story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

الخبيرة أسماء الخمليشي: هذه مفاتيح تجنيب المغاربة “العطش والجوع”

دعت إلى نموذج تنموي يفترض غياب الأمطار وتحلية ومعالجة المزيد من المياه
ص ص

تعتبر أسماء الخمليشي، وهي مهندسة قروية متخصصة في قطاع الماء والبنيات التحتية المرتبطة بهذا القطاع، أشرفت على عدد من المشاريع والدراسات المتعلقة بالتزويد بالماء الصالح للشرب على المستويين الحضري و القروي؛ أن حاجيات المغرب من المياه تبلغ سنويا 16 مليار متر مكعب، منها 14 مليار متر مكعب في المجال الفلاحي، معتبرة أن توفير هذه الكمية من الماء يعتبر حاليا ضربا من المستحيل.


ولتخفيف هذا الخصاص الكبير تقترح الخمليشي التي واكبت مجموعة من المشاريع المرتبطة بالتجهيزات و البنيات الهيدروفلاحية في إطار مشاريع تهيئة الأحواض السقوية؛ استعمال المزيد من المياه غير الاعتيادية، خاصة مياه البحر المحلاة، والانتقال إلى مزروعات تستهلك مياه أقل، والعمل على الربط بين الأحواض المائية لسقي بعض المدارات السقوية.

س: كيف تصفين الوضعية المائية في المغرب بصفة عامة؟

ج: يمكننا القول أن المغرب يمر بوضعية حرجة ومقلقة، فتعاقب سنوات الجفاف أدى إلى تراجع كبير في مخزون المياه، سواء السطحية أو الجوفية. نحن نتحدث اليوم عن السنة السادسة من الجفاف على التوالي، بكل ما يحمله هذا المعطى من آثار سلبية على جميع الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
مع العلم أن معطى الجفاف ببلادنا ليس حديثا، فقد عرف المغرب في العقود الأخيرة فترات من الجفاف، إلا أن ما يميز الفترة الحالية هو تعاقب عدة سنوات جافة، إضافة إلى ارتفاع الحاجيات الذي نتج عن النموين الاقتصادي والديمغرافي. كل هذا جعل المغرب يدخل في حالة من الاجهاد المائي المستمر…

س: ماذا نقصد بعبارة “الإجهاد المائي”؟

ج: نتحدث عن الإجهاد المائي عندما تقل حصة الفرد من الماء عن ألف متر مكعب في السنة. في المغرب، تشير أحسن المعدلات إلى أن هذه الحصة لا تتعدى 350 متر مكعب في السنة، وتتراجع إلى أقل من 200 متر مكعب للفرد في السنة، إذا اعتمدنا معدل الواردات السنوي من المياه للسنوات الخمس الأخيرة٠
باختصار بمكننا القول إن الوضعية في المغرب جد حرجة ومقلقة، على غرار العديد من الدول التي تعيش تبعات التقلبات المناخية…

س: أين يمكننا تصنيف المغرب تحديدا في الخريطة العالمية من حيث الوضعية المائية؟

ج: المغرب من دول الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط، وهي من بين المناطق الأكثر تهديدا بتبعات التقلبات المناخية التي تنعكس سلبا على التساقطات المطرية والثلجية، وتؤدي الى ارتفاع درجات الحرارة الذي يؤدي بدوره إلى فقدان كميات إضافية من المياه بفعل التبخر والارتشاح…

س: لنتحدث أولا عن الموارد المائية للمغرب، من أين نستمد مواردنا المائية تحديدا؟

ج: أول ما ينبغي الإشارة اليه هو أن جل الموارد المائية للمغرب لها منابع داخلية، وكلها تأتي من جبال الأطلس أو من جبال الريف، وتصب في السواحل المغربية ولله الحمد، وهي مسألة جد إيجابية، لأن الكثير من الدول التي تتقاسم مواردها المائية مع دول أخرى تعاني من مشاكل تقسيم هذه الموارد مع الدول المجاورة٠
بالنسبة للموارد المائية المتوفرة فمن الممكن تقسيمها إلى نوعين: موارد سطحية وأخرى جوفية.
الموارد السطحية هي المياه المتوفرة في الأنهار والبحيرات والسدود. أما المياه الجوفية فهي التي توجد في الفرش المائية، وهذه الأخيرة يمكن تصنيفها أيضا إلى نوعين: هناك فرش مائية سطحية وفرش مائية عميقة ذات قابلية التجديد جد ضعيفة.
لكن هناك اليوم حاجة إلى وضع تقسيم جديد بناء على مصادر هذه المياه، فنتحدث عن المياه الاعتيادية، وهي المياه السطحية والجوفية، والمياه غير الاعتيادية، وهي التي تحتاج تدخل الانسان المباشر من أجل الحصول عليها، ونقصد هنا مياه البحر المحلاة والمياه العادمة المعالجة…

س: هل أصبح حجم المياه غير الاعتيادية التي يمكن الحصول عليها كبيرا بالشكل الذي يسمح بإدراجها ضمن موارد المغرب من المياه؟

ج: الحجم الذي ننتجه حاليا من المياه غير الاعتيادية لم يصبح بعد كبيرا مقارنة بالمياه الاعتيادية، أو مقارنة بحاجيات المغرب. لكن، سيتم الرفع من حجم إنتاجها، وستوفر في القريب العاجل والمتوسط كمية من المياه تسمح بحل العديد من المشاكل في بعض مناطق المغرب. لكن لا يمكن الحديث عن تعويض المياه الاعتيادية بمياه غير اعتيادية، بالنظر إلى كلفتها المرتفعة التي لا تسمح بتعميمها… هي إذن حلول نلجأ إليها للتخفيف من آثار الجفاف وسد الخصاص في قطاعات حيوية مثل مياه الشرب ومياه سقي بعض المدارات السقوية التي تتوفر فيها شروط معينة٠

س: ما هي وضعية مواردنا المائية سواء الاعتيادية أو غير الاعتيادية مقارنة بالماضي؟

ج: بالنسبة للموارد الاعتيادية، فهي وكما ذكرت تعرف تراجعا وانخفاضا مستمرا. ولتقريب القارئ من الوضعية الراهنة، من الأفضل الحديث عن صافي حجم الواردات المائية، الذي يمثل مجموع التساقطات المطرية والثلجية بعد استخلاص جميع المياه التي يتم فقدانها في التبخر، او الارتشاح او تلك التي تصب في البحار والمحيطات٠ وصافي واردات المغرب من المياه يتغير من سنة لأخرى…

س: نتحدث إذا عن معطى متغير؟

ج: نعم٠ نتحدث عن معدل يختلف باختلاف السلسلة الزمنية لحساب الواردات فمعدل السبعين سنة الماضية، ابتداء من سنة 1945 يستقر في حوالي 11.5 مليار متر مكعب، ويتراجع الى 7.2 مليار مكعب لعشر سنوات الأخيرة، ولا يتجاوز 5.2 مليار متر مكعب بالسنة لمعدل الخمس سنوات الأخيرة.
فيما يخص السنة الحالية، فان حجم الواردات المائية المسجلة الى حدود شهر يناير المنصرم لا تتجاوز 680 مليون متر مكعب، مقارنة ب 4.2 مليار متر مكعب مسجلة في المتوسط، أي بنسبة 15٪ فقط من معدل الواردات. هذا التراجع سيؤثر حتما على الموارد المائية السطحية والجوفية.

س: ماذا يترتب عن ذلك من حيث كمية المياه المتوفرة؟

ج: بالنسبة للموارد السطحية، يتوفر المغرب على حوالي 153 سد كبير، وما يناهز 140 سد تلي صغير، بطاقة استيعابية اجمالية تقدر 20 مليار متر مكعب…

س: سدودنا تستطيع تخزين عشرين مليار متر مكعب؟

ج: ليس كحجم صافي، بل الحجم الإجمالي، لأن علينا استبعاد الحجم الخاص بالتوحل الذي يشغل جزءا من حقينة السدود. في الوقت الحالي لا تتجاوز نسبة ملء السدود 25 في المائة، مقارنة ب 32 ٪ مسجلة في نفس الفترة من السنة الماضية. ويبلغ مجموع الحجم المتوفر في السدود 3.9 مليار متر مربع ويسجل هذا التراجع في نسب الملأ في جميع الأحواض المائية.
الجدير بالذكر أن نسبة ملء حوض أم الربيع لا تتجاوز 6٪، في حين أن حوض سبو لم يتلقى منذ بداية السنة الهيدرولوجية الحالية سوى 124 مليون متر مكعب، بينما يقدر مجموع متوسط وارداته بحوالي 1.5 مليار متر مكعب لنفس الفترة، وهما من أهم الأحواض فيما يخص سعة التخزين التي تبلغ 4.5 مليار بحوض أم الربيع و5.5 مليار مكعب بحوض سبو.

س: ما هي الكميات الثابتة والمؤكدة علميا التي يمكن استخراجها من الموارد المائية الجوفية؟

ج: يتوفر المغرب على 130 فرشة مائية، 32 منها عميقة. وتعرف جل الفرش المائية استنزافا كبيرا من أجل سد الخصاص المائي…

س: ماذا عن حجم المياه الجوفية؟

ج: لا نتوفر اليوم على احصائيات محيّنة ومتاحة لوضعية الفرش المائية. لكننا عموما نجد بعض الأرقام التي كانت تتحدث في بداية الألفية عن مخزون بحجم سبع مليارات متر مكعب من المياه الجوفية،
موزعة في مناطق مختلفة. بعد ذلك أصبحنا نتحدث في فترة 2009 و2010 عن أربع مليارات من الأمتار المكعبة وعن خصاص سنوي يقدر بحوالي 1 مليار متر مكعب.

س: أين ذهبت ثلاث مليارات من الأمتار المكعبة؟

ج: هناك استغلال من جهة، وتراجع التساقطات المطرية والثلجية من جهة أخرى، والمؤكد هو أن جل الفرش المائية في المغرب تراجعت بشكل كبير. مثلا فرشة تادلة تراجعت بحوالي خمسة أمتار في السنة الماضية فقط، بينما عرفت فرشة سوس تراجعا بـأربعة أمتار، وهناك نضوب لعدد كبير من الآبار والثقوب، وتراجع في الصبيب وفي الجودة أيضا… بكل اختصار يمكن القول إن الفرش المائية تتعرض للاستنزاف، لكنها في المقابل قابلة للتعويض والملء من جديد في حال كانت هناك سنوات رطبة.

س: ما هي الأسباب التي أدت إلى تراجع الواردات المغربية من المياه بمختلف أنواعها؟ هل كلها مناخية؟

ج: هي أولا أسباب مناخية بحتة. نحن نتحدث عن تراجع التساقطات المطرية بنسبة 66 في المائة وتقلص المساحات المغطاة بالثلوج بنسبة 93 ٪، وارتفاع درجة الحرارة في المتوسط ب 1.8 درجة الذي يؤدي الى ارتفاع حجم المياه التي نفقدها بالتبخر والارتشاح.

س: ماذا عن الحاجيات؟ كم يلزمنا في السنة من المياه كي نلبي كل الحاجيات العادية من المياه؟

ج: تلزمنا 16 مليار متر مكعب، موزعة بين مليار و700 مليون متر مكعب لسد حاجيات مياه الشرب، وحوالي 300 مليون متر مكعب لتلبية الحاجيات الصناعية، و14 مليار متر مكعب لسقي حوالي مليوني هكتار من المساحات الزراعية. هذه هي حاجياتنا الإجمالية، لكن تلبيتها تخضع لنوع من التراتبية..

س: من الذي يحدد هذه التراتبية؟ هل القانون ينص على ذلك؟

ج: نعم هي تراتبية محددة بالقانون لكنها تفرض نفسها بقوة المنطق: في صدارة هذه الأولويات توجد مياه الشرب، وبعدها السقي ثم الحاجيات الصناعية.

س: ما هي نسبة الاستجابة لهذه الحاجيات وفقا للموارد المتاحة حاليا؟

ج: فيما يخص التزويد بالماء الصالح للشرب فجدير بالذكر أن 98٪ من العالم الفردي مزود بالماء الصالح للشرب.
وكما ذكرت سابقا، فمجموع حاجيات المغرب من مياه الشرب هو 1.7 مليار متر مكعب، يتم الحصول على مليار منها انطلاقا من السدود، وعلى 700 مليون متر مكعب من الفرش المائية.
تراجع الواردات المائية أدى بالخصوص على نضوب عدد كبير من الآبار والثقوب، مما أدى الى عدم تزويد عدة مراكز، خاصة القروية، بالماء الشروب، لأنها تزود أساسا من المياه الجوفية. كما أن العديد من المدن الكبرى مهددة بفعل تراجع مخزون السدود، لكن تبقى هناك حلول بالنسبة لهذه المدن بما أن أغلبها ساحلي وبالتالي هناك إمكانية تحلية مياه البحر.

س: ماذا عن الحاجيات الموجهة للسقي والصناعة؟

ج: بالنسبة لحاجيات المياه السقوية، بإمكاننا القول إن الوضعية جد حرجة. فقد أعلن السيد وزير التجهيز والماء أنه سيتم منح مليار متر مكعب فقط لأنشطة السقي، ما يعني أن خصاصا كبيرا سيسجل هذه السنة، ومناطق سقوية كثيرة لن تتمكن من السقي الكلي او الجزئي للمدارات المجهزة مثل دكالة وتادلة وسوس وملوية ودرعة تافلالت.
أما الحاجيات الصناعية فهي منخفضة مقارنة بالحاجيات الأخرى. وهنا أود الإشارة إلى دور الشركات المغربية الكبرى، التي يمكن لوعيها أن يساهم في التخفيف من الأزمة، من خلال توجهها نحو المياه غير الاعتيادية، كما هو الحال مع المكتب الشريف للفوسفاط الذي يتوفر على 3 محطات لتحلية مياه البحر، تؤمّن حاجياته من المياه الصناعية، بل وتلبي اليوم حاجيات مدن آسفي والجديدة من الماء الصالح للشرب …
أعتقد أن القطاع الخاص المغربي لمس الحاجة للتوجه للمياه غير اعتيادية، ويبقى أن تتوفر له البنيات الضرورية، كما هو الحال في العاصمة حيث يمكن لمن يرغب في ذلك، الحصول على بطاقة اشتراك يعبئها متى شاء ويستعملها للحصول على المياه المعالجة من نقط عديدة متوفرة. وهي تجربة ينبغي تثمينها وتعميمها، كما ينبغي التفكير في استعمالات أخرى للمياه المعالجة، مثل البناء، ومختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

س: ما هي الحلول التي طورها المغرب للاستجابة لهذه التحديات والحد من النقص الكبير في المياه؟

ج: هناك العديد من الحلول التي تندرج أساسا ضمن المخطط الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب، والذي يغطي الفترة من 2020 إلى 2027 بغلاف مالي إجمالي ارتفع ليصل 143 مليار درهم.

س: ما الذي سينجز ويتطلب كل هذا الغلاف المالي؟

ج: يتضمن المخطط خمسة محاور أساسية:
 تنمية العرض المائي؛
 تدبير الطلب واقتصاد وتثمين الماء؛
 تقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالمجال القروي؛
 اعادة استعمال المياه العادمة المعالجة؛
 التواصل والتحسيس؛

س: كيف يمكن تعبئة المزيد من المياه كما يشير إلى ذلك المحور الأول؟

ج: – أولا: عن طريق الرفع من سعة تخزين الواردات السطحية الى 27 مليار متر مكعب، وذلك بإنشاء ما يناهز 15 سد كبير وتعلية سدود أخرى. بالإضافة إلى إنشاء ما يناهز 129 سد تلي وصغير، ستمكن من التزويد بالماء الصالح للشرب وتوفير مياه السقي ومياه شرب المواشي.

  • تانيا: عن طريق تحلية مياه البحر، ويتوفر المغرب حاليا على 15 محطة تمكننا من إنتاج حوالي 190 مليون متر مكعب من المياه سنويا، توجه أساسا لتلبية الحاجيات من مياه الشرب. ويهدف المخطط إلى إنشاء حوالي 15 محطة جديدة، إلى جانب الرفع من الطاقة الإنتاجية للمحطات الحالية. والهدف النهائي هو بلوغ حوالي 1.4 مليار متر مكعب من مياه البحر المحلاة، حوالي 790 مليون متر مكعب منها ستوجه لتلبية مياه الشرب، وحوالي 490 مليون متر مكعب للسقي والباقي سيوجه للصناعة.
  • ثالثا: إلى جانب تعبئة المياه الاعتيادية وغير الاعتيادية هناك الربط بين الأحواض المائية وبين السدود. وهذه خطوة إيجابية على الرغم من أنه يصعب الحديث عن وجود فائض في حوض أو سد معين، لكنه حل جيد لتحقيق التراتبية في تلبية الحاجيات التي تحدثنا عنها، بمعنى إذا كانت منطقة معينة تعرف خصاصا في مياه الشرب، فمن الضروري تزويدها من منطقة أخرى تتوفر على مياه كافية.
    لقد تابعنا جميعا عملية الربط التي تمت بنجاح بين حوض سبو وحوض أبي رقراق لتلبية حاجيات منطقة الرباط وتماره والهرهورة والصخيرات والدار البيضاء… والتي كانت ستعاني من الخصاص ابتداء من دجنبر الماضي.

  • وهناك مشاريع أخرى للربط بين الأحواض والسدود كمشروع الربط بين سدي وادي المخازن ودار خروفة باللوكس لتحويل حوالي 100 مليون متر مكعب نحو منظومة الماء الشروب بطنجة، أو مشروع ربط أحواض ابي رقراق وأم الربيع وتانسيفت، انطلاقا من مشروع الربط بواد سبو.

س: ماذا عن المحور الثاني، كيف يمكن تدبير الطلب على الماء وتقليصه؟

ج: يخص هذا المحور تدبير الطلب والاقتصاد وتتمين الماء وذلك عن طريق تحسين مردودية الإنتاج وشبكات توزيع الماء الشروب وقنوات وشبكات الري ومتابعة برامج السقي بالتنقيط. إضافة لحماية الفرش المائية وذلك عن طريق:
تطعيم الفرش المائة وحظر بعض المزروعات التي تستهلك المياه، وتعليق منح رخص حفر الآبار، إضافة الى عقود الفرشات المائية…..

س: ماهي الإجراءات المخصصة لتأمين التزويد بالماء الصالح للشرب بالعالم القروي؟

ج: هناك العديد من الإجراءات التي تستعمل تعزيز وتامين حاجيات الماء الشروب على مستوى العالم القروي أذكر منها:
 ربط عدد كبير من الدواوير بالسدود لتأمين حاجياتها كما هو الحال في مدن مثل زاكورة وورززات؛
 انجاز تقوب جديدة؛
 اقتناء واستعمال محطات متنقلة لتحلية المياه أو لمعالجة المياه الأجاج؛
 اللجوء الى محطات ضخ عائمة على مستوى السدود التي تعرف انخفاضا كبيرا في مستويات ملأها؛

س: وماذا عن استخدام المياه العادمة بعد معالجتها؟

ج: الأرقام المتوفرة تتحدث عن إمكانية إعادة استعمال ما يناهز 600 مليون متر مكعب من المياه، لا نستغل منها حاليا سوى 40 مليون متر مكعب، وهي تستعمل في سقي المساحات الخضراء وفي بعض الحاجيات الصناعية.
المخطط سيمكّن من الرفع من حجم المياه المعالجة المستعملة لتبلغ مائة مليون متر مكعب، ستوجه أساسا لسقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف وفي الصناعة.
أما فيما يخص إعادة استعمال هذه المياه في السقي فهناك عدة عوامل تؤثر سلبا على هذا النوع من الاستعمال، وهي عوامل سوسيولوجيا وثقافية بالدرجة الاولى.

س: هناك محاولات للتحسيس والتوعية، هل يعتبر ذلك مفيدا في ظل الخصاص الكبير المسجل، علما أن هذه المحاولات تواجه مقاومة على اعتبار أنها لا تتوجه إلى المستهلكين الكبار للماء؟

ج: المجهود التوعوي ينبغي أن يتواصل ويشمل الجميع، لأن الأمر يتعلق بالحس الوطني والحرص على الصالح العام، فهذه بلادنا، وهي تعيش وضعية حرجة وعلينا أن نساهم جميعا.

س: هناك بعض الزراعات التي ينبغي الكف عن ممارستها لأنها لا تلائم الوضعية المائية، لكن في المقابل نحتاج إلى استمرار بعض الزراعات الأساسية، كيف يمكن توفير حاجيات هذه الفلاحة من المياه في ظل هذه الأوضاع؟

ج: علينا في الحقيقة أن نكون واقعيين، حاجياتنا الأساسية من المياه في مجال الفلاحي تقدر بنحو 14 مليار متر مكعب سنويا، وهو رقم ضخم وكبير يوجه لسقي حوالي مليوني هكتار. توفير هذه الكمية من الماء حاليا ضرب من المستحيل، لكن ما يمكننا القيام به للتخفيف من الخصاص هو:

  • استعمال المياه غير الاعتيادية، خاصة مياه البحر المحلاة، وسنستعملها بالفعل لسقي مساحة تناهز 100 ألف هكتار؛
    أما الحل الثاني فهو الانتقال إلى مزروعات تستهلك مياه أقل، علما أن هذا الأمر نفسه يجب تنسيبه، لأن المزروعات التي كانت تعتبر غير مستهلكة للماء أصبحت تستهلك أكتر بفعل ارتفاع درجات الحرارة.
    ثم هناك حل ثالث هو الربط بين الأحواض المائية لسقي بعض المدارات السقوية، لكن لا يمكننا تعميمها نظرا لكلفة انتاجاها المرتفعة، إضافة إلى تواجد الكثير من المناطق السقوية داخل المملكة بعيدا عن السواحل مما سيرفع من كلفة النقل.

س: أي أنه في جميع الأحوال لا يمكن سد الخصاص بدون أمطار؟

ج: كي نكون واقعيين، في جميع الأحوال سيكون هناك تقليص في مساحة الأراضي المسقية ولا يمكن الهروب من هذه الحقيقة. وهو أمر محزن بالنظر الي ارتباط دخل فئات كبيرة بهذا النشاط الاقتصادي، لكن الأمل يظل معقودا على التساقطات المطرية.

س: ماذا لو استمر الجفاف لسنوات أخرى عديدة، ما الذي يجب فعله للحفاظ على استقرار الحياة؟

ج: إذا استمر الجفاف لا قدر الله، فإن علينا التفكير في نموذج تنموي جديد لا يعتمد على نقص الأمطار وشحها فقط بل بافتراض غيابها الكامل.
فيما يخص الماء الصالح للشرب، فيمكن توفيره عبر تحلية مياه البحر، خاصة أن جل المدن المغربية الكبرى هي مدن ساحلية. أما مياه السقي فاعتقد انه علينا التمييز بين نوعين من الأنشطة الفلاحية التي يمكن ممارستها في العالم القروي:
• هناك أنشطة فلاحية عصرية ومرنة، تستطيع دفع كلفة الماء، وإن كانت مرتفعة، لأنها تصدّر وتبيع بأسعار تغطي الكلفة، وتحقق لنا عائدات من العملة الصعبة. بالنسبة لهذا النوع من الأنشطة يمكننا تزويده بالمياه غير الاعتيادية لقدرتها على الاستثمار فيها،
• وهناك أنشطة تقليدية معيشية، هي التي تعاني أكثر من الجفاف لأنها لا تستطيع تحمّل كلفة المياه غير الاعتيادية. وهنا أعتقد أن من الضروري التفكير في الانتقال إلى أنشطة خدماتية غير مستهلكة للماء، وملائمة للوسط القروي. تحترم تعلق المغاربة بأرضهم وحرصهم على البقاء في مجالهم.

س: هل من أمثلة لهذه الأنشطة؟

ج: يمكننا مثلا التفكير في السياحة القروية، من خلال تثمين المؤهلات المحلية لهذه المناطق، وهي أنشطة مربحة وغير مستهلكة للماء مقارنة بحاجيات السقي. ثم هناك الصناعة التقليدية، لدينا قوة ناعمة تنمو تدريجيتا في الخارج من خلال جاذبية كل ما هو مغربي أصيل، فلم لا نطور صناعة تقليدية تنتج في المجال القروي وتصدر نحو جميع أنحاء العالم.
ثم هناك أنشطة فلاحية مثل المنتوجات البيولوجية التي يمكن أن نواصل زراعتها في مساحات محدودة مع تسويقها داخليا أو خارجيا بأسعار تحقق مردودية عالية. هذه بعض الأمثلة التي يمكن أن توفر بدائل محلية للحفاظ على استقرار الساكنة مع عقلنة استغلال الماء.
نحتاج اليوم أيضا لتحقيق كل ذلك، للتخطيط والنظرة الاستباقية، وقد تطرق مخطط الجيل الأخضر إلى ذلك حين تحدث عن بروز طبقة متوسطة قروية جديدة. ما يلزمنا اليوم هو تسريع تنزيل هذا البرنامج والتفكير فيه بطريقة شمولية ومرنة.