إرهابيون.. وإرهابية

من البداية أصرّح بمن أعني: أقصد المتشبه بهم بالسعي إلى ارتكاب أعمال إرهابية في المغرب اعتقلهم الأمن، وأيضا وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف.
صباح الأربعاء 19 فبراير 2025، أعلن الأمن إفشال “مخطط إرهابي بالغ الخطورة كان يستهدف المغرب”. وشملت العملية مدناً عدة. من خلال المصرّح به يبدو أن الحديث يدور عن مخطط متقدّم يمثل خطرا وشيكا. وقد اطلع الناس على التفاصيل وقرأوا البلاغ، ولا حاجة للتكرار.
ما يهمني الآن هو التعقيب على نوعٍ من التشكيك في هذا النوع من العمليات، علما أننا لا نحتاج إلى كثير استدلال لإثبات حقيقة الخطر الإرهابي، بناء على سوابق أُزهقت فيها أرواح، في المغرب وفي أكثر من بلد. لذا يكون التشكيك المطلق ودون دواعٍ في اعتقال المشتبه بهم نوعاً من الانفصال عن الواقع، ونفياً للمُثبت بشأن الظاهرة الإرهابية، أو حدّ الأدنى استخفافا بجدّية إجرام عابر للحدود يتقصّد الإيذاء بقتل الناس. والمُثبت أيضاً أن بلدنا كان عرضة لأعمال إرهابية دامية، ولا أحد ينسى تلك الليلة التي ضربنا فيها الإرهاب بشكل وحشي في 16 ماي 2003، وبعد ذلك تفجير مقهى أركانة في مراكش في 2011، وغيرها من الجرائم.
وفي السياق، يكون واجباً الإشارة إلى إقرارٍ دولي بكفاءةٍ مشهودةٍ للأمن المغربي في مكافحة الخطر الإرهابي، وبفعاليته محلياً ودوليا، وباعتباره شريكاً فاعلا وموثوقا في دوائر الاستخبارات المعنية بمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
ومع ذلك، سيكون مهمّا أن نسأل عن خلفيات تشكيك الناس في نشاط الأجهزة الأمنية لإزالة الخطر الإرهابي، وتحييد المخاطر المحتملة أو الوشيكة، ضمن واجباته الحيوية لتجنيب بلدنا إجراما لا يكاد يسلم منه بلدٌ.
لا بدّ أن يكون هناك تفسير لهذا “التشكيك غير النافع”، خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي. وأسجّل أن هذا النوع من الريبة غالبا يستهدف حسابات من عوّدوا متابعيهم على قلب الحقائق، وتزييف الوقائع وليّ عنقها لتبييض صفحات سوداء في تدبير مؤسسات بلدنا لشؤون مواطنيه. بذلك يكون التشكيك في أخبار استهداف الخلايا الإرهابية نوعاً من رد الفعل على أكاذيب يروّجها هؤلاء باستمرار، حتى إذا جدّ الجِدُّ وجدوا أنفسهم بدون مصداقية، ما ينزع المصداقيةَ عمّا يجب أن يكون مدعوماً من الناس، لجهة رفض الإرهاب ودعم تفكيكه، واستهدافه بالقانون.
ثم هناك من لا يزال يحمل تشكّكا في عمل الأمن بناءً على سوابق متراكمة، بعضها ينتمي لعقود حفرت في الذاكرة، تغطي مساحة من التجاوزات إلى الانتهاكات، وبعضها جديدٌ ناشئٌ عن شطط بعض رجال الأمن، أو إخفاقات في معالجة ملفات ذات صلة بالحريات اقترنت بانتهاك حقوق مواطنين. وإنّ تخليصَ ضمائر الناس من التشكيك يبقى مهمة الأمن الذي يفترض أن يسعى، بالإضافة إلى فعاليته في محاصرة الخطر الإرهابي، إلى تأكيد أنه جديرٌ بثقة المواطنين الذين يخدم استقرارهم وأمنهم، عبر مزيدٍ من التعبير عن التزامه بالقانون، ومن خلال الممارسة، باحترامه للحقوق، وتكريس واقعٍ مؤسّسي يُعلي من قيمة دولة المواطنين، والذي يجب أن يُعاملوا بمحددات القانون لا من خارجه.
إن تكريس صورة مؤسسةٍ مواطِنة ومؤمنة بالقانون، وتحترم نطاق مهامها، جزءٌ صميم من نجاحاتها، ضمن عملية تجعل إقناع المواطنين بمِهنيتها ضمن التزاماتها. وإنْ كان من الإجحاف القول إن المؤسسة الأمنية لم تتطوّر في السنوات الأخيرة، وعدم الإقرار بأنها أكثر التزاما بالقانون واحتراما لحقوق الإنسان، وأنها تشهد تحولات مؤسِّسة نحو المِهنية، بالمقارنة مع سنوات الانتهاكات الجسيمة، فإن الاكتفاء بذلك، دون طلبِ المزيد، سيكون خياراً القانِع بالحد الأدنى، فيما الطموح أن ترقى الأجهزة الأمنية إلى مستوى يجعلها فوق الشبهة، ويبرز دورها ظهراً حامياً للوطن والمواطنين، لا هدفاً للتنازع والتشكيك.
وهنا، أحيل تاليا على موضوع مُرتبطٍ يتعلّق بمتانة واستقلالية القضاء. فالتشكيك في وجود الخطر الإرهابي، وتصوير عمل الأمن كأنه نوع من الاستعراض والفبركة، هو من حصاد ضعف القضاء الذي لا تزال تحيط به أكثر من علامة استفهام، نحو الإقناع به سلطةً تحقّق الإنصاف، وتنتصر للعدالة والقانون، وتشيع الاطمئنان في وجود جدارِ صدٍّ في وجه انتهاك الحقوق، وتضييق هوامش اتهام المواطنين دون إثبات، وتحقيق التناسب في العقوبة عند تقدير الإدانة، من داخل القانون، لا وفق هوى سلطٍ أخرى لا يجب أن تمارس نفوذها على القضاء.
إن تعميق الشعور باستقرار العدالة، من خلال تخليص جهاز القضاء من أي نفوذ غير سلطان القانون، سيعني للناس رسالةَ اطمئنان، تفيد بأن العقوبات لا تترتّب بحقّ الناس إلا بالدليل، وأن أي متهم بريءٌ حتى تثبت إدانته، وأن سلطات الاتهام بمختلف درجاتها مسؤولة على الإتيان بالدليل والإقناع به. وهذا من شأنه أن ينعكس على أداء الأجهزة الأمنية خلال استهداف التطرّف العنيف وكل الأعمال المُجَرَّمة، بإعمال معايير عالية الكفاءة، تحفظ حقوق المواطنين الذين لن يجري توقيفهم إلا بوجود دواعٍ معقولة ومُسَوَّغة قانوناً، بما يؤدي بالمُحصّلة إلى تجويد عمل الأمن وجعله فوق كل تشكيك.
ومادام الإرهابُ “ملّةً واحدة”، وفي اللحظة التي كان فيها الأمن يعتقل مشتبهاً بهم بالتحضير لأعمال إرهابية، جلست الوزير الإسرائيلية ريغيف في مؤتمر في مراكش. قوبلت زيارتها بتنديد واسعٍ باعتبارها وجها آخر للإرهاب، وباعتبارها شخصاً غير مرحّب به، مادامت جزءاً من حكومة متهمة أمام أعلى مرجعية قضائية في العالم ( محكمة العدل الدولية) بتهمة تنفيذ أعمال إبادة في حق الفلسطينيين بغزة.
ريغيف، التي سبق أن وصفت الأذان بأنه “نباح كلاب محمد”، جزءٌ من حكومةٍ يراها طيفٌ واسع من الحقوقيين في العالم ورجال قانون، وبنظر الشعوب الرافضة للظلم والمؤمنة بحقوق الإنسان، وبتقييم حكومات في أكثر من قارة، إرهابيةً، ورئيسها في الحكومة نتنياهو متهمٌ بجرائم حربٍ ومطلوب للاعتقال بموجب مذكرة توقيف دولية صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
هذه العضو في حكومة الإبادة الجماعية، والمعروفة بتصريحاتها العنصرية ضد العرب والمسلمين، ودعواتها للتطهير العرقي في فلسطين، ضابطةٌ سابقة برتبة لواء، وكانت متحدثة باسم جيش الاحتلال، وقد اشتغلت في مسارها مع مجرم الحرب الآخر أرييل شارون. ولا يُشرّف أي بلد أن تنزل ضيفةً عليه، ومؤسف أنها حلّت بمراكش، وغادرت دون أن تطالها يد العدالة.
الاحتجاج على ريغيف، المولودة لأب من يهود المغرب وأم من يهود إسبانيا، اتخذ كل الألوان، من الشارع عبر مسيرة في أحد أبرز شوارع وأرقى أحياء مراكش، وحتى داخل قاعة المؤتمر بانسحاب وفود مع بدء كلمتها، وأيضا في ردهات المحاكم حين رفع محامون دعوى لمنع دخولها التراب المغربي باعتبار عضوٌ في حكومة متهمة بالإبادة الجماعية، فضلا عن أصوات كثيرة في شبكات التواصل استقذرت أن تكون ضيفة على المغرب خلال انعقاد المؤتمر الوزاري العالمي للسلامة الطرقية. بل إن معلقين كتبوا أنها تحضر لتُنَظِّر في السلامة الطرقية، فيما جيش حكومتها الإجرامية قتل أكثر من 60 ألف فلسطيني في 15 شهراً، ولم يُبقِ أي معالم للعمران في قطاع غزة، وهدم كل أسباب العيش فيه، لفرض التهجير القسري.
بموجب القانون الدولي، ميري ريغيف مشتبهٌ بها أيضا بالمشاركة في ارتكاب أعمال إرهابية، وفي جرائم حرب، بسبب عضويتها في حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، وباعتبار سابق انتسابها للجيش الإسرائيلي برتبة لواء.
قصارى القول
الإرهاب واحدٌ بغض النظر عمّن يصدر، عن شابٍ بتعليم محدودٍ، أو عن وزيرة متأنّقة تحظى بمراسم استقبال رسمية وحرس شخصي وألقاب. كلهم أيديهم ملطّخة بدماء الأبرياء، ويجب أن يحاكموا من داخل قفص الاتهام نفسه لعدوانهم على الإنسان واستهدافهم للحق في الحياة. ريغيف، المنتمية إلى حزب الليكود الذي يؤمن بفكرة “إسرائيل الكبرى”، لا تختلف نهائيا عن الإجرام الناشئ عن التطرف العنيف. دولة الاحتلال إجرامية بموجب القانون الدولي الذي يتابع قادتها بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويلاحق جنودها في أكثر من بلد بعد 15 شهرا من المجاهرة بالقتل في الأراضي المحتلة.