الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية 2024.. الاختيار الصعب
حنان زلواني إدريسي*
مع بداية التصويت المبكر في عدد من الولايات الامريكية، أعلنت حركة “غير ملتزم” الاحتجاجية، من خلال المؤتمر الصحفي والبيان الذي نشرته على شبكات التواصل الاجتماعي يوم 19 شتنبر معلنة عدم مساندتها لحملة المرشحة الرئاسية للحزب الديموقراطي كمالا هارس.
ويأتي هذا الموقف في اطار انتخابات يطبعها الكثير من الترقب والتجاذبات بسبب موقف الادارة الأمريكية في دعمها اللامشروط لاسرائيل في الحرب على غزة من جهة، وبسبب وجود الرئيس السابق دونالد ترمب كمرشح للحزب الجمهوري الذي عرف بنزعته السلطوية وخطابه الشعبوي والعنصري من جهة أخرى.
جاء إعلان حركة “غير ملتزم” بعد عدم تجاوب هارس مع مطالبها المتمثلة في:
1. ضمان وقف إطلاق النار الفوري والدائم في غزة؛
2. فرض حظر على الأسلحة الموجهة لإسرائيل؛
3. انهاء الحصار الطويل الامد المفروض على غزة.
كما أكدت الحركة على ضرورة عدم التصويت لمرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب لموقفه الخطير المساند للحرب على غزة، ونصحت بعدم التصويت لحزب ثالث لأن ذلك يمكن ان يساهم في فوز ترامب.
ومن خلال هذا البيان، أعلنت الحركة استمراريتها في مواصلة الضغط على الإدارة الأمريكية لتحقيق مطالبها. ويطرح هذا الموقف تحديا كبيرا على الحزب الديموقراطي، كما يطرح العديد من الأسئلة حول تداعياته على المشهد السياسي يوم الانتخابات، وما بعد ذلك خاصة في حالة فوز ترامب.
انطلقت حركة “غير ملتزم” شهر فبراير من السنة الجارية من قبل ناشطين من داخل الحزب الديموقراطي. وأطلقت الحركة حملة احتجاجية لوقف حرب اسرائيل على غزة بعد أحداث 7 اكتوبر2023.
ولهذا الغرض، نظّمت الحركة بداية، واستعدادا للانتخابات التمهييدية للرئاسيات، حملة ناجحة داخل الحزب الديمقراطي. وفي وقت وجيز فاقت كل التوقعات في ولاية ميشغان، وذلك بحث المصوتين على اختيار “غير ملتزم” عوض اسم “جو بايدن” في ورقة الانتخاب كآلية للضغط، تشعر الحزب الديموقراطي بوزن الأصوات الداعية لوقف الحرب على غزة.
ثم قادت الحركة بعد ذلك حملات أخرى تكللت بنجاح كبير أيضا في كل من ولايات ويسكاونسن، وواشنطن، ومينوسوتا، ونيوجورزي، وبنسيلفانيا، وميرلاند، ونيو ميكسيكو، واوريكان، وهاويي.
وكنتيجة لهذه التعبئة والمدافعة، حصلت الحملة على أكثر من 700 ألف صوت وطنيا، و37 مندوبًا خلال المؤتمر الوطني للحزب الديموقراطي. وتكمن أهمية الحملة في كونها حصلت في معظم هاته الولايات، على نسبة أصوات فاقت النسبة التي نجح بها ترامب في انتخابات 2020.
ويجدر الذكر أن هاته الأصوات لم تشمل فقط المسلمين والعرب الأمريكيين، بل يمثل أغلبها الإثنيات والتمثيلات المجتمعية الأخرى داخل المجتمع الأمريكي، وخاصة من بين ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية والبيض.
يعتبر هذا الموقف لحركة “غير ملتزم” خسارة كبيرة للحزب الديموقراطي، ويمكن أن تكلفه الانتخابات الرئاسية يوم 5 نوفمبر القادم اذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحركة تضم “تجمعا للأصوات” لا يستهان به، بحيث يجمع العديد من خبراء الانتخابات على أنه سيشكل فارقا حاسما في الفوز باستحقاقات 2024 على مستوى الولايات المتأرجحة، لأن السباق الى البيت الابيض محتدم جدا بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي.
على سبيل المثال، يعتبر المصوتون المسلمون داخل الحركة، من أكثر المجموعات الدينية انخراطا في العملية السياسية في أمريكا، ويصوتون على أساس القضايا. وحسب تقرير واستطلاع للرأي نشرته مؤسسة السياسة الاجتماعية والتفاهم يوم 18 شتنبر. ففي انتخابات 2020، تغلب بايدن (46%) على ترامب (45%) بفارق ضئيل في ثلاث ولايات متأرجحة هي: ميشكان وبنسيلفانيا وجورجيا، وهو ما يشير إلى أن الدعم القوي الذي تمتع به بايدن من المصوتين المسلمين كان حاسما في فوزه.
ويبدو أن الوضع لا يختلف كثيرا في هذه الاستحقاقات، اذ كشفت أيضا معظم نتائج استطلاعات الرأى المتواصلة في الولايات المتحدة أن الصراع محتدم بين حملتي الديموقراطيين والجمهوريين، مع فارق بسيط لفائدة هاريس، لتبقى نتيجة حظوظ فوز المرشحين بالرئاسيات متساوية تقريبا، وبذلك ستحسم الولايات المتأرجحة النتيجة، ولو أنه من المستبعد أن تذهب هاته الأصوات لترامب، كما رصد نفس الاستطلاع لمؤسسة السياسات الاجتماعية والتفاهم، لأن عدد الأصوات المساندة لترامب من الأمريكيين المسلمين الذين ساندوه خلال انتخابات 2016 لايزال يراوح مكانه بفارق بسيط، خاصة في الولايات المتارجحة.
وحتى إذا ما قررت هاته الأصوات العزوف عن التصويت أو إعطاء صوتها لحزب ثالث كامتداد لفعلها الاحتجاجي، فإن هذا الموقف سيقدم دعما بطريقة غير مباشرة لحملة ترامب.
فمن المتوقع مثلا أن الأصوات التي ستذهب لمرشحة حزب الخضر، السيدة جيل ستاين التي يبدو أن حملتها تحظى بدعم ملحوظ ومتزايد خلال هاته الانتخابات خصوصا من بين المصوتين من أصل عربي ومسلم ستعطي امتيازا لترامب، لأنه في انتخابات ثنائية القطبية ومتقاربة، غالبا ما يخدم الحزب/الاختيار الثالث أحد المرشحيين الأساسيين.
وإذا كان موقف الإدارة الأمريكية الحالية من الحرب على غزة يطرح خيارا صعبا أمام العديد من الناخبيين المنتسبيين والداعميين للحزب الديموقراطي من جهة، وكذا موقف المترددين داخل الكتلة الناخبة بصفة عامة، الذين لم يحسموا اختيارهم بعد بسبب عدم اقتناعهم بالعرض السياسي للحزبين، وخاصة بين الشباب،
من جهة أخرى، فهناك عدة مؤشرات على أن المرحلة التي ستلي الانتخابات يوم 5 نوفمبر، ستكون أيضا مرحلة صعبة في الولايات المتحدة، ستضع نظامها وتاريخها الديموقراطي بمواجهة تحديات أكبر من تلك التي عاشتها خلال الفترة الرئاسية لترامب مابين سنة 2016 و2020. وفي هذا الصدد، يحذّر العديد من المختصيين والمحللين السياسيين كالأستاذ الجامعي جاك كولدستون، الخبير في مجال الحركات الاجتماعية والثورات، والذي كان قد نبّه سنة 2020 إلى إمكانية وقوع أحداث تشبه ما وقع يوم 6 يناير 2021، حيث هاجمت مجموعة من مناصري ترامب مبنى الكونغرس لإيقاف عملية التصديق على نتائج الانتخابات لتنصيب الرئيس الجديد، جو بايدن، بأن هناك احتمال كبير بأن تدخل أمريكا في حالة فوضى كبيرة قد تصل الى ما يشبه الحرب الأهلية.
ومن أهم المؤشرات القائمة على أرض الواقع لاحتمال حدوث ذلك: تواصل محاولات اضعاف الثقة في المسار الديمقراطي، وفي مؤسسات الدولة، درجة الاستقطاب الحاد داخل المجتمع الأمريكي، تزايد منسوب خطاب العنف السياسي, وضعف منسوب الثقة بين المواطن و مؤسسات الدولة و الفاعل السياسي.
تواصل محاولات اضعاف الثقة في المسار الديموقراطي و في مؤسسات الدولة: منذ بداية حملة الاتتخابات الرئاسية، لم يتوقف ترامب عن الترديد وتذكير مسانديه بأنه “سنربح ولن نخسر الانتخابات، وإذا خسرناها فذلك بسبب النظام الانتخابي المعطوب، ولأن الديمقراطيين سيزوّرون الانتخابات كما فعلوا ذلك في انتخابات 2020 التي ربحتها”.
لذلك، يبدو أن ترامب، وفي حالة عدم فوزه، لازال على استعداد للانقلاب على الشرعية الديموقراطية وضرب سيادة القانون كما حاول سنة 2021، مع الفارق، وكما يشير الكثير من المحللين، أنه يبدو أكثر استعدادا وتنظيما لفعل ذلك بدعم من اليمين المتطرف.
وبسبب نزعة ترامب الديكتاتورية، لا يُستبعد محاولته القيام بعملية انقلاب أخرى لن تكون بالضرورة على الدبابات، ولكن بأشكال أخرى تعيق عمل المؤسسات الدستورية وإعمال القانون، بحيث تدخل البلاد في حالة فوضى يقف فيها مساندو ترامب في وجه كل من يعارضهم، وربما بطرق قد تصل الى استعمال العنف.
أما في حالة فوز ترامب بالانتخابات فلن يختلف الأمر، لأن ترامب سيدخل البلاد في حالة فوضى عن طريق ضرب الأسس الديمقراطية وسيادة القانون لتعزيز السلطوية.
لن يكون من المستبعد أن يأخذ قرارات رئاسية شعبوية وعنصرية تضرب مبدأ التعددية والاختلاف، بحيث تستهدف المهاجرين مثلا في المرحلة الأولى. وكما فعل سنة 2021 عند بداية ولايته، عندما أصدر مرسوم “حظر المسلمين”، وذلك باصدار مرسوم لحظر الإجهاض مثلا كطريقة سهلة وآنية، يوجّه بها رسالة لمنتخبيه على أنه ينفذ وعوده الانتخابية، ولذلك عليهم أن يستمروا في مساندته والوقوف إلى جانبه في كل قراراته. ليمر في مرحلة ثانية إلى ضرب وإضعاف المؤسسات التى يقوم عليها النظام الديموقراطي في أمريكا، وذلك من خلال صلاحياته الرئاسية التي يمنحها له الدستور، وأيضا بمساعدة منتخبي الحزب الجمهوري داخل المؤسسة التشريعية، خاصة إذا كانت لدى الحزب الأغلبية في إحدى الغرفتين أو كلتيهما، خاصة أن ترامب لديه الآن هيمنة كاملة على الحزب الجمهوري. وتأخذ مجموعة يمينية متطرفة موالية له بزمام أمور الحزب داخل الكونغرس.
وسيحدث هذا النوع من القرارات والقوانين اضطرابا وخللا كبيرا في سير المؤسسات، قد يصل إلى شلها كلية، كما كان الأمر في ولايته السابقة عندما اضطرت المؤسسات الحكومية سنة 2018 فيما عرف ب “إغلاق الحكومة”، إلى ايقاف معظم خدماتها، ولمدة 35 يوما، بسبب عدم توافق ترامب والكونغرس على الميزانية العامة تحت حجة أنه يحارب الدولة العميقة.
ونتيجة لذلك، فقد أزيد من 800 ألف موظف حكومي راتبه طوال تلك الفترة دون أي تعويض بعدي، وأربك سير الحكومة وهدٌد مصالحها داخليا وخارجيا. أو إنهائه الانخراط في مؤسسات واتفاقيات دولية حيوية، كاتفاقية باريس، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، واليونسكو، وهو ما أضعف حضور أمريكا على المستوى الدولي وأحرجها مع حلفائها التقليديين.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى مايسمى “مشروع 2025″، المعروف أيضًا باسم “مشروع الانتقال الرئاسي 2025″، وهو مبادرة سياسية أعدتها مؤسسة هيريتيج المحافظة، بهدف تعزيز السياسات المحافظة واليمينية لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة وتعزيز السلطة التنفيذية إذا فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وبالرغم من أن ترامب ينفي معرفته وعلاقته بهذا المشروع، إلا أن العديد من التقارير والتسريبات تؤكد بأن العديد من الشخصيات التي ارتبط اسمها بالمشروع من أكبر مؤيدي ترامب، وأن المشروع أعد ليتبنىاه في أول يوم من ولايته في حالة فوزه، لأنه يضع خارطة طريق كاملة لتفكيك ما يسميه بالدولة العميقة.
ويؤكد العديد من الخبراء أن المشروع له صبغة استبدادية، ويعتمد على مبدأ الموالاة. كما يشمل العديد من الإجراءات الخطيرة التي تنص مثلا على التخلص من وزارتي التعلييم والأمن الداخلي، ووضع مكتب التحقيقات الفيدرالي تحت سلطة الرئيس.
وتبعا لنفس المشروع، سيتم تسريح الآلاف من الموظفين الحكوميين والكفاءات ليتم استبدالهم بمجموعة أخرى تم انتقاؤها مسبقا بعناية، على أساس الموالاة لترامب ومساندة السياسات المحافظة.
هناك أيضا مخاوف كبيرة من أن مجال الحقوق والحريات قد يعرف انتكاسة كبيرة في حالة ولاية ثانية لترامب، بحيث ليس من المستبعد أن يتخذ قرارات تمس حرية التعبيير وحق الاحتجاج، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقفه من الإعلام، وحركات العدالة العرقية، وأن المحكمة العليا للولايات المتحدة تم تعينها من طرف ترامب أثناء ولايته الأولى.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع 2025 يشمل أيضا إجراءات تهدد الحقوق والحريات. وفي إطار تجمعاته الانتخابية حاليا، لايتردد ترامب عن إرسال الوعيد لكل معارضيه من أشخاص ومؤسسات. ولا يستبعد مثلا أن يطلب ترامب تدخل الحرس الجمهوري لقمع فعاليات المجتمع المدني كمنع احتجاجات ومسيرات جماهيرية غير مؤيدة له كالمسيرة التاريخية المعروفة ب “المسيرة النسائية” التي عرفتها أمريكا يوم 23 يناير 2017 كأول رد فعل احتجاجي للمجتمع المدني على سياساته العامة بعد تنصيبه كرئيس جديد.
عرف المجتمع الأمريكي دائما حالة من الاستقطاب، لكنه لم يكن بدرجة الحدة التي يعرفها لأكثر من عقدين. ويفسر هذا الاستقطاب حاليا الصراع المحتدم بين حملتي الديموقراطيين والجمهوريين بحيث حافظ كل حزب على جمهوره الانتخابي منذ سنة 2020.
كما يعبر تعثر الكونغرس في تمرير قوانين بشكل تعاوني عن هذا الاستقطاب وتمادي الحزبين في معارضة بعضهما البعض كلما تعلق الأمر بمشاريع قوانين لحسابات سياسية تغيب فيها مصلحة المواطن أحيانا كثيرة. وقد لاحظنا سنة 2023 كيف أدى الجمهوري كيفن ماكارتي الثمن، بحيث تمت إقالته من منصب رئاسة البرلمان من قبل أعضاء حزبه، بسبب تعاونه مع الحزب الديموقراطي، حتى يتسنى له تمرير الميزانية العامة في الكونغرس داخل الأجل المحدد لتجنب إغلاق كارثي آخر للحكومة.
تزايد منسوب خطاب العنف السياسي، وخاصة مع ما يروجه ترامب ومساندوه من الحزب الجمهوري، من خلال الأخبار الزائفة والتحريض ضد الديموقراطيين والمهاجرين وكل من يعارضهم. وقد كان ملحوظا حجم الأكاذيب والمغالطات العنصرية والخطيرة التي روّجها ترامب حول المهاجرين من هايتي، خلال مناظرته مع منافسته هارس يوم 10 شتنبر من السنة الجارية، وكذلك تصريحه بأنه سيهجّر كل مساندي القضية الفلسطيينية والداعين إلى إيقاف الحرب على غزة لأنهم مساندون لحركة حماس ومنظمة الأونروا التابعة للامم المتحدة.
بالإضافة الى ذلك، لازال ترامب يشجع ضمنيا على العنف السياسي بتكرار وعوده بعفو رئاسي على المتورطين في الهجوم على الكونغرس الأمريكي، وأيضا من خلال الهجوم على كل من يعارض حملته ويساند حملة الديموقراطيين من الشخصيات المشهورة والمتميزة في عالم السياسة والفن و باقي المجالات.
ويزيد من منسوب هذا الخطاب هجوم وتشكيك ترامب فى مؤسسات الحكامة الانتخابية والقضاء، خصوصا بعد ما أجمعت كلها على أن نتائج انتخابات 2020 خالية من أي اختلالات يمكن ان تضرب مصداقيتها.
وتجدر الاشارة الى أنه وفي استطلاع للرأي لمجلة التايم قي أكتوبر 2023، عبّر أكثر من 33% من الجمهوريين على أن العنف ربما هو الحل لإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية.
كما يشير استطلاع رأي آخر لصحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن 450 قاضيًا فيدراليًا تلقوا تهديدات العام الماضي وهو ما يمثل زيادة بنسبة 150٪ مقارنة بعام 2019، كما تلقى أعضاء الكونغرس 8000 تهديدا، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 50٪ مقارنة بعام 2018.
في هذا الصدد، يجزم الآن العديد من الخبراء القانونيين والسياسيين بأن وزارة العدل و الكونغرس ارتكبتا خطأ فادحا عندما لم تتخذا قرارا بمنع ترامب من الترشح مرة أخرى للانتخابات بعدما تم إثبات تورطه في التحريض على الهجوم على الكونغرس سنة 2021، وهو ما أعطاه المجال اليوم للتقدم كمرشح رئاسي، والاستمرار في خطابه الشعبوي والعنصري الذي يحرض على العنف أحيانا كثيرة ويهدد السلم الاجتماعي.
بفعل اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء خلال العقود الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث كشفت العديد من الاستطلاعات والدراسات بأن شريحة واسعة داخل الطبقة المتوسطة تخلفت عن الركب، وتشعر أن الدولة تخلت عنها بسبب السياسات العامة داخل البلاد التي تمنح امتيازات أكثر للأثرياء، ولا تعزز حقوقها في مجال العمل والصحة والتعليم لذلك بدأت تبحث عن التغيير.
وتعتبر إشكالية “العنف المسلح”، أو “حق حمل السلاح” في أمريكا نموذجا لذلك. بالرغم من الأحداث التراجيدية والمتوالية التي تهدد حياة المواطن الأمريكي أكثر من أي شيء آخر، بسبب حوادث إطلاق النار من قبل مواطنين عاديين، لازال يقف اعضاء الكونكرس عاجزين عن اتخاذ أي إجراءات يطالب بها المجتمع المدني وذلك بسبب ضغط لوبيات صانعي وبائعي السلاح.
لذلك، يستثمر دونالد ترامب هذا الاحساس والفجوة، لكسب الدعم لحملته من خلال تبنيه لشعار “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، بحيث يعد ناخبيه بأنه سيستعيد الاستثمارات وكل فرص الشغل التي تم توريدها الى الخارج مثلا وأنه سيفرض رسوم جمركية مرتفعة لهذا الغرض.
كما يعزز ذلك بحديثه عن الدولة العميقة وأن هدفه كرئيس هو القضاء عليها، لأنها اتبعت سياسات لاتخدمهم، ويدعوهم لمساندته والتصويت عليه لفعل ذلك ليستعيدوا حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
ومن جهة أخرى، زاد أيضا موقف إدارة بايدن من الحرب على غزة من ضعف منسوب الثقة تجاه مؤسسات الدولة والفاعل السياسي، وخاصة لدى الشباب بسبب عدم احترام القانون الدولي والأمريكي على السواء، وهو ما خلق أزمة أخلاقية من المتوقع أنها ستدلي بظلالها على الانتخابات الرئاسية وما بعد ذلك.
أسابيع قليلة تفصل الأمريكيين عن يوم الاقتراع، ويبقى اليوم التالي للانتخابات مفتوحا على عدة احتمالات وتساؤلات، والتي من الممكن أن تغير العديد من المعطيات داخل الساحة السياسية والمسار الديموقراطي داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
فهل سيكون للحرب على غزة تأثير مباشر على نتيجة الانتخابات الرئاسية بصفة عامة وعلى الحزب الديموقراطي بصفة خاصة، والتي ستكون آنذاك سابقة في تاريخ أمريكا الانتخابي على مستوى العقود الاخيرة لان قضايا السياسة الخارجية غالبا ما تكون في ذيل الاولويات بالنسبة للناخب الامريكي؟
وكيف سيتعامل الحزب الديموقراطي، خاصة مع هذا المتغير لإعادة كسب ثقة الأصوات التي فقدها؟ وهل سيخلق معطى ارتفاع العزوف عن التصويت، خاصة بين الشباب، المفاجأة في هذه الانتخابات، بحيث يتوقع أن يتغيب عن صناديق الاقتراع المطالبون بوقف الحرب على غزة، خاصة أنها الآن اتسعت باتجاه لبنان من جهة، والمترددون الذين لا يقنعهم العرض السياسي للحزبين ويرفضون العمل بمبدأ “أقل ضررا” من جهة أخرى؟
ثم في حالة فوز ترامب بولاية جديدة، إلى أي مدى ستقاوم وتصمد ركائز النظام الديمقراطي ومؤسساته أمام نزعته السلطوية، ومد اليمين المتطرف من خلاله؟ ثم هل سيشكل ذلك هذه المرة حدثا يدق ناقوس خطر تتأهب فيه القوى السياسية والمدنية في أمريكا للجلوس إلى حوار تناقش فيه بهدوء مجموعة من القضايا الملحة كتمويل الحملات الانتخابية، والعدالة العرقية، والمجمع الانتخابي، ودور المال واللوبيات في العملية الانتخابية والتأثير على السياسات العامة؟ وهل سيعيد هذا الحدث تجربة الآباء المؤسسين في الوصول إلى تعاقد اجتماعي جديد يضمن لأمريكا سلمها الاجتماعي، ويحافظ على مسارها الديموقراطي لخدمة المواطن بشكل أفضل وحفظ حقوقه؟
*مختصة في شؤون المجتمع المدني
مقيمة بالولايات المتحدة الامريكية