“عفريت” الذكاء الاصطناعي في الانتخابات الأمريكية
تصوروا معي أن تصبح المؤسسات العملاقة المتحكمة في مجالات التكنولوجيا الرقمية والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي كلها بين أيدي شخص واحد في هذا العالم؟ يسيرها ويسير بها وبنا حيث يشاء..
تصوروا أن تصبح منصات فايسبوك وإنستغرام وواتساب وغوغل وياهو وشات “ج ب ت” ويوتيوب، بكل إمكاناتها في ملك شخص واحد؟
الأمر مرعب فعلا وصعب التصديق.. على الأقل بالنسبة للغالبية الساحقة من الناس.. لكنه في تصوري قابل تماما للتحقق، بل دعوني أقول إن هذا ما سيحصل فعلا عاجلا أو آجلا نسبيا.. فإيلون ماسك يوشك أن يُحقق هذه ال”مصيبة” ويوشك أن يُحكم قبضته، من خلال ذلك، على القرار السياسي والاقتصادي والعسكري الأمريكي، وربما حتى جزءٍ كبير من القرار العالمي عبر إحكام قبضته على “التكنلوجيا” الحديثة.. كيف؟
لنقرأ معا جيدًا ما يقع حولنا من أحداث بعيدا عن الطموحات الصغيرة والجهل المغرور:
يتابع العالم هذه الأيام باهتمام بالغ الانتخابات الرئاسية الامريكية، لكن الناس لا يطرحون على أنفسهم، للأسف سوى سؤالا واحدا؟ ألا وهو: مِن بين ترامب وكامالا هاريس سيفوز بهذه الانتخابات؟ والحقيقة، حسب اعتقادي، أن هذا الأمر لا يهم كثيرا، إن لم يكن مجرد إلهاء للعامة وتضييع للوقت بشكل ما، لأن هذه الانتخابات ليست انتخابات كامالا هاريس ولا انتخابات دونالد ترامب ولا حتى انتخابات جو بايدن… إنها انتخابات إيلون ماسك الذي يترشح ضد نفسه بكل بساطة ولكن بكل تأكيد …
إيلون ماسك رجل أعمال وشيطان تكنلوجيا، أغذق عشرات الملايين من الدولارات على حملة ترامب في ظرف قياسي، وأعطى هذه الحملة مساحة دعائية هائلة على صفحات موقع “إكس” (تويتر سابقا).. وعلى كل المنابر التي يتوفر فيها على تأثير أو نفوذ..
ماسك هذا صاحب مشروع كوني جبار يتجاوز سقف طموحات سكان كوكب الأرض، ولا مكان لديه فيه لا للعاطفة ولا للحسابات السياسية ولا للتصريحات الانتخابية البليدة التي لا يصدقها لا من أطلقها ولا من سمعها..
ماسك لم يعد يحتاج سوى للسلطة السياسية لتمرير وتحقيق مشروعه الكوني، وهو يتمكن من ذلك حتى دون أن ينخرط في حزب أو يؤسس آخر.. خصوصا في أمريكا، حيث يعرف جيدًا وأكثر من غيره أن السياسيين ليسوا أكثر من دمى بين أيدي رجال المال والأعمال.
ماسك بان يحتاج فقط ل”اغتيال” منافسيه والاستفراد بزمام الذكاء الاصطناعي، وكلنا نتذكر الحرب التي اندلعت قبل أشهر بين مارك زوكربيرج صاحب “ميتا” وإيلون ماسك صاحب منصة “إكس”.
يعي إيلون ماسك جيدًا أن الهيمنة على مفاصل القرار الأمريكي وعلى جزءٍ كبير من القرار العالمي تبدأ من الهيمنة على القرار الرقمي للولايات المتحدة وعلى أركان قوتها التكنولوجية والمعلوماتية …
وقد وجد إيلون ماسك فرصته في معركة كسر العظام الدائرة حاليا بين دونالد ترامب والمنصات المهيمنة على تكنلوجيا التواصل، والتي تجلت، أو بدأت٫ بالحصار الإعلامي الذي تعرض له ترامب على إثر الأحداث التي تلت الانتخابات الرئاسية الامريكية السابقة.
في غفلة من الجميع، اشترى إيلون ماسك منصة تويتر بمجملها بملايير الدولارات، ولم يدرك أحد حينها لماذا يقتحم شخص مثله هذا المجال، وسرعان ما أعاد ماسك لترامب اعتباره وحسابه على منصة “إكس”، ثم سرعان ما انخرط معه بقوة في حملته الانتخابية.
في المقابل، أعلن ترامب بوضوح أنه، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة، سيعرض على ماسك منصبا هاما في فريقه الحكومي المقبل، ولا أظن أن ماسك سيقبل منصبا دون المسؤول المطلق عن قطاع التكنولوجيا والأعمال في أمريكا لتنفيذ خططه بيدِ وعلى لسانِ وتحت توقيع ترامب،
هذا ليس كل شيء، ذلك أن ماسك يعرف إلى أين يريد الذهاب، ويدرك أن البداية ستكون من خلال تمكين ترامب من الفوز بمنصب الرئيس والجلوس على المكتب البيضاوي الفخم، وحينها سيستأثر هو بالقرار الرئاسي بكل تجلياته ومجالاته، وخصوصا بجانب دقيق من هذا القرار.
الجانب الأخطر والأهم والخفي في هذه المسألة، هو اقتناع ماسك بأن ترامب لا محالة سيهدم بنية الدولة العميقة في أمريكا، وقد بدأ ذلك بالفعل خلال ولايته الأولى، لولا أنه تمت إزاحته في انتخابات 2020 كما سبق أن أوضحت في مقال سابق لي بعنوان ” لماذا يجب أن يموت ترامب “.
وحيث إن الأمر كذلك، فإن إيلون ماسك أعد نفسه بدقة، ونسج خيوطه وخططه بتؤدة لبناء دولة عميقة بديلة وحديثة على أنقاض الدولة العميقة الأمريكية التي تشير كل الدلائل إلى أنها صارت تلفظ أنفاسها الأخيرة كيف ذلك؟
نشرت “أكسيوس” قبل يومين مقالا خطيرا جدا، يشتمل على ما أسمته ب “لائحة الأعداء الداخليين الذين تعهد ترامب بتدميرهم ” (حتى وإن تطلب الأمر إقحام الجيش الأمريكي في ذلك). وضمت القائمة وسائل الإعلام والتكنولوجيا الكبرى مثل قنوات”ABC” و”CBS” و “NBC، لكن أيضا وعلى الخصوص شركات “Google” و “ميتا” بكل أذرعها: فايسبوك وإنستغرام وواتساب ويوتيوب وغيرها.
هنا يأتي دور ماسك الذي سيكون بالمرصاد لابتلاع هذه المؤسسات واحدة تلو الأخرى، وهو الذي سيكون قد جمع بين الاستعداد المالي والقرار السياسي بما يمكنه من تدمير واحتواء هذه المنصات حتى تصير في متناول محفظته المالية …
إن لعبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذه المرة تسير وفق أجندة جديدة ومختلفة تماما، يمكن تسميتها ب”أجندة عالم الذكاء الاصطناعي”. فالعالم لن يكون، بعد انطلاق هذه الأجندة، أبدا هو نفسه قبل وبعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. والحرب الأوكرانية وحرب الشرق الأوسط ستصبحان مجرد أحداث جانبية لا تحظى بأية أهمية وليست على جدول أجندة ماسك، كما أن هذا الأخير يحتفظ بعلاقات متميزة، إن لم نقل وطيدة، مع من يفترض أن يكونوا أعداءً للسياسة الخارجية والدولة العميقة في أمريكا، حتى أنه يصادق بوتين مثلما يصادق شي جين بينغ، لذلك سيجد كل الدعم، أو على الأقل لن يعاني من أية مقاومة من طرف الصين وروسيا لإخضاع الدولة العميقة في أمريكا..
مرحبا بنا إذا في عالم ماسك، فهل نحن مستعدون؟