إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب.. خبراء يحذرون من عدم الالتزام السياسي بـ”القانون الإطار”
تساءل الأكاديمي والوزير السابق خالد الصمدي حول الإجراءات التشريعية التي قامت بها الحكومة الحالية منذ 2021 في مسار تنزيل إصلاح المنظومة التربوية بالمغرب ضمن القانون الإطار للتربية والتعليم، محذراً من أن يكون التعليم بالمغرب مهدد ببرنامج استعجالي جديد في حال عدم التدبير الجيد لزمن الإصلاح “ما قد يفوت على المغرب مجدداً فرصة الإصلاح وإن كانت هذه المرة مؤطرة بالقانون”.
وأضاف الصمدي، في معرض حديثه خلال ورشة علمية ناقشت إصلاح منظومة التربية والتكوين والقانون الإطار رقم 51.17 الذي يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، إن هذا الأخير قانون تعاقدي ملزم للحكومات المتعاقبة بموجب نص الخطاب الملكي السامي، وهو “ما يعني مبدئياً عدم الحديث عن مرجعية أخرى خارجه، ومن أراد ذلك فعليه العمل على تعديل القانون الإطار الذي يمر من المجلس الوزاري وبالتالي يكون للملك فيه نظر”.
لكن مادام أن هذا القانون، الذي عده القيادي في حزب العدالة والتنمية أول قانون إطار لإصلاح التعليم في المغرب، “لم يخضع لأي تعديل حتى الساعة، فإنه من المفترض أنه يكون مرجعية التنزيل والتقييم لإصلاح المنظومة التربوية”، مستعرضاً خلال الورشة التي نظمها منتدى المتوسط للتبادل والحوار، الأربعاء 25 شتنبر 2024، مراحل إعداده والمصادقة عليه من قبل الأحزاب، أغلبية ومعارضة، وتتبع تنزيله والتي كان آخرها إعداد المخطط التشريعي في الحكومة السابقة لتنزيل مقتضيات القانون الإطار في 83 نص بين مرسوم وقانون وما يتبعها من قرارات، فضلاً عن “إعداد حافظة مشاريعه ذات الأولوية، والتي تم تدقيقها والمصادقة عليها في اللجنة الوطنية لتتبع تنزيل الإصلاح التي يرأسها رئيس الحكومة وتم إحداثها بموجب قانون ومرسوم”.
وأشار إلى أن اللجنة الوطنية لتتبع تنزيل إصلاح ورش التربية والتكوين كانت تضم 18 قطاعاً حكومياً وعدداً من المؤسسات العمومية، “وقد عقدت 4 اجتماعات في ظل الحكومة السابقة، صادقت على المخطط التشريعي وحافظة المشاريع، وشرعت في تنزيل بعض النصوص التننظيمية والتطبيقية”.
ونبه خالد الصمدي، الذي شغل منصب كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي سابقا، إلى خطورة “السقوط مرة أخرى في الحديث عن برنامج استعجالي كما وقع بالنسبة للميثاق الوطني للتربية والتكوين”، لافتاً إلى أن أبرز الإشكالات التي أدت إلى إخفاق هذا الأخير، “عدم تحويله إلى قانون إطار ما حال دون تنفيذ العديد من مقتضياته، والاقتصار في التنزيل وفق الأولويات الحكومية وليس برؤية استراتيجية، في ظل الفرق الشاسع بين الزمن الحكومي وزمن الإصلاح”.
ومن جهته، أرجع المفتش التربوي والفاعل السياسي حسن عديلي سبب ضعف المنظومة التعليمية إلى عدم الاستقرار، “وافتقاد الخطط الإصلاحية لصفة الإلزام، ما جعل البلاد تتنقل ببين إصلاحات متعددة بعناوين وأولويات واختيارات ومقارابات مختلفة”، لذلك كان لا بد من اعتماد قانون إطار يتضمن قواعد قانونية ملزمة تشكل مرجعاً للإصلاح حسب المتحدث، الذي لفت إلى أنه يتمتع برهانات استراتيجية أبرزها “كونه خياراً ملكياً يجسد تعاقداً وطنياً يلزم الجميع بقواعد قانونية ليست خاصعة للزمن السياسي ولا تنتهي بتعاقب الحكومات أو الوزراء”، إضافة إلى أنه “رهان تنموي يسعى لتحقيق مشروع مجتمعي للبلاد وتحقيق أهداف التنمية البشرية المستدامة وضمان الحق في التربية للجميع”.
ومن رهانات القانون الإطار أيضاً إضافة إلى كونه مجتمعياً “الاستمرارية” حيث يعد مرجعية تشريعية ملزمة في اتخاذ النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة، فضلاً على أنه رهان إصلاحي يجيب على مختلف الإشكالات التي تضمنتها عدة تقارير، يضيف المتحدث ذاته.
ولفت البرلماني والعضو السابق بلجنة التعليم والثقافة والاتصال، إلى أن القانون الإطار من النصوص القانونية القليلة التي عرفت توافقاً واسعاً طيلة مساره التشريعي، حيث باستثناء مادتين تمت المصادقة على جميع مواده بالإجماع، واستعرض عدة مواقف عبرت عنها عدد من الأحزاب ضمن المعارضة والأغلبية آنذاك تدعم القانون الإطار، مشيراً إلى أن المشكلة اليوم تتعلق بغياب الالتزام السياسي في صفوف هذه المكونات السياسية.
وأورد النائب البرلماني السابق عن فريق العدالة والتنمية عدة مؤشرات على “منحى تراجعي يعيد إنتاج نفس أخطاء الماضي”، بينها تسمية الوزارة الوصية بوزارة التربية الوطنية والتعليم والأولي لافتاً إلى أن الإشارة إلى التعليم الأولي ضمن هذه التسمية لا معنى له، كون أن “المادة الثامنة من الإطار نصت على دمجه ضمن التعليم الابتدائي”، كم أن لإقحام الرياضى في قطاع التربية الوطنية ” لا ينطلق من أية خلفية منهجية تصورية تعود بالنفع أو لها أثر تنظيمي بيداغوجي على القطاع نهائياً”، منتقداً في نفس الوقت فضل التربية الوطنية عن التكوين المهني والتعليم العالي.
ونبه إلى أن تعطيل اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح المنظومة التعليمية، إضافة إلى تبني خيارات بيداغوجية من قبيل تجربة مدارس الريادة قبل إصدار المرسوم المتعلق باللنجة الدائمة لملاءمة البرامج “مما يعتبر مصادرة لاختصاصاتها”، من مؤشرات هذا التراجع، بالإضافة إلى إخراج النظام الأساسي لأطر وزارة التربية الوطنية قبل إصدار الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات، والحديث بمجلس الحكومة في شتنبر 2023 عن مراجعة شاملة لأحكام القانون الإطار 51.17، عاداً إياه “أخطر تصريح صدر عن الحكومة في هذا الصدد”.