البطولة والمال السايب !
سيكون كاذبا من يقول أنه كان ينتظر مستوى كرويا راقيا من الديربي البيضاوي الذي جرى مساء الجمعة الماضي، وسيكون جاهلا ببطولتنا الوطنية من فاجأه “ذاك العجب” الذي جرى أمام مدرجات فارغة بملعب العربي الزاولي نتيجة قرار “الويكلو” الذي اعتدنا أن ينهي وجع الرأس الأمني بجرة قلم.
ما شاهدناه في مباراة الرجاء والوداد من “تساطيح” وسقوط متكرر للاعبين بدون سبب، و”شنيق” وتحايل على الحكم، وعجز عن تمرير الكرة بسلاسة، وكثرة صراخ الطاقمين التقنيين، وغياب أي شيء له علاقة بفرجة كرة القدم، كان استمرارا لكل ما نشاهده في جميع مباريات البطولة الوطنية كل أسبوع، ولم يكن ذلك استثناءً بمواجهة غريمي الدار البيضاء.
المقرف في رداءة الديربي البيضاوي ومستواه الذي لا يختلف شيئا عن مستوى مباريات دوريات الأحياء، هو أن الأمر يتعلق بالمباراة التي نسوقها للعالم على أنها أفضل ما لدينا في الكرة الوطنية، وأن من يخوضها هما الناديان المرجعيان في المغرب بكل حمولتهما التاريخية ورمزيتهما وسط ملايين الجماهير التي تعشقهم.
قد يقول قائل إن غياب الجمهور هو سبب ذلك “الثلوث البصري” الذي شاهدناه، وهو ادعاء صحيح إلى حد ما، ويحتاج فقط إلى الشرح والتفسير.. فمنذ سنوات ومستوى الديربي يتراجع موسما بعد الآخر، وجودة اللاعبين تنقص باستمرار، حتى بدأ الجميع يتحدث في الديربيات الأخيرة أن الفرجة انتقلت إلى المدرجات عبر التيفوهات البديعة للجمهورين والأهازيج المنظمة التي تخلق أجواء الحماس والنشاط، وصار حتى اللاعبون يتمتعون بفرجة الجمهور عوض أن يقوموا بدورهم في خلقها أثناء المباريات.
الحالة الرديئة التي بلغتها بطولتنا الوطنية وأنديتها، والتي زادها رداءة و”تخربيقا” قرار إغلاق الملاعب الكبيرة من أجل الإصلاح والترميم، يفرض على الجميع أن يدوس بقوة على فرامل هذا العبث الذي نسميه “بطولة احترافية”، وأن نتوقف قليلا لمصارحة أنفسنا بقسوة، بعيدا عن عواطف الإنتماء لهذا النادي أو ذاك، أو الرغبة في الظهور بمظهر المتفوق على الغريم بمنطق صراع الديكة الذي تحكمه الغلبة فقط، وبأية طريقة.
فأول شيء يجب القيام به من أجل إيقاف هذا العبث الكروي الذي تعرفه كرة البلاد، والحروب الخفية التافهة التي لا طائل منها، هي أن نوقف تحليلات “الدهين” والمجاملة وتزويق البشاعة التي نشاهدها كل أسبوع في وسائل إعلامنا من أجل خلق “الرواج” من لاشيء، وأن نقول للاعبين أنكم “ناقصين بزاف” بدنيا ومهاريا وذهنيا، وأن نصارح المدربين والمسيرين بأنكم بارعون في “الدبيز” والممارسات المشبوهة، وأنكم هواة “تقصرون” في رياضة تشبه كرة القدم، وأنه ليس بينكم وبين الإحتراف إلا الخير والإحسان.
وثاني شيء يجب إعادة النظر فيه فورا ودون أي تأخير، هو قرار شجاع من طرف من يملكون مفاتيح “البالون” في البلاد، لإيقاف هذا الرفع الفاحش للأجور والمنح والإمتيازات في كرة القدم المغربية، وتخفيضها إلى المستوى المعيشي لباقي أفراد الشعب، إذ لا يعقل أن تصل صفقة انتقال لاعب بلا موهبة ولا تكوين جيد ولا مستوى “يْفرّح”، إلى مليار سنتيم ومليارين، ويتقاضى راتبا شهريا من خمسة ملايين سنتيم “للعقبة”، مقابل “التساطيح” و”التعكال” في المباريات، وقس على ذلك ما يتقاضاه المدربون والتقنيون وكل المتدخلون في الأندية الوطنية.
قد يوجد من يقول إن أجور كرة القدم في العالم بكامله أصبحت تصل إلى أرقام فلكية، وأننا لسنا وحدنا في المغرب من “نبرع” اللاعبين والمدربين بالأجور والمنح والإمتيازات، وهذا تبرير في ظاهره قد يكون صحيحا، ولكن البحث في التفاصيل ستوصلنا إلى حقيقة أن الأجور ارتفعت في البلدان المتطورة رياضيا، لأن مصدر الأموال التي تروج فيها هي الشركات والمؤسسات التجارية والصناعية الخاصة التي دخلت ل”تشتري” المنتوج الكروي الإحترافي الراقي الذي يجذب الجماهير وتستثمر في سوق الإشهار والتسويق وحقوق النقل التلفزيوني.. أما نحن في بطولتنا الوطنية فمصدر أموال الأندية في جزء كبير منه هو المال العام ومنح الشركات العمومية ودعم المجالس المنتخبة، وحتى الشركات الخاصة عندنا التي تتعاقد مع الأندية من أجل الإشهار والتسويق، تفعل ذلك بمنطق “الفابور” والصدقة والتعاطف.
بغير الكثير من الكلام، فمنتوج كروي رديء كالذي نشاهده في مبارياتنا المحلية، يجب أن يُصرَف فيه المال الذي يستحق، لأن أكبر مشجع على الرداءة وعدم الإجتهاد في تحسين المستوى وتطوير الإمكانيات، هو هذا “المال السايب” الذي يبعثَر ذات اليمين وذات الشمال على كل المنتمين لهذه البطولة البئيسة.