التعليم في 2023.. مدارس مهجورة وتلاميذ بمصير مجهول
لم يتوقع حتى أشد المتشائمين بأداء الحكومة الحالية أن يتسبب نظام أساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية هندسه وزريها في التربية الوطنية، شكيب بنموسى، في توقف الدراسة وشلل المدارس العمومية لقرابة 3 أشهر، وانفجار حركة احتجاجية في صفوف الأساتذة لم يعرف لها المغرب مثيلا منذ سنوات.
فإلى حدود الأسبوع الجاري لم يدرس تلاميذ المدرسة العمومية المغربية سوى ربع السنة الدراسية ونحن على مشارف انتهاء الدورة الأولى، وذلك بسبب إضرابات الأساتذة التي قاربت ال3 أشهر منذ كتابة الفصل الأول لأزمة النظام الأساسي.
بوادر الخلاف
بوادر الخلاف بدت جلية منذ التوقيع على اتفاق ال14 من يناير 2023 بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، والذي أرادت منه الوزارة أن يؤطر المقتضيات التي جاء بها النظام الأساسي المثير للجدر.
انقسمت مواقف النقابات التعليمية المعنية بالاتفاق حول مضامينه وظروف عرضه عليها من طرف الوزارة للاطلاع على تفاصيله، حتى أن الجامعة الوطنية للتعليم ـ التوجه الديموقراطي رفضت التوقيع على محضر الاتفاق لما اعتبرته تأخرا في توصلها بالمحضر الاتفاق لتدارس مضامينه قبل التوقيع عليه.
في المقابل، وقعت النقابات التعليمية ال4 الأكثر تمثيلية على اتفاق ال14 من يناير ويتعلق الأمر بالنقابة الوطنية للتعليم ـ الكونفدرالية الديموقراطية للشغل والجامعة الحرة للتعليم والنقابة الوطنية للتعليم ـ الفيدرالية الديموقراطية للشغل والجامعة الوطنية للتعليم ـ الاتحاد المغربي للشغل.
نظام مفاجئ واتهامات بخرق منهجية الحوار
سكن النقاش وتوقفت جولات الحوار منذ التوقيع على اتفاق المبادئ المؤطرة للنظام الأساسي في ال14 من يناير 2023، إلى أن صادقت الحكومة في ال27 من شتنبر على مشروع مرسوم متعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، ليبدأ تصاعد الأصوات الرافضة لهذا النظام الأساسي بما فيها أصوات المساهمين في وضعه (النقابات التعليمية الموقعة على 14 يناير).
فلم تكفي عشرات الاجتماعات والحوارات بين وزارة التربية الوطنية والنقابات التعليمية الأكثر تمثيليةً لإرضاء هيئة التدريس بالنظام الجديد، حيث لم تتأخر النقاباتُ التعليمية في إعلان رفضها الفوري لمضامين النظام الأساسي بسبب ما اعتبروه “انقلاب” وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى على محضر اتفاق 14 يناير وعلى منهجية الحوار والتشاور.
من جهتها، لم تتردد التنسيقيات التعليمية على اختلاف أشكالها وفئاتها عن رفض مضامين النظام الأساسي الجديد بإعلان إضرابات متتالية لعدة أسباب أبرزها عدم تجاوبه مع عدد من الملفات الفئوية العالقة منذ سنوات كملف “الأساتذة المتعاقدين” ومطلب أساتذة الثانوي التأهيلي بإحداث درجة جديدة خارج درجة خارج السلم وكذلك تسوية وضعية أساتذة الزنزانة 10، وغيرها من المشاكل المزمنة في جسم التعليم العمومي.
محاولات لامتصاص الغضب
زخم الاحتجاجات وتصاعد غضب الأساتذة المضربين عجل باتخاذ الحكومة لإجراءات لامتصاص غضب هيئة التدريس، حيث أعلن رئيس الحكومة يوم ال27 من نونبر عن قرار تجميد النظام الأساسي وتشكيل لجنة وزارية لعقد لقاءات مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية من أجل تجويد مقتضيات النظام الأساسي في أفق ال15 من يناير 2024.
خطاب التجويد والتجميد لم يقنع الأساتذة المضربين الذين ظلت حناجرهم في المسيرات والوقفات وأقلامهم في البلاغات تتشبث بمطلب واحد هو إسقاط أو سحب النظام الأساسي، معلنة استمرارها في خوض الإضرابات ما لم يتحقق مطلبها.
ظلت الحكومة ممثلة في اللجنة الوزارية الثلاثية تدعو إلى الحوار وتلح على فتح بابه في وجه المضربين والمحتجين، لكن في حدود لاتتجاوز النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية أي أن دعوتها ليست موجهة إلى التنسيقيات التعليمية القائدة للاحتجاجات.
الارتباك وتوالي الاتفاقات
أجرأت اللجنة الوزارية الثلاثية قرار تجميد النظام الأساسي بإعلانها تعليق إصدار المراسيم التطبيقية المرتبطة بالنظام الأساسي الخاص بموظفي التربية الوطنية إلى حين التوافق مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية حول النقاط الخلافية في النظام الأساسي.
تولد عن جولات الحوار الممتالية مع النقابات التعليمية ال4 الأكثر تمثيلية التوقيع على اتفاق ال10 من دجنبر الذي أقر زيادة عامة في أجور الأساتذة ب1500 درهم على سنتين 2024 و2025، مع ما اعتبره الموقعون على الاتفاق حلولا لمعظم الملفات العالقة.
انتظرت الحكومة من اتفاقها مع النقابات التعليمية ال4 أن يعيد الهدوء إلى الفصول الدراسية ويفرح التلاميذ والأولياء باستئناف الحياة الدراسية، إلا أن الأساتذة المضربين رفضوا مخرجات اللقاء ومضامين الاتفاق، معلنين عن الاستمرار في “المعركة النضالية حتى إسقاط النظام الأساسي”.
حاولت الحكومة توسيع دائرة الحوار باستدعاء الجامعة الوطنية للتعليم ـ التوجه الديموقراطي بحكم كونها من بين النقابات الأكثر تمثيلية وإحدى مكونات التنسيق الوطني لقطاع التعليم رفقة ممثلين عن التنسيقيات إلى الحوار، إلا أنها لم تتجاوز لقاء وحيدا معهم حتى تعلن عن رفض حضور التنسيقيات إلى جولات الحوار لتمتنع الجامعة الوطنية للتعليم ـ التوجه الديموقراطي عن مواصلة لقاءاتها مع الوزارة.
اتفاق جديد لم يحمل الجديد
لم تتوقف دعوات الحكومة إلى نقابة الجامعة الوطنية للتعليم ـ التوجه الديموقراطي، حيث أعادت استدعاءها إلى الحوار، لكن هذه المرة عبر جلوسها إلى جانب النقابات التعليمية ال4 الأكثر تمثيلية لتوسيع التوافقات حول النقاط الخلافية في وثيقة النظام الأساسي.
وبعد عقد لقاءات بين اللجنة الوزارية الثلاثية والنقابات ال5 الأكثر تمثيلية، توصل الطرفان إلى اتفاق جديد (اتفاق ال26 من دجنبر) يعدل التزامات الحكومة الوادرة في الاتفاق الذي سبقه (اتفاق 10 دجنبر) ويتعهد بالاتزامات جديدة أبرزها تحويل أجور الأساتذة “المتعاقدين” إلى نفقات الموظفين وإقرار منحة سنوية بقيمة 5000 درهم للاساتذة المناطق النائية والصعبة، وإعطاء الأولوية في إرجاع الاقتطاعات للأساتذة الذين استأنفوا العمل.
الالتزامات الجديدة لم تثني الأساتذة مجددا عن تعليق أو إلغاء الإضرابات التي استمرت حتى يوم الجمعة الماضي، والتي بلغت أسبوعها ال11 تواليا، وذلك بسبب الاتفاق الذي لم يستجب للمطالب التي ينادي بها الأساتذة المحتجون، حسب الأساتذة المضربين.
حلول مؤقتة لمواجهة مصير مجهول
ومع استمرار الإضرابات لم تتوقف نداءات الأولياء لإيجاد حلول توافقية تنهي أزمة النظام الأساسي، التي أغرقت المدرسة العمومية في وحل الإضرابات لأزيد من 3 أشهر.
فقد أحصت الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب 47 يوما من التوقف عن الدراسة بسبب الإضرابات العامة والجزئية التي انطلقت منذ شهر أكتوبر الماضي.
الفيدرالية التي التقت وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، وبدعوى منه عقب توقيع اتفاق 26 دجنبر، اقترحت إلغاء العطلتين البينيتين القادمتين مع الاحتفاظ بعطلة واحدة من بين العطل الثلاث المتبقية خلال الموسم الدراسي.
أي دعم تربوي تنوي وزارة التربية الوطنية أن تقرره لاستراك الزمن المدرسي، لابد أن يركز على التغطية الإستعجالية للأقسام الإشهادية وهي السادس إبتدائي والتاسعة إعدادي والأولى والثانية باكالوريا، يؤكد الخبير في الشأن التربوي عبد النور إدريس، في حديثه مع “صوت المغرب”.
ويضيف الأستاذ في المركز الجهوي للتربية والتكوين بمكناس أنه من بين الحلول المستعجلة هو “دمج الأقسام ذات الطبيعة المخففة لتعود أقسام مشتركة ذات وحدة تربوية كدمج المستوى الأول مع الثاني والثالث مع الرابع والخامس مع السادس ابتدائي لتغطية الخصاص الحاصل في عدد الأساتذة، في حالة استمرار الإضراب”.