story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الحكمة أو الزّرواطة؟

ص ص

نحن في لحظة سيّاسيّة فاصلة. إمّا أن يكونّ الزّمن السّيّاسي المغربي بحجم دستور 2011، وإمّا أن يكون عكس ذلك تماما. لذا، وأكثر من أيّ وقت مضى، نحن بحاجة إلى صوت الحكمة، لأنّ الزّرواطة يعرفها المغاربة وتعرفهم جيّدا منذ عقود.

إنّ المقاربة الأمنيّة الصّرفة، للتعامل مع مطالب اجتماعيّة مشروعة، ليست من الحكمة في شيء. أن يقتاد شباب في عمر الزّهور إلى مخافر الشّرطة، ويظلّوا هناك لساعات دون أكل أو شرب، فقط لأنّهم طالبوا بتحسين جودة التّعليم والصّحّة، ليس من الحكمة في شيء. إنّ الاعتقال يكون مع من يهدّد الأمن، لا مع من يعبّر عن مطالب سيّاسيّة بشكل سلمي. إنّ المادّة 25 من الدّستور واضحة: “حرّية الفكر والرّأي والتّعبير مكفولة بكلّ أشكالها”.

باستثناء الانفلات الّذي وقع في مدينة وجدة بالأمس، أو تعطيل مصالح المواطنين على الطّريق السّيّار في الدّار البيضاء، واللّذان لا يملك أيّ وطنيّ إلّا أن يدينهما بشدّة. فإنّ الطّريقة الّتي عبّر بها الشّباب في جلّ المدن المغربيّة، لم تكن تستدع الاعتقال، بقدر ما كانت تتطلّب من الأمن تطويق الوقفات السّلميّة، وترك الشّباب يعبّر عن آرائه، حتّى يخرج رئيس الحكومة، ووزراءه المحترمين وزعماء الأحزاب السّيّاسيّة عن صمت القبور الّذي يغرقون فيه.

إنّ المقاربة الأمنيّة الصّرفة حتّى في شراستها (23 مارس 1965، 20 يونيو 1981)، أبانت عن محدوديّتها في التّعامل مع مطالب الشّارع، في حين أنّ الحوار، وحسن الانصات لنبضه، صنع معجزات لم يكن يتوقّعها أحد. فحكومة التّناوب التّوافقي، أو هيئة الانصاف والمصالحة، أو خطاب 9 مارس 2011 أمثلة حيّة على ذلك.

المغاربة اليوم في حالتي ذهول وصدمة. ذهول لأنّ الحكومة الّتي ينبغي أن تقدّم إجابات صامتة تماما. وصدمة لأنّ اعتقال الأجهزة الأمنيّة للشّباب بالصّوت والصّورة في مغرب 2025 لم يكن يتوقّعه أحد. وهذا يسيء كثيرا لصرورة الوطن على المستوى الدّولي، خصوصا أنّ جلّ الشّباب الّذين عبّروا عن أفكارهم أمام وسائل الإعلام بطريقة منهجيّة وسلسلة متشبّثون بالملكيّة، واستقرار الوطن، ويعرفون تماما البون الشّاسع بين ما خرجوا من أجله، وما خرج من أجله آخرون في بلدان بعيدة.

حتّى لا يزداد الاحتقان، ويرتفع منسوب السّخط بين المواطنين، مطلوب من الأجهزة الأمنيّة أن تراجع استراتيجيّتها للتّعامل مع هذا الحراك السّلمي. كما أنّ الحكومة ملزمة بالإنصات لمطالب هؤلاء الشّباب، وفتح باب الحوار معهم. خصوصا أنّ جلّهم أبان أمام وسائل الإعلام، على أنّ منسوب الوطنيّة في خطاباتهم لا تشوبه شائبة. وأنّ الوعي السّيّاسي، أو الحسّ النّقدي في خطاباتهم وشعاراتهم، لا يتوفّر حتّى في خطابات كثير من المنتخبين أو الوزراء.

اليوم صار واجبا وطنيّا وأخلاقيّا أن يتحدّث حكماء هذا البلد ومفكّروه. بحاجة لرأيّ عبد اللّه العروي، وطه عبد الرّحمان، وعبد الله حمودي، ومحمد شفيق، وعثمان اشقرا، وعبد الله ساعف، ومحمد اليازغي، وإسماعيل العلوي، وفتح الله ولعو، وعبد الرحمان بنعمرو، وعبد الكريم الجويطي، أحمد بوزفور…نحن في أمسّ الحاجة لصوت العقل في أيّ ميدان وُجد، قبل أن يفوت الأوان.

إنّ التّراجع عن المقاربة الأمنيّة الصّرفة لا يعني الهزيمة. والتّعامل بمرونة ووعي مع مطالب الشّباب لا يعني الاستسلام. واستحضار إمكانيّات الدّولة في الملفّات المطلبيّة، لا يعني التّخاذل. لأنّنا كمغاربة اليوم، أمام معركة لا منتصر ولا منهزم فيها، بقدر ما علينا أن نعمل جميعا يدا بيد لينتصر الوطن.