الإدارة التقنية الوطنية!
كلُّ ما مرّ بنا من نقاش وبحث عن الأسباب وتوجيهٍ لأصابع الإتهام، حول الخروج المبكر للمنتخب الوطني مرة أخرى من نهائيات كأس إفريقيا للأمم، لم نجد فيه أي حديث عن فاعل محوري في الموضوع، ألا وهي الإدارة التقنية الوطنية لكرة القدم، التي نظريا هي المسؤولة كرويا عن جميع المنتخبات، بما في ذلك المنتخب الأول.
في جميع البلدان العريقة في كرة القدم، والتي تراكم تجربة طويلة في تنظيم هياكلها الداخلية، وتحترم التخصصات، وتفصل ما هو إداري ومالي عما هو تقني، عندما يتعرض منتخبها للإقصاء المبكر من منافسة قارية أو عالمية، أول ما يحدث بعد العودة إلى البلاد هو اجتماع فوري للمدير التقني الوطني مع مدرب المنتخب لتقييم المشاركة وتحليل المعطيات التي تسببت في الإقصاء، من أجل رفع تقرير إلى رئيس الإتحاد الكروي وإطلاعه على ما يجري.
لماذا عند بلدان الناس يجتمع المدير التقني الوطني مع مدرب المنتخب الأول بعد الإقصاء وليس شخصا آخر أو هيأة أخرى؟.. ببساطة لأن الإدارة التقنية الوطنية هي الجناح التقني للجامعة أو الإتحاد الكروي، وهي التي تختار جميع مدربي المنتخبات الوطنية في جميع الفئات من الصغار إلى الكبار مرورا بالفتيان والشبان، وتختارهم بناءً على عدة معايير تتطابق مع الهوية الكروية الموحدة التي يتم اعتمادها في كل مراكز التكوين المنتشرة في البلاد، وهي(الإدارة التقنية الوطنية) المخول لها تقييم مشاركة المنتخبات في البطولات القارية والعالمية، وتحديد مصير مدربيها في الإستمرار أو الإعفاء.
نحن في مغرب الإستثناء لدينا إدارة تقنية وطنية تقوم بكل شيء، ولديها العديد من الإختصاصات، باستثناء المنتخبات فهي حقل “سيادي” لا دخل لها فيه، ولا تعين المدربين على رأسها، ولا تحاسبهم ولا تعفيهم، ولا تقيم عملهم، وليست لها أي رأي فيما يقومون به، لأن ذلك له “مواليه” الذين شكلوا منذ سنوات لجنة “مستقلة” يرأسها رئيس الجامعة شخصيا، وهو الذي يشرف على كل صغيرة وكبيرة، ويحاسب ويقيم ويُقيل ويطلب الإستمرار، ويضع الأهداف على المدى القصير والطويل.
الإدارة التقنية الوطنية في المغرب ظلت لسنوات طويلة مؤسسة شكلية “يُخَيّم” المسؤولون عنها المغاربة والأجانب على حد سواء في غابة المعمورة، ويقومون ببعض “الأنشطة” التكوينية والندوات التأطيرية، إضافة إلى جولات في العصب الجهوية لإظهار شيء من العمل يبرر رواتبهم السمينة.. حيث انتهت كل مشاريع مدرائها المتعاقبين إلى الفشل الذريع، رغم التجريب وتغيير جنسياتهم ومدارسهم الكروية، ولم تعرف كرة القدم المغربية في تاريخها إدارة تقنية وطنية قوية بأطرها وبرامجها تقوم بأدوارها الحقيقية مثلما هو كائن في كل بلدان العالم.
من المفروض أن الإدارة التقنية الوطنية هي حجر الزاوية في أي مشروع لتطوير كرة القدم داخل البلاد، وهي “الدينامو” الذي ينسق بين كل المتدخلين في اللعبة محليا، وهي التي تضع استرتيجيات تكوين اللاعبين والمدربين، ومناهج طريقة اللعب الموحدة على الأجيال الصاعدة، وهي تخطط لتعاقب الأجيال على المنتخبات الوطنية وتختار مدربيهم بعناية وتسهر معهم على تطبيق برامجهم ضمن أهداف مرسومة بدقة احترافية.
هذا من المفروض أن يكون، أما الواقع فهو شيء مختلف للأسف.