story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

إعداد وزارة الداخلية جيلاً جديداً من برامج التنمية يعيد جدل دور الأحزاب المنتخبة

ص ص

أعاد شروع وزارة الداخلية في إعداد جيل جديد من برامج التنمية لتقليص الفوارق المجالية النقاش حول جدوى إعادة تكليف هذه الوزارة مرة أخرى بملف التنمية، في ظل وجود مؤسسات منتخبة وأحزاب سياسية يفترض أن تضطلع بهذا الدور.

وفي هذا السياق، أوضح الصحفي رشيد البلغيثي، أن “مسألة تدبير التنمية في المغرب تطرح إشكالات جوهرية مرتبطة بمكانة المؤسسات المنتخبة، ودور الأحزاب السياسية، وموقع وزارة الداخلية في صناعة القرار”، مشيرا إلى أنه “كلما أعلن الملك، تصريحاً أو تلميحاً، عن وجود أزمة، تتحول عباراته إلى محور للنقاش العمومي والسياسي، لكن طريقة معالجة هذه الأزمات تكشف عن عمق أزمة الحكامة الديمقراطية في البلاد”.

وأكد البلغيثي أن الملك حين يطرح عبارات مثل “أين الثروة؟” أو “المغرب لا يمكن أن يمشي بسرعتين”، فإنه يفتح نقاشاً وطنياً واسعاً حول قضايا محورية، لكن المقلق، في نظره، أن “هذه الأزمات يتم التعامل معها دائماً عبر وزارة الداخلية أو عبر لجان تقنوقراط، مثل اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، دون أن يكون للمؤسسات المنتخبة دور فعلي”.

ويشير البلغيثي إلى أن “وزارة الداخلية كُلفت مجدداً بالإشراف على جيل جديد من مشاريع التنمية للحد من الفوارق المجالية، غير أن هذه الوزارة هي نفسها التي أشرفت لعقود على مثل هذه البرامج، وكانت نتائجها متعثرة وفاشلة في جوانب كثيرة، مما يجعل إعادة تكليفها تكريساً للمسؤول عن الفشل بدل محاسبته”.

ويضيف أن “منح وزارة الداخلية وأطرها غير المنتخبين صلاحية وضع البرامج التنموية وتنفيذها، يطرح سؤال الجدوى من وجود الأحزاب السياسية، فالأحزاب من المفترض أن تقدم برامج بديلة وتتنافس ديمقراطياً، لكن في ظل هذا الواقع تصبح مجرد مؤسسات شكلية”.

ويخلص البلغيثي إلى أن “المغرب يعيش معضلة سياسية عميقة، حيث يُعهد بإنتاج نموذج جديد للتنمية إلى نفس الجهة التي فشلت سابقاً، وهو ما يُجرد المؤسسات المنتخبة من وظيفتها الجوهرية، ويفرغ الحديث عن الخيار الديمقراطي، الذي نص عليه الدستور كثابت أساسي، من أي معنى عملي”.

من جهته، يشدد أستاذ القانون الدستوري عمر بندورو، على أن “السياسة العامة في المغرب، سواء في المجال التنموي أو غيره، تُصاغ أساساً في القصر، وأن المؤسسات الأخرى، سواء كانت وزارات أو هيئات خاصة، تتولى فقط التنفيذ وفق ما يقرره الملك”.

ويرى بندورو أن “الدستور المغربي يبقى في هذا السياق حبراً على ورق، لأن الإرادة الملكية هي التي تحدد التوجهات وتكلف الجهات المنفذة، وهذا يعني بحسبه أن الحكامة في المغرب لا تستند فعلياً إلى النصوص الدستورية، وإنما إلى التعليمات الملكية المباشرة”.

ويعتبر المتحدث أن “اختيار وزارة الداخلية لتنفيذ السياسات الملكية ليس جديداً، بل يؤكد مكانة هذه الوزارة باعتبارها أم الوزارات، فهي المكلفة بالسياسة الأمنية، وتمتلك الأدوات السلطوية لإنجاز البرامج الملكية”.

كما يشير إلى أن “الأحزاب السياسية في المغرب ظلت على الدوام مهمشة، ولا يُناط بها سوى أدوار محدودة، أبرزها التواصل مع المواطنين وحثهم على الانخراط في السياسة الرسمية، أما في ما يتعلق بالقرار الحقيقي، فهي مستبعدة من المشاركة فيه”.

في نفس السياق، قال كمال الهشومي، أستاذ العلوم السياسية كلية الحقوق أكدال، إن “تكليف وزارة الداخلية مرة أخرى بملف التنمية يعكس استمرار هيمنتها على تدبير السياسات الترابية، سواء من حيث الإشراف أو الوصاية الفعلية، رغم أن هذا المصطلح تم تجاوزه قانونياً، مفسرا ذلك بما تملكه الداخلية من خبرة تقنية وموارد مالية كبيرة، فضلاً عن مكانتها باعتبارها الضامن لتنفيذ القرارات بشكل سريع وفعال”.

غير أن الهشومي حذر من أن “هذا التوجه قد يعمق الهوة بين الناخبين والأحزاب السياسية، إذ يظهر ضعف هذه الأخيرة وعجزها عن لعب أدوارها الدستورية كاملة في صياغة وتنفيذ البرامج التنموية، الأمر الذي قد يؤدي، في نهاية المطاف، إلى إضعاف الثقة في المجالس المنتخبة ويفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها”.

وأضاف أن “هذا الخيار ينطوي على خطر تهميش الوظيفة الدستورية للأحزاب السياسية، ويقوض مفهوم الديمقراطية التي أساسها الانتخابات”، مؤكداً أنه “لا معنى لانتخابات دون أحزاب قوية، ولا لديمقراطية تُفرغ من مضمونها، إذ أن المجال العام، في نظره، يفترض أن يكون ساحة تنافس سلمي بين البرامج والمشاريع على قاعدة المحاسبة والتتبع، لا مجرد فضاء لشرعنة قرارات فوقية”.

وأوضح الهشومي أن “اعتماد التنمية على مقاربة فوقية تديرها الإدارة المركزية، بدل أن تكون ثمرة نقاش سياسي ومجتمعي، يضعف الثقة في المؤسسات التمثيلية، ويكرس الاعتماد المستمر على وزارة الداخلية كفاعل محوري”.

وأكد أن “استمرار هذا النهج، وإن كان يعكس واقعاً قائماً، فإنه لا يجب أن يتحول إلى أمر واقع دائم، لأن ذلك سيُفقد العملية الديمقراطية معناها، ويجعل التنمية مجرد قرار إداري تقني بدل أن تكون مساراً مجتمعياً يشارك فيه الجميع”.

ووجه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مراسلة للولاة والعمال يدعو فيها إلى تطوير جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، بهدف تعزيز التشغيل والخدمات الاجتماعية الأساسية وإدارة أزمة المياه، لتقليص الفوارق المجالية، مع التحذير من استغلال هذه البرامج انتخابيا.

وقال لفتيت في الدورية إن هذه البرامج تأتي تنفيذا للتوجيهات الملكية لبلورة جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وترسيخ الجهوية المتقدمة، ومبادئ التكامل والتضامن بين الجماعات الترابية، بهدف ضمان ولوج عادل لكل مواطن لثمار التنمية.

وتوقفت الدورية على ما ذكره خطاب العرش الأخير من أن بعض المناطق لم تستفد بشكل كامل من تأثير دينامية التنمية، وهو ما يتطلب إعادة توجيه نهج التنمية ليكون أكثر استهدافا واستباقية، بتأثير محلي قوي.

وأكد لفتيت أن هذه البرامج يجب أن تكون قادرة على الاعتماد على تجميع جهود جميع أصحاب المصلحة، وعلى تنسيقها حول أولويات محددة بوضوح، ومشاريع تحقق تأثيرات حقيقية، وتغطي على وجه الخصوص تعزيز التشغيل بالاعتماد على الإمكانات الاقتصادية المحلية وخصوصيات كل إقليم، وتهيئة مناخ ملائم لريادة الأعمال والاستثمار المحلي، وخلق فرص العمل، وخاصة في القطاعات الإنتاجية.

وينبغي، حسب الدورية، تعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية، ولا سيما من خلال تحسين وتعزيز قطاعي التعليم والرعاية الصحية، بما يضمن كرامة المواطنين، ويرسي العدالة المجالية، ويقلص التفاوتات، كما شددت الدورية على ضرورة الإدارة الاستباقية والمستدامة للموارد المائية في ظل تفاقم أزمة المياه وتغير المناخ.

ودعا لفتيت الولاة والعمال إلى الشروع، في أقرب الآجال، في إطلاق سلسلة من المشاورات مع كافة الفاعلين المعنيين، بهدف إعداد هذه البرامج التنموية الجديدة، مع التركيز على أن هذه العملية ينبغي أن تعتمد على نهج تشاركي.