story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

الإضراب العام.. احتجاج واسع يعكس نبض الشارع

ص ص

صباح يطل بصمت غير معهود، وشوارع تخلو من زحمة الموظفين المتجهين إلى وظائفهم، أما المدارس والمستشفيات والمصالح الحكومية فتدخل في حالة شل للحركة، بينما تكتسي المدن الكبرى بغلاف من الهدوء المشحون بالتوتر بسبب توقف حركة النقل العام بشكل شبه كامل خاصة في الدارالبيضاء. إنه الإضراب العام.

يعيش المغرب، الأربعاء 5 فبراير 2025، على وقع إضراب وطني عام دعت إليه العديد من المركزيات النقابية، ويتعلق الأمر بالاتحاد المغربي للشغل، إلى جانب الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والمنظمة الديمقراطية للشغل، وفيدرالية النقابات الديمقراطية، التي أعلنت عنه في ندوة صحافية مشتركة، إضافة إلى تنظيمات عمالية أخرى.

ويأتي هذا الإضراب “الإنذاري” كاحتجاج على تمرير مشروع قانون الإضراب المثير للجدل، وكذلك كرد فعل على ما تصفه النقابات بـ”السياسات الحكومية غير العادلة” التي تزيد من تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين. وذلك في سياق تصاعد غضب الشغيلة والرأي العام المغربي من ارتفاع الأسعار، وتآكل القدرة الشرائية، وعدم استجابة الحكومة لمطالب النقابات والعمال.

ما هو الإضراب العام؟

وأمام الحياة اليومية المتوقفة لأربع وعشرين ساعة، والاقتصاد الذي يشهد ركوداً مؤقتاً، يكشف صمت هذا اليوم عن هدير صوت مجتمع يعبر عن سخطه من خلال هذا الاحتجاج الذي كان يعد إلى وقت قريب شكلاً من أشكال “العصيان المدني”، والذي يظل آخر أسلحة العمال في مواجهة تجاهل الحكومة لمطالبهم.

الإضراب العام ليس حدثاً اعتيادياً في المشهد السياسي والاجتماعي المغربي، بل يُعتبر ضغطاً احتجاجياً تستعين به المركزيات النقابية في ظروف استثنائية لتحقيق مطالب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

ويكون هذا الإضراب عبارة عن توقف شامل عن العمل يسود جميع القطاعات الاقتصادية والخدماتية، ويُعلَن عادةً من قبل المركزيات النقابية الكبرى في البلاد كوسيلة ضغط لتحقيق مطالب الشغيلة.

بماذا يختلف عن الإضراب القطاعي؟

وعلى عكس الإضرابات القطاعية يشمل الإضراب العام جميع القطاعات، ويُعدّ تعبيراً عن حالة غضب جماعي واسع النطاق.

وعليه فإنه إذا كان الإضراب القطاعي يقتصر على التعبير عن غضب شغيلة قطاع معين مثل التعليم أو الصحة أو النقل، فإن الإضراب العام يتميز عن الأول بكونه يعبّر عن حالة عامة من السخط والرفض، ويهدف إلى شلّ الحركة الاقتصادية والاجتماعية لإجبار الجهات الوصية على الاستجابة للمطالب.

وغالباً ما يكون الإضراب العام ذا أبعاد سياسية أو اجتماعية واسعة، في الوقت الذي تركز فيه الإضرابات القطاعية على مطالب محددة مرتبطة بظروف عمل القطاع، من قبيل الإضرابات التي شهدها قطاعا التعليم والصحة في السنوات الأخيرة للمطالبة بالرفع من الأجور أو احتجاجاً على قوانين على مستوى الوزارتين الوصيتين.

هذا ويكون تأثير الإضراب العام كبيراً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، إذ يعطل الحياة العامة بشكل كامل أو شبه كامل، بينما الإضرابات القطاعية تكون تأثيراتها محدودة نسبياً.

أقصى أشكال الضغط

وتلجأ النقابات إلى الإضراب العام كخيار أخير عندما تفشل جميع الوسائل الأخرى في تحقيق مطالبها، خاصة عندما ترفض الحكومة الإنصات لمطالب النقابات، وأيضاً في حالات ارتفاع الأسعار أو انخفاض الأجور أو تفشي البطالة، أو عند الاحتجاج على سياسات اقتصادية، والدفاع عن الحقوق الأساسية مثل الحق في الإضراب كما هو الشأن بالنسبة إلى الإضراب العام ل 05 فبراير 2025.

وهذا ما عبّرت عنه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالقول إن قرار الإضراب العام “ليس قراراً منعزلاً أو لحظة ظرفية”، بل هو نتيجة “تراكم نضالي أعقب عدة احتجاجات ضاغطة”، مؤكدة أن قانون الإضراب “يمس كل مكونات المجتمع، وهو ما دفع النقابات إلى إخراج القضية إلى الرأي العام”.

وأوضحت النقابة ذاتها أن إضراب 5 فبراير 2025 يأتي في إطار نضال مستمر للحركة النقابية منذ عقود، “والتي تخوض إضرابات عامة لمواجهة السياسات التي تمس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمواطنين”، مشيرة إلى أن الحكومة اليوم تحاول “إغلاق مرحلة الصراع وأدوات الاحتجاج، لتهيئ لقضايا أخرى تمس مكتسبات الطبقة العاملة”.

وقال يونس فيراشن، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إنه عوض أن تهتم الحكومة اليوم بالأزمة الإجتماعية الخانقة التي يعيشها المغاربة من بطالة وغلاء أسعار، تأتي بقانون “تكبيلي للحق في الإضراب مع رفض الإنصات للنقابات، وذلك بعد خرقها الاتفاق الذي وقعته معها”.

وأشار فيراشن، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إلى أن الحكومة أصرت على “توظيف أغلبيتها الحكومية” من أجل تمرير هذا القانون، في فهم ضيق للديمقراطية، فضلاً عن كونها “لم تنصت للشارع”، معتبراً أن “الإضراب العام احتجاج إنذاري سوف تتبعه خطوات أكثر تصعيداً إذا لم تعد الحكومة إلى رشدها”.

أبرز محطات الإضراب العام

وارتبط الإضراب العام تاريخياً بأحداث كبرى، وكان يُنظر إليه من قبل السلطات على أنه شكل من أشكال العصيان المدني، مما أدى إلى مواجهات قوية بين الدولة والمحتجين بلغت حد ارتكاب اعتداءات دامية.

ولعل من أبرز هذه المحطات أحداث يونيو 1981 أو ما يسمى بانتفاضة الدار البيضاء، التي جاءت في سياق أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع في أسعار المواد الأساسية واختبار قوة بين السلطة السياسية والمعارضة اليسارية آنذاك، إذ دعا الاتحاد المغربي للشغل حينها إلى إضراب عام في 20 يونيو 1981، تحوّل إلى مواجهات دامية بين المحتجين وقوات الأمن.

وسقط على إثر هذا الإضراب العشرات من القتلى والجرحى، بينمت تم اعتقال المئات، في أعقاب تدخل قوات الأمن والجيش لقمع الاحتجاجات، خاصة في الدار البيضاء، في حدث اعتبر نقطة تحول في تاريخ الحركة النقابية والسياسية المغربية كما يحتفظ به المغاربة إلى اليوم ذكرى مؤلمة.

وتلا هذا الإضراب، إضراب عام ثان بتاريخ 14 دجنبر 1990، والذي شهد أيضاً أحداثاً دامية في مدينة فاس، احتجاجا على سياسات التقويم الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي، والتي أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد.

ورغم نجاح هذا الإضراب في تعبئة الجماهير، إلا أن الحكومة لم تستجب بشكل كامل للمطالب.

وفي 29 أكتوبر 2014، شهد المغرب إضرابًا عاماً، هو الأول من نوعه منذ عقدين، احتجاجاً على سياسات الحكومة المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد ورفع الدعم عن المحروقات، بالإضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بتحسين الأجور وظروف العمل.