الأمم المتحدة.. المناصفة مطمح لا يزال بعيد المنال

على بعد أقل من خمس سنوات من موعد سنة 2030، التي حددتها الأمم المتحدة كأفق لجعل العالم أكثر شمولا وإنصافا، لا تزال الجهود المبذولة لتحقيق المساواة بين الجنسين تواجه صعوبات كبيرة بسبب مجموعة من التحديات.
تتعدد الصعوبات وتتداخل لدرجة أن بعض المراقبين يخشون من عدم إمكانية تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات، كما هو منصوص عليه في برنامج التنمية المستدامة لعام 2030، المعروف بـ”أجندة 2030″.
ويدعو هذا البرنامج، الذي يشكل خطة عمل تروم تحقيق الرفاه للبشرية، وحماية الكوكب، وتعزيز الرخاء، إلى اعتماد رؤية تحويلية ترتكز، بالأساس، على ترسيخ السلام، والقضاء على الفقر، وتعزيز المساواة بين الجنسين.
يتوافق تقييم المراقبين مع ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مؤخرا عندما صرح بأن “حقوق النساء في حالة حصار”، بسبب عودة النزعات الذكورية، معتبرا أن هذه الظاهرة “تعرقل التقدم المحرز، وتقو ض الإنجازات المحققة، وتتخذ أشكالا جديدة وخطيرة”.
ويأتي هذا التقييم الصادر عن المسؤول الأممي في وقت تعقد فيه وفود الدول الأعضاء في المنظمة الدولية اجتماعا في نيويورك، خلال الفترة من 10 إلى 21 مارس، بمناسبة الدورة الـ69 للجنة وضع المرأة، بهدف تقييم مدى تنفيذ إعلان وخطة عمل بيجين بشأن النهوض بحقوق المرأة، الذي تم اعتماده سنة 1995.
وبموجب هذا الإعلان، التزمت الدول الموقعة بالعمل ضمن 12 مجالا رئيسيا، تشمل مكافحة الفقر، والتعليم والتكوين، والصحة، والعنف، والنزاعات المسلحة، والاقتصاد، والسلطة واتخاذ القرار، والآليات المؤسسية، وحقوق الإنسان، والإعلام، والبيئة، وتمكين الفتيات.
ومنذ اعتماد إعلان بيجين، تعترف المنظمة متعددة الأطراف بتحقيق تقدم في بعض المجالات، خاصة في ما يتعلق بتعليم الفتيات، ومكافحة وفيات الأمهات عند الولادة، وتعزيز الحماية القانونية للمرأة.
غير أن الأمين العام للأمم المتحدة يرى أن هذه الإنجازات، رغم أهميتها، تظل غير كافية لتحقيق “أهداف المساواة والتنمية والسلام لجميع النساء في العالم”، خاصة في ظل استمرار التفاوتات الكبيرة بين الجنسين.
وفي عرضه أمام لجنة وضع المرأة، لم يتردد غوتيريش في وصف ما تواجهه النساء والفتيات بأنه “فظائع متجذرة”، تشمل العنف والتمييز والتفاوتات الاقتصادية، إلى جانب الفجوة الرقمية التي لا تزال مستفحلة، واستمرار التفاوت في الأجور الذي لم ينخفض عن عتبة 20 في المائة.
ينضاف إلى هذه التفاوتات تهديد متزايد تمثله التكنولوجيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، على النساء والفتيات. وأوضح الأمين العام أن هذه التكنولوجيا “تفتح أبوابا جديدة للعنف والإساءة، مما يؤدي إلى تطبيع كراهية النساء والانتقام عبر الإنترنت”.
وفي ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين في مجال القيادة السياسية، والتي تعتبر أساسية في جهود تمكين النساء في العالم، كشف تقرير جديد، صدر بمناسبة الدورة الـ69 للجنة وضع المرأة، عن تقدم غير كاف في بداية سنة 2025، حيث لا يزال الرجال يشغلون مناصب حكومية وبرلمانية بثلاثة أضعاف عدد النساء على الأقل.
وسجل التقرير، الذي تم إعداده من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة والاتحاد البرلماني الدولي، تراجعا بنسبة 0.4 نقطة في نسبة تمثيل النساء في الحكومات، بينما لم تشهد تمثيليتهن في البرلمانات الوطنية سوى زيادة طفيفة بنسبة 0.3 نقطة مقارنة بالسنة السابقة، لتصل إلى 27.2 في المائة.
وأبرز هذا التفاوت “الفشل المنهجي” في الجهود الرامية إلى تعزيز التكافؤ بين الجنسين في المجال السياسي ببعض مناطق العالم، وفقا لما أكدته رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي، توليا أكسون.
وللخروج من هذا الوضع، والمضي قدما نحو ترسيخ المساواة بين الجنسين كحق أساسي من حقوق الإنسان، أوصى الأمين العام للأمم المتحدة الوفود المشاركة في الدورة الـ69 للجنة وضع المرأة بتوفير تمويل مستدام ومعزز لدعم تعليم وتكوين النساء، وتعزيز تمكينهن اقتصاديا.
كما شدد على ضرورة ضمان مشاركة النساء بشكل كامل ومتساو وفعال في جهود ترسيخ السلام، وفي عمليات صنع القرار “على جميع المستويات وفي جميع مجالات الحياة”.
واعتبر غوتيريش أن تحقيق المساواة للنساء والفتيات يعد”مسألة عدالة” تظل “ضرورية” للإنسانية جمعاء.