story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أحزاب |

التعديلات القانونية.. مقاطعو الانتخابات: تجميل سياسي لإعادة إنتاج نفس الواقع

ص ص

أثارت التعديلات القانونية الأخيرة المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية، والتي صادق عليها المجلس الوزاري الأخير، ردود فعل متابينة بين أطراف المعارضة والأغلبية، بحيث أشاد بها البعض فيما اعتبرها البعض الآخر إضعافاً لدور الأحزاب.

لكن الموقف من التعديلات الجديدة لم يبق حبيس السجال بين الأغلبية والمعارضة الممثلة داخل البرلمان المغربي، إذ يبرز مكونان أساسيان آخران عُرِفا بمقاطعتهما للانتخابات، وهما جماعة العدل والإحسان، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، اللذان يصفان هذه التعديلات بـ “السطحية” وبـ “رشوة سياسية مقنعة” في مقابل الخطاب الحكومي الذي يعتبرها خطوة نحو تجديد النخب وتشجيع الشباب على المشاركة.

ويعكس الموقف المشترك لهذين التنظيمين، رفضاً جذرياً لهذه الإصلاحات التي لا تمس – في رأيهما – جوهر الأزمة السياسية القائمة على “التحكم والاستبداد”.

رشوة سياسية

في هذا الصدد، يرى أبو بكر الونخاري، الكاتب الوطني لشبيبة العدل والإحسان، أن التحفيزات المالية لتشجيع الشباب على الترشح “محاولة تجميلية لواقع سياسي فقد جاذبيته ومصداقيته”. وقال إن الشباب لا يحتاج إلى دعم مالي، بل إلى “مناخ سياسي نزيه ومؤسسات تمثيلية تحترم إرادته، وانتخابات شفافة تفرز من يعبر فعلاً عن تطلعاته”.

واعتبر الونخاري، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن استخدام المال العمومي “لاستدراج الشباب لعملية انتخابية فاقدة للثقة رشوة سياسية مقنَّعة لتلميع صورة نظام انتخابي متآكل”.

وأشار المتحدث، وهو عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، إلى أن التعديلات المعلن عنها ليست سوى “حلقة جديدة في مسلسل التحكم في الحياة السياسية بالمغرب”.

وشدد على أن الدولة، بدلاً من “فتح المجال السياسي وإطلاق حرية التنظيم والتعبير وضمان التنافس الحقيقي بين الفاعلين”، تسعى إلى “تقنين السلطوية عبر منظومة من القوانين التي تُحكم الإغلاق وتُشرعن الإقصاء”.

“تعديلات سطحية

من جهته، وصف إبراهيم النافعي، الكاتب الوطني لشبيبة النهج الديمقراطي، التعديلات الانتخابية الجديدة بـ”السطحية”، مشيراً إلى أن الدولة تحاول من خلالها الترويج لكون الأزمة السياسية تكمن في تمكين الشباب أو النساء من ولوج البرلمان أو مواقع القرار.

ويرى النافعي، في حديثه مع صحيفة “صوت المغرب”، أن جوهر الأزمة السياسية بالبلاد يكمن في “التحكم والاستبداد”، منبهاً إلى أن هذا الواقع “يحوّل مؤسسات الدولة إلى واجهات شكلية بلا صلاحيات حقيقية”.

ويعتبر أنه “لا يمكن لأية مشاركة سياسية أن تكون ذات معنى، ما دامت الحكومة لا تتمتع بكامل السلط لتسيير الشأن العام، وبرلمان لا يشرّع فاقد للمصداقية”، مشيراً إلى أن الحديث عن تجديد النخب أو تشبيب الحياة السياسية لا يتعدى كونه “محاولة لإعادة تدوير الولاءات، وخلق جيل جديد من الباحثين عن الامتيازات داخل بنية سياسية، لا تسمح بأي تغيير ديمقراطي”.

وشدد النافعي، عضو الكتابة الوطنية لحزب النهج الديمقراطي العمالي، على أن “المشكل في المغرب ليس في حضور أو غياب الشباب فقط، بل في غياب الديمقراطية نفسها، وفي التحكّم البنيوي في العملية الانتخابية”.

وخلص إلى أن أي مسار نحو الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن “يبدأ من داخل المنظومة نفسها”، بل يتطلب “مشروعاً سياسيا حقيقيا، مدخله الديمقراطية وحقوق الإنسان”، لافتا إلى أن أي تعديل أو إصلاح سياسي “سيظل مجرد مسرحية لإعادة إنتاج نفس الواقع بوجوه جديدة، دون أي رهان مجتمعي على التغيير المنشود”.

لا نزاهة بدون ..

وبموازاة موقف قوى المقاطعة السياسية، تبرز أيضاً مطالب مؤسسات المجتمع المدني، التي على رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي تلعب دوراً محورياً في مراقبة الانتخابات ورصد الانتهاكات، كما دعت مراراً إلى إلغاء إشراف وزارة الداخلية عليها لضمان نزاهتها وشفافيتها، بعيداً عن أي توجيه أو تدخل من السلطات.

وفي هذا الصدد، يرى أحمد الهايج، الرئيس الأسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن المدخل الأساسي لضمان انتخابات نزيهة وشفافة تعبر عن إرادة المواطنين يكمن في “رفع يد وزارة الداخلية عن الإشراف على العملية الانتخابية، باعتبارها جهازاً ينفذ سياسات الدولة، وإسناد هذه المهمة إلى هيئة مستقلة تتولى الإشراف الكامل على الانتخابات”.

ونبه الهايج، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إلى أن استمرار وزارة الداخلية، عبر الولاة والعمال والقياد وأعوان السلطة، في التدخل وتوجيه المواطنين والإشراف على صناديق التصويت “لا يُطمئن إلى نزاهة الانتخابات، ولا يضمن أن النتائج تعكس الإرادة الحقيقية للناخبين والناخبات”، معتبراً أن تفاوض الداخلية مع الأحزاب يُعدّ “تدخلًا مسبقًا في العملية الانتخابية ويؤثر بشكل مباشر في مسارها ونتائجها”.

وأكد المتحدث ذاته أن موقف الجمعية من الانتخابات يبقى محايداً، “إذ تكتفي بمراقبتها ورصد الانتهاكات والخروقات التي قذ تشوبها، ثم إصدار تقارير موضوعية بهذا الخصوص”، مشيراً إلى أنه ينبغي أن يتمتع المواطنون بكامل حريتهم، سواء اختاروا التصويت أو المقاطعة.

تقييد المراقبة الشعبية

وانتقد الهايج، في نفس السياق، بشدة مشروع القانون الذي يشدد العقوبات على “التشكيك في نزاهة الانتخابات” أو المس بالحياة الخاصة، مشيراً إلى أن القانون يجب أن يكون رادعاً لمن يرتكب مخالفات انتخابية بالفعل، لا لمن يكشفها أو يتحدث عنها.

وقال الرئيس الأسبق للجمعية إن “المادة 2، من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، تبدو في ظاهرها تهم الحياة الخاصة للأفراد”. لكنه أشار إلى أن “الغاية الكامنة وراءها” قد تمس نزاهة الانتخابات. وتساءل: “هل يُعقل أن يُمنع المواطن من الحديث عن وجود خروقات أو شبهات فساد، حتى وإن لم يتمكن من إثباتها بشكل مادي؟”.

ودعا، في مقابل ذلك، إلى تشجيع المراقبة الشعبية ومنحها قيمتها الحقيقية، مُحذراً من أن إصدار مثل هذه القوانين يمثل “منعاً للمواطن من التعبير عن الرأي والمشاركة في الحياة العامة”.

كما دعا الهايج إلى ضرورة تناسب العقوبة في الأحكام المرتبطة بالحياة الخاصة، مُشدداً على أن العقوبات لا ينبغي أن تصل إلى “السجن لخمس سنوات وغرامة تصل إلى مائة ألف درهم”، بل يجب الاقتصار على أحكام وعقوبات مخففة وفق قانون الصحافة والنشر، كالإلزام بتقديم اعتذار أو تصحيح للمعلومة، والغرامة عند الاقتضاء، بدلاً من اللجوء إلى “العقوبات السجنية القاسية”.

ومن جانبه، استنكر القيادي في جماعة العدل والإحسان، بوبكر الونخاري، تحريم “التشكيك في نزاهة الانتخابات”، مشيراً إلى أنه خطوة غير مسبوقة في “مسار تكميم الأفواه وتجريم الرأي”، إذ بدل أن تسعى الدولة إلى جعل الانتخابات نزيهة فعلاً، “تختار أن تجرّم من يطالب بالنزاهة أو ينتقد غيابها”.

واعتبر الونخاري أن هذا المشروع محاولة من أجل “إسكات كل صوت حر، وإغلاق آخر منافذ النقاش العمومي، وتحويل التشكيك المشروع في مسار سياسي مأزوم إلى جريمة يعاقَب عليها القانون”.