story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

أكتوبر الصحراء

ص ص

يقترب شهر أكتوبر الحالي (2024) من منتصفه، ليفصلنا أسبوعان عن نهاية ولاية بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء (مينورسو)، وبالتالي صدور القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي الذي يجدد ولايتها، ويرسم معالم الحل الذي يراه الجهاز التنفيذي لمن يحكمون العالم، مناسبا لقضية وحدتنا الترابية.
أصبح هذا الشهر مصيريا بالنسبة لهذا الملف، لما دأب عليه صنّاع القرار العالمي من لقاءات وتفاوض وتصويت على قرارات تهم ملف الصحراء، باستثناء الفترة العصيبة التي تقرر فيها تحويل هذا الاستحقاق إلى موعد نصف سنوي، في أبريل وأكتوبر من كل سنة.
لكن أكتوبر هذا العام يحلّ في ظل وضع مغاير عن السابق. والدليل الأوضح هو تخصيص خطاب الملك بمناسبة افتتاح البرلمان يوم الجمعة الماضي، وعلى غير العادة، لهذا الموضوع.
الملك أشاد بالاعتراف الفرنسي، وشكر رئيس الجمهورية الفرنسية على اتخاذه، كما نوّه بالتقدّم الإسباني في الموقف تجاه وحدة المغرب الترابية، وبالدول التي تقوم بأنشطة تجارية أو استثمارية مع الأقاليم الصحراوية، غير آبهة بالعراقيل التي يضعها خصوم المغرب. وهذا يعني أن مجلس الأمن الدولي، ومعه مجموعة أصدقاء الصحراء، أمام اختبار حقيقي هذه الأيام.
المعطيات التي تسرّبت من التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة، والذي وجّهه إلى مجلس الأمن بداية هذا الشهر، لا تحمل ما يخرج عن الإطار الكلاسيكي المعتاد في هذه الوثيقة، وإن كانت تتضمن بعض التفاصيل المهمة حول ما يجري ميدانيا (…).
وتبقى الوثيقة الأهم والأكثر تأثيرا، هي المسودة التي ينتظر الإفراج عنها هذا الأسبوع لمشروع قرار مجلس الأمن الدولي، والتي ستعدّها حاملة القلم، أي الولايات المتحدة الأمريكية، وتتوافق حولها مع دول باتت من بينها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، هي فرنسا، والقوة الاستعمارية السابقة والتي يفترض أن تقرير المصير يتمّ في مواجهتها هي لا في مواجهة المغرب، أي إسبانيا التي يقال إنها باتت أقرب إلى الاعتراف بمغربية الصحراء من أي وقت مضى.
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وبعد الاعتراف الرسمي الذي أقره الريس الأمريكي السابق (وربما المقبل) دونالد ترامب، والخطوات البطيئة التي تقدم بها هذا المسار نحو شمل الأقاليم الجنوبية للمغرب ببعض المعاملات التجارية والمالية، واعتماد خريطة كاملة للمملكة بشكل رسمي، دون أن يتحقق مشروع القنصلية الأمريكية الموعودة في الداخلة؛ جاءت وزارة خارجيتها قبل أيام لتنكأ جرح المغاربة بتصريح رسمي لها، عقب استقبالها الوزير المغربي ناصر بوريطة، وصفت فيه مقترح الحكم الذاتي بأحد الحلول “الممكنة” للنزاع، أي أنها تركت الباب مواربا أمام احتمالات أخرى.
مصادر خاصة تحدثت إلينا بعد هذا التصريح، قللت من أهمية العبارة المستعملة، واستبعدت حدوث أي تراجع في الموقف الأمريكي، بالنظر إلى المسار الذي بات يندرج فيه، خاصة بعد الاتفاق الثلاثي. لكن هذا التباين الفاقع بين الموقف الأمريكي المعبّر عنه بشكل ثنائي للمغرب، أو بشكل أحادي مثل اعتماد خريطة المغرب كاملة؛ وما تخطّه يدها ليصبح مسودة لمشروع قرار مجلس الأمن الدولي، لم يعد مقبولا ولا منطقيا، خاصة بعد التحاق فرنسا واسبانيا بمسار الاعتراف بمغربية الصحراء.
نعم هناك فاعلون آخرون لم يلتحقوا بعد بهذا المسار، وهم بالخصوص الأعضاء الثلاثة الآخرون دائمو العضوية في مجلس الأمن الدولي، أي بريطانيا والصين وروسيا. لكن ما يعلن رسميا حتى الآن من تطوّر في العلاقات والمصالح التجارية والصناعية والطاقية مع كل من الصين وبريطانيا، لا يمكن أن يكون صحيحا دون أن يٌستثمر في اتجاه الامتناع عن التصويت على الأقل، إن لم يكونا جاهزين الآن لدعم تقدّم ولو جزئي في موقف مجلس الأمن الدولي.
ليبقى ال”فيتو” الروسي مقبولا ومتوقعا في حال حدوثه، دون أن يكون له انعكاس سلبي مباشر على المغرب، لكونه سيكون موجها ضد الخصوم الغربيين لموسكو وليس ضدنا.
لكن من غير المقبول ولا المنطقي أن تعبّر الإدارة الأمريكية عن موقف داعم للمغرب في واشنطن، لنكتشف في نيويورك إدارة أخرى مختلفة، تستعمل لغة وأسلوب ما قبل دجنبر 2020.
هنا يبرز دور كل من فرنسا وإسبانيا، خاصة هذه الأخيرة التي تحضر بقوة في التفكير الذي يقوم به العقل الأمريكي تجاه ملف الصحراء، كما تعبّر عن ذلك وثائق وتقارير الأرشيف السري الذي تم نشره في السنوات الأخيرة.
القوة الاستعمارية السابقة في الصحراء، مطالبة بمنح دورها داخل مجموعة أصدقاء الصحراء معنى من خلال الدفع نحو تقدم المسودة الأولية لمشروع قرار مجلس الأمن الدولي نحو الحل السياسي وزحزحة المسار الأممي عن حفرة الاستفتاء التي وقع فيها منذ سنوات طويلة دون أن يقوى على تجاوزها.
وبين الدورين الأمريكي والإسباني، يبرز الدور الفرنسي الذي يحمل إرث مؤتمر الجزيرة الخضراء، والذي منح المنطقة المغاربية لباريس كمنطقة نفوذ ومصالح حيوية، ما يعني حيازتها الشرعية الكافية، في مواجهة المنظومة الغربية خصوصا والدولية عموما، لطرح مبادرات متقدمة لحل نزاع الصحراء، وتحمّل مسؤوليتها في “مرافقة” الجزائر نحو الخروج من موقفها المتصلّب، والذي لا يمكن حلّ النزاع بدون تجاوزه.
أمامنا أسبوعان إلى ثلاثة من التشويق والترقب، لأن ما ستسفر عنه مداولات مجلس الأمن الدولي ثم تصويته، سيعني أحد أمرين: رسملة ما تحقق من خطوات متقدمة في مواقف دول فاعلة ومؤثرة، وتحقيق اختراق موعي في المسار الأممي؛ أو اجترار المواقف والقرارات السابقة، وبالتالي بقاؤنا تحت رحمة هذه القوى بما تتقنه من توزيع الأدوار وتلاعب بالمصالح.