الحسين عموتة
ما يصنعه المدرب المغربي الحسين عموتة مع المنتخب الأردني من دخولٍ للتاريخ في بطولة كأس أمم آسيا لكرة القدم، يدعونا كمغاربة إلى الإفتخار بواحد من أبنائنا الأكفاء الكثر في مجالاتهم الذين يتألقون في بلدان أخرى ويكتبون مجد الأمم بعيدا عن بلادهم.
الحسين عموتة مع منتخب “النشامى” بدأ نهائيات كأس آسيا بفوز عريض على ماليزيا بأربعة أهداف لصفر، قال عنه الجمهور ومعه وسائل الإعلام أن الأمر يتعلق بخصم ذو مستوى ضعيف يسهل على أي منتخب هزمه، لكن هؤلاء تراجعوا عن رأيهم، عندما وقف المنتخب الأردني ندا للند أمام منتخب كوريا الجنوبية المرعب وانتزعوا منه تعادلا ثمينا بعد أن كان لاعبو عموتة منتصرين طوال المباراة حتى الدقائق الأخيرة، لما سجل الكوريون هدف التعادل بخطأ من حارس ودفاع الأردن.
بعد هذا الأداء البطولي، جاء التأكيد على قوة المنتخب الأردني بقيادة الحسين عموتة، عندما عبروا للدور الثاني و وجدوا أمامهم منتخب العراق القوي، فهزموه بثلاثة أهداف لاثنين في مباراة غاية في الإثارة والتشويق، أبان فيه الأردنيون عن تطور كبير في مستواهم، وعن انضباط تكتيكي واضح لتعليمات مدربهم، وهم مدعوون اليوم الجمعة لملاقاة منتخب قوي آخر وهو طاجيكيستان، في إطار مباريات دور الربع.
عموتة الذي كان قد اختفى لفترة قصيرة بعد إكماله الموسم الماضي مع الجيش الملكي كمشرف عام على النادي، فوجئنا بوجوده في ندوة صحفية لتقديمه كمدرب جديد للمنتخب الأردني خلفا لعدنان حمد، والحقيقة أن كثيرون منا تساءلوا: “آش داه للأردن” وهو المدرب الذي تطلبه كبريات الأندية والمنتخبات الإفريقية والخليجية الوازنة، لكن اتضح بعد ذلك، أن الرجل كان يعرف جيدا أين يضع قدمه، ومع من يتعامل، فقد تعاقد مع الجامعة الأردنية بناءً على مشروع بعيد المدى وبأهداف واضحة، وبشروط حول الصلاحيات واختيار جميع أفراد الطاقمين التقني والطبي.
ومنذ بداية الصيف الماضي انطلق الحسين عموتة في إحداث تغييرات عميقة في المنتخب الأردني، شملت العديد من اللاعبين وتطوير طريقة اللعب، وزيادة مخزون اللياقة البدنية، وتنظيم اللقاءات مع مدربي الأندية في البطولة الأردنية، وتكثيف المعسكرات الإعدادية، وبرمجة مباريات ودية ضد منتخبات آسيوية قوية.
ورغم أن عموتة واجه انتقادات واسعة من الرأي العام الأردني بسبب هزائم “النشامى” في جميع مبارياته الودية المتتالية بحصص كبيرة أمام منتخبات آسيوية قوية، إلا أنه كان يصر في جميع تصريحاته أنه يؤمن بالعمل العميق الذي يقوم به، وأنه ماض في مخططه لإحداث ثورة في مسار المنتخب الذي يشرف عليه، وأن ثمار ما يقوم به ستظهر فيما بعد، وكان دعم الجامعة الأردنية وثقتها في عموتة وطاقمه سندا مهما ساعده على الإستمرار وسط الضغوطات حتى وصل إلى نهائيات كأس آسيا التي تحتضنها العاصمة القطرية الدوحة، وقدم نفسه والعمل العميق الذي قام به، ليكون الأردن هو أكبر مفاجآت الدورة بلعبه الممتع والسريع ولياقته البدنية العالية، وصموده المثير أمام أقوى المرشحين للفوز باللقب.
ما يمكن استخلاصه من درس في تجربة عموتة الحالية مع المنتخب الأردني، هو أن أطرنا التدريبية لو وفرتَ لها محيطا احترافيا، ومنحتها الإمكانيات والثقة المطلقة، وسطرت معها المشروع المستهدف والبرنامج بدقة وتركتها تشتغل في أريحية، وصبرت على نتائجها السلبية المرحلية، فحتما ستأتي بعد ذلك مرحلة قطف ثمار ذلك بكل تأكيد، لأن أهم شرطين يحققان الألقاب والإنجازات في كرة القدم وفي الرياضة عموما، هما التخطيط الجيد والصبر على النتائج.