story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

إفريقيا تطالب بتصحيح خريطتها.. أكاديمي: حملة تضمن للقارة مكانتها الجيوسياسية

ص ص

دعت منظمات من المجتمع المدني الإفريقي إلى إنهاء استخدام خريطة “مركاتور” التاريخية، في حملة واسعة تطالب بتصحيح حجم القارة السمراء واستعادة أبعادها الحقيقية على الخريطة، بهدف إصلاح الصورة الذهنية العالمية عن إفريقيا.

ودعت حملة “صحّحوا الخريطة”، التي تقودها منظمتا “إفريقيا بلا فلتر” و”تحدثوا باسم إفريقيا”، إلى اعتماد خريطة “الأرض المتساوية” المعلنة في 2018 لإبراز الحجم الحقيقي للقارات بشكل أكثر دقة، بدل الخريطة التي تعود إلى القرن السادس عشر.

وتعكس خريطة “الأرض المتساوية” الحجم الحقيقي للقارات، بحيث تبرز حقيقة أن إفريقيا يمكن أن تحتوي على أمريكا الشمالية والصين والهند وأجزاء كبيرة من أوروبا.

ولقيت الحملة ترحيباً رسمياً من الاتحاد الإفريقي. إذ نقلت وكالة “رويترز” عن الجزائرية سلمى مليكة حدادي، نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، قولها: “لا يتعلق الأمر بمجرد خريطة، بل بصورة ذهنية ترسخت لعقود”، مشيرة إلى أن الخريطة الحالية تضخّم حجم المناطق القريبة من القطبين مثل أميركا الشمالية وغرينلاند، بينما تقلّص مساحة إفريقيا، مما يرسّخ انطباعاً خاطئاً بأن القارة هامشية.

وفي هذا الصدد، ينظر أستاذ الجغرافيا السياسية، محسن إيدالي، إلى أبعاد الحملة الإفريقية في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” من خلال ثلاثة أبعاد أساسية: البعد التقني الخرائطي، والبعد الجيوسياسي والاستراتيجي، والبعد الاجتماعي المرتبط بالتمثلات الاجتماعية التي تشكّلت عبر عقود طويلة.

صورة مشوهة

ويوضح إيدالي، مدير قطب دراسات الدكتوراه بجامعة السلطان مولاي سليمان في بني ملال، أنه تم اعتماد نظام الإسقاط الحالي (مركاتور) منذ عام 1569، مشيراً إلى أنه يهدف إلى تحويل سطح الأرض الكروي إلى سطح مستوٍ لتسهيل القراءة والاستعمال التقني في مختلف المجالات.

إسقاط مركاتور هو إحدى طرق الإسقاط الإسطواني المستعملة في رسم الخرائط، يقوم على إحاطة الكرة الأرضية بأسطوانة حيث يتم التلامس بين الكرة والاسطوانة عند خط الاستواء، فيتم إسقاط كافة سمات ونقاط الأرض عليها، وتُفتح الأسطوانة بعد ذلك، وتبسط لتشكل خارطة مستطيلة ذات خطوط طول عمودية وخطوط عرض أفقية وجميع الخطوط تكون متوازية ومتساوية التباعد فيما بينها، أما خطوط العرض تكون مستقيمة ومتوازية ولكن البعد بينها غير متساوٍ، إذ أنها تتباعد كلما اقتربنا من القطبين.

وأبرز الأكاديمي الجيوسياسي أن الجانب السلبي لهذا النظام “يتمثل في تضخيمه للمناطق القريبة من القطبين، مقابل تصغير وتشويه المناطق القريبة من خط الاستواء”، في حين تتجلّى أبرز إيجابياته في الملاحة البحرية وتجارة السفن.

وبناء على ذلك، يكون الجانب التقني والخرائطي هنا قد “أثر بشكل مباشر على المشهد البصري لخريطة إفريقيا على مستوى العالم مقارنة بباقي المناطق”، إذ تبدو أصغر من حجمها الحقيقي “مقارنة بالمناطق الواقعة شمال خط الاستواء وجنوبه، كلما اقتربنا من القطبين”.

هدف استعماري

أما البُعد الجيوسياسي، فيرتبط، وفقاً لإيدالي، بما شهدته القارة الإفريقية عبر العصور. ويقول في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، “لا ننسى أنّ إفريقيا خضعت لحملات استعمارية قوية من مختلف الدول الكولونيالية، سواء في شمالها أو وسطها أو جنوبها”.

وأشار إلى أن هذا الواقع تم ضبطه من خلال العديد من التوظيفات الاستراتيجية والسياسية، “التي جعلت القارة خاضعة لمنطق الاستغلال الكولونيالي، على حساب الشعوب والدول الإفريقية”، موضحًا أن إفريقيا لطالما كانت ورقة تُوظّف في التجاذبات الجيوستراتيجية للقوى العظمى، كما عُقدت بشأنها مؤتمرات، سواء علنية أو عبر اتفاقات سرية، لتقسيم ما سمّاه “الكعكة الإفريقية” واستنزاف خيراتها.

وذكّر الأستاذ الجامعي بأن القارة تشكل 30% من إجمالي مساحة اليابسة، بكثافة سكانية تصل إلى 51 نسمة في الكيلومتر المربع، ومع ذلك “لا تسهم إلا بنسبة 2% من الناتج الإجمالي الخام العالمي”، في الوقت الذي تعد فيه إفريقيا من أغنى المناطق على مستوى الموارد الطبيعية.

وتحتوي القارة على 30% من احتياطي المعادن العالمية كالذهب والحديد والكوبالت، و70% من احتياطيات اليورانيوم والبوكسيت والفضة، وموارد طبيعية تشكل بورصات عالمية مثل الكاكاو والقهوة، فضلاً عن 12% من احتياطي النفط العالمي و8% من الغاز الطبيعي.

ويرى أستاذ الجغرافيا السياسية أن إفريقيا لا تستفيد بشكل كافٍ من هذه الثروات لأسباب تاريخية وسياسية وجيوسياسية، إضافة إلى الصراعات الداخلية، مثل حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في منطقة الساحل، “ما دفع بعض الدول إلى التمرد على الواقع القائم، وهو ما يفسر التوترات الحالية بين فرنسا ودول إفريقية، وكذلك بين القوى العظمى وهذه الدول”.

تمثلات غربية

وفي قراءته الاجتماعية لحملة “صحّحوا الخريطة”، يشير محسن إيدالي إلى التمثلات التي تكونت لدى الغرب عبر العصور، إذ اعتُبرت إفريقيا “قارة متخلفة” لا تواكب النمو التقني والعلمي.

هذا التصور، يضيف المتحدث: “أثر على سياسات الفاعلين السياسيين والجيوسياسيين، وحتى على المجتمع المدني الغربي”.

ومع ذلك، فإن “الواقع يثبت أنّ الإنسان الإفريقي لا يختلف في شيء عن الأوروبي أو الأمريكي أو الآسيوي، فهو يمتلك ذكاءً واقتراحات قوية وحضورًا مؤثرًا على كل المستويات”، حسب تعبيره.

ويؤكد محسن إيدالي، الأكاديمي في جامعة السلطان مولاي سليمان، أن الحراك على مستوى منظمات المجتمع المدني الإفريقي، والاتحاد الإفريقي، والمتخصصين والمهتمين، “يُعد حركة تصحيحية تهدف إلى ضمان مكانة إفريقيا الجيوسياسية واستفادة سكانها من خيراتها”.