتابع أن “الكثير من الدول الإفريقية تدين بالبيعة والولاء لسلاطين المغرب وتنظر للملك المغربي بوصفه أميراً لكل المؤمنين في إفريقيا كما تدل على ذلك مجموعة من الرسائل التاريخية”.
“وإلى اليوم بقي هذا الارتباط الروحي متواصلاً مع الملك محمد السادس، كما أكدت ذلك زياراته للعديد من الدول الإفريقية وكيف كان استقباله كبيراً من لدن تلك الدول ويدل أن تلك الدول تكن محبة عميقةً واحتراماً عظيماً للملك، والتي زادت قوة ورسوخاً في السنوات الأخيرة بفضل المبادرات الملكية” يقول المتحدث.
مبادرات تحيي عنفوان العلاقات
وأضاف الأستاذ الباحث، المتخصص في التصوف والأدب والجماليات، ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي أن ” الملوك المغاربة حرصوا عبر عدة قرون مضت، على إحاطة عموم الأفارقة بعناية مولوية سامية تحفظ لهؤلاء الأفارقة التقدير والاحترام وتلبي حاجاتهم المادية والمعنوية، وذلك ضمن دبلوماسية ملكية سامية تؤسس لدبلوماسية روحية أصيلة ومتينة، تنهل من الإسلام والأخوة الإنسانية مقوماتها في رعاية مصالح الإنسان الإفريقي”.
هذه الدبلوماسية الروحية، تتجلى وفق المتحدث ذاته، في استقبال الملك لعدد من شيوخ الطرق الصوفية في الدول الإفريقية، وبناء المساجد وتوزيع آلاف النسخ من المصحف المحمدي الشريف، وإمداد المستشفيات بالأدوية والأجهزة الطبية، ومساعدة تلك الدول في تطوير البنية التحتية مثل بناء المدارس وشق الطرق وإصلاح الأراضي الزراعية، فضلا عن تطوير المجال الاقتصادي والثقافي، أي أن هذه الدبلوماسية الملكية تتجاوز البعد الديني في حفظ الأمن الروحي، إلى أبعاد أخرى اجتماعية واقتصادية تعود بالنفع العميم على تلك الدول الإفريقية”.
وخلص المتحدث ذاته، إلى أن العلاقات التاريخية، في عهد الملك محمد السادس، “تجددت بإطلاق مبادرات رائدة؛ كإنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة وخلق فروع لها في دول إفريقية عديدة، إلى جانب استقبال آلاف الطلاب الأفارقة في الجامعات المغربية للدراسة، وأيضاً تكوين الأئمة والمرشدين والقيمين الدينيين الأفارقة، وكذلك دعوة العلماء الأفارقة لحضور الدروس الحسنية الرمضانية وتقديم بعض الدروس في حضرة الملك”، فكل ذلك يعكس قوة الدبلوماسية الروحية التي جمعت المغرب بإفريقيا.