التوفيق: ورش المالية التشاركية يتطلب تعاملاً واعيًا لتجاوز ثنائية “الحلال” و”الحرام”

أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أن ورش المالية التشاركية في المغرب يدخل اليوم مرحلة جديدة تتطلب تعاملاً واعيًا مع التحديات، ورسم معالم خريطة طريق مستقبلية لتطوير هذه الصناعة، مشددًا على أن هذا القطاع يظل محفوفًا بحساسية كبيرة، نظراً لارتباطه في المخيال العام بمفاهيم “الحلال” و”الحرام” أو”المباح” مقابل المحضور”.
وجاءت تصريحات التوفيق خلال الكلمة التي ألقاها في افتتاح منتدى الاستقرار المالي الإسلامي، المنظم من قبل بنك المغرب ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، يوم الخميس 3 يوليوز 2025.
وأوضح الوزير أن المغرب اختار الانخراط في تجربة المالية الإسلامية، على أساس أن باقي المعاملات البنكية المعتمدة في المملكة مقبولة شرعًا من حيث المقاصد وبُعدها التعاقدي، مضيفًا أن هذه المعاملات ذات المرجعية الفقهية التاريخية لقيت ترحيبًا مشروطًا، يراعي خصوصيات السياق المغربي.
ولفت التوفيق إلى أن تسمية هذا النموذج في المغرب بـ”المالية التشاركية” بدلًا من “الإسلامية”، جاء لتفادي إسقاط حكم شرعي ضمني على المعاملات البنكية الأخرى، وهو ما قد يُفهم منه أنها مخالفة للإسلام.
وأشار إلى أن نجاح هذا الورش الوطني كان ممكنًا بفضل التنسيق بين مؤسستين رئيسيتين: بنك المغرب من جهة، والمجلس العلمي الأعلى من جهة ثانية، باعتباره المؤسسة الدستورية الوحيدة المخول لها إصدار الفتوى في القضايا العامة، تحت إشراف أمير المؤمنين، وبعيدة عن الفتاوى الفردية التي تدخل في إطار حرية التعبير ولا تلزم إلا أصحابها.
وكشف الوزير أن لجنة الفتوى التابعة للمجلس العلمي الأعلى، ومن خلالها لجنة متابعة قضايا المالية التشاركية، أصدرت 194 رأيًا شرعيًا بالمطابقة، عقب 421 اجتماعًا علميًا، ونتج عنها إعداد عشرات الدراسات والبحوث القانونية والشرعية المقارنة، دعمت الإطار المؤسسي والتنظيمي لهذا النوع من المعاملات، سواء البنكية أو المالية أو المتعلقة بالتأمين التكافلي.
وحذر التوفيق من خطورة الخلط المفاهيمي بين النمط التشاركي وغيره من الأنماط البنكية، مما قد يُسبب تشويشًا في عقائد الناس، مشددًا على ضرورة الانفتاح العقلاني على الأسئلة الجوهرية المتعلقة بمدى قدرة النمط التشاركي على القيام بوظائف البنك التقليدي، وعلى ما إذا كان من الضروري الإبقاء على التمايز بين النمطين لأسباب عقلانية تتعلق بالمصالح والمقاصد، بدلًا من التموقع الإيديولوجي.
وفي هذا السياق، أشار الوزير إلى أن عددًا من مسؤولي البنوك المركزية الأوروبية عبّروا في السنوات الأخيرة عن أسفهم لتأخرهم في اعتماد هذا النموذج، رغم أن دوافعهم اقتصادية محضة ترتبط باستقطاب سيولة مالية من بلدان غنية، وبخدمة زبائن يبحثون عن منتجات تتوافق مع معتقداتهم الدينية.
وأضاف المسؤول الحكومي أن الرائج في وعي العديد من المسلمين هو أن القروض في الأبناك “الإسلامية” تقوم على مبدأ الربح والخسارة، في حين أن الأبناك التقليدية، بدورها، لا تمنح القروض إلا بناءً على دراسة دقيقة للمشاريع والمخاطر المرتبطة بها، كما أنها تقدم قروضًا استهلاكية لا ترتبط مباشرة بإنتاج الثروة.
وأضاف المتحدث أن التنسيق بين بنك المغرب والمجلس العلمي الأعلى أتاح انفتاحًا مزدوجًا: من جهة، انفتاح البنكيين على التأصيل الفقهي، ومن جهة أخرى، انفتاح الفقهاء على قضايا التنزيل وممارسات مالية حديثة لم تكن مألوفة في تاريخ الفقه الإسلامي.
وخلص التوفيق إلى التأكيد على أن المال، في الرؤية القرآنية، له وظيفة أخلاقية واجتماعية، وليس مجرد وسيلة للربح أو الادخار، محذرًا من أن يتحول إلى أداة استغلال أو ظلم. وذكّر بأن النظام السياسي المغربي، القائم على إمارة المؤمنين، يسهر على حماية الكليات الخمس: الدين، النفس، العقل، المال، والعِرض، وهي مقاصد تتجاوز ما تنص عليه الدساتير الحديثة، بتأكيدها على حفظ الدين في صلب السياسة الشرعية.