أعرق مهرجان للشعر يطفئ شمعته الـ36 بسبب غياب الدعم وسط غضب واسع

خلّف إعلان جمعية أصدقاء المعتمد عن تأجيل الدورة السادسة والثلاثين من المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث، الذي كان من المرتقب تنظيمه بمدينة شفشاون ما بين 11 و13 يوليوز الجاري، موجة من الاستياء في الأوساط الثقافية والأدبية، وسط تساؤلات حول مصير التظاهرات الجادة في البلاد.
وعبّر العديد من الكتّاب والشعراء والأدباء، سواء على المستوى المحلي أو العربي، عن تضامنهم مع مهرجان الشعر المغربي الحديث، من خلال تدوينات ومواقف غلب عليها الحزن والاستياء.
وقد اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجة من التعاطف، حيث عبّر مثقفون وفنانون عن تحسرهم الشديد على توقف هذا المحفل الثقافي العريق، الذي كان يمثل، لسنوات، موعدًا سنويًا للاحتفاء بالكلمة الحرة والإبداع الشعري في مدينة شفشاون، ويشكل فضاءً فريدًا للقاء بين الأجيال والتجارب الشعرية المتنوعة.
ووصف بعضهم قرار التأجيل بـ”النكسة الثقافية”، معتبرين أن غياب الدعم لمهرجان بهذا العمق الرمزي والأدبي، يكشف حجم التراجع في الاهتمام بالمبادرات الثقافية الجادة، مقابل التركيز على تظاهرات استعراضية أو مناسباتية لا تخدم بالضرورة الذاكرة الثقافية المغربية.
وكانت دورة هذه السنة تحمل شعار: “67 سنة من الإبداع والغوص في الصناعة الثقافية”، غير أن غياب الدعم المالي من مختلف المؤسسات الرسمية محليًا وجهويًا ومركزيًا حسب بلاغ الجمعية، أجبرها على اتخاذ قرار التأجيل.
وحسب ما جاء في بلاغ الجمعية أنه رغم “المراسلات المتكررة إلى وزارة الشباب والثقافة والتواصل ومؤسسات أخرى، لم تتلقَّ أي تمويل فعلي يُمكّن من تنظيم الحدث في ظروف تليق بمكانته الرمزية”.
في هذا السياق، عبرت سلوى البردعي، عضو المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، عن أسفها لهذا القرار المفاجئ، معتبرة أن ما حدث “يطرح سؤالًا جوهريًا حول مستقبل التظاهرات الثقافية الجادة في المغرب”.
وأوضحت البردعي في تصريح لصحيفة صوت المغرب، أن ما فاجأ الجميع هذا العام هو إعلان جمعية أصدقاء المعتمد عن صعوبات مالية قاهرة حالت دون تنظيم مهرجان الشعر، الذي يُعدّ المهرجان الشعري الوحيد في المغرب.
واعتبرت أن “هذا الوضع يطرح تساؤلات حقيقية حول دور وزارة الثقافة، التي من المفترض أن تتحمل مسؤولية دعم مثل هذه المبادرات الثقافية، من خلال توفير الغلاف المالي اللازم لضمان استمراريتها، بدل ترك الجمعية تواجه العجز المالي بمفردها، أو الاضطرار إلى طرق أبواب المجالس الترابية التي تعاني بدورها من اختلالات تمويلية مزمنة”.
وأكدت المتحدثة أن وزارة الثقافة تتحمل المسؤولية عن هذه الوضعية، بالنظر إلى ما تتوفر عليه من إمكانات قادرة على دعم هذا الحدث وتمكينه من إشعاع أوسع واستقطاب عربي أعمق متساءلة بالقول “كيف يمكن تخصيص دعم سخي لمهرجانات سينمائية وفنية، في حين يُهمَل مهرجان شعري عريق أصبح جزءاً من التراث الثقافي والشفوي لمدينة شفشاون؟”
ووجهت البرلمانية نداءً إلى كافة الجهات المعنية، محلية كانت أو وطنية، للعمل على إنقاذ هذا المهرجان من التوقف، معتبرة أنه ركيزة من ركائز السياحة الثقافية بشفشاون، ومكون أصيل من ذاكرة المدينة وهويتها الأدبية.
ويُذكر أن مهرجان الشعر المغربي الحديث بمدينة شفشاون يُعد أحد أعرق التظاهرات الثقافية في المغرب، حيث انطلقت أولى دوراته منذ أزيد من خمسين سنة، وشهد عبر تاريخه الطويل مشاركة أسماء بارزة في الشعر المغربي والعربي.
وكانت مدينة شفشاون قد احتضنت فعاليات المهرجان في فضاءات متعددة من بينها دار الشباب وفضاء القصبة، حيث شكّلت هذه المواقع ذاكرةً حيةً لسنوات من الإبداع الشعري والاحتفاء بالكلمة.
ولفت بلاغ جمعية أصدقاء المعتمد إلى أن “إدارة المهرجان اتخذت هذا القرار بعد نقاش عميق ومسؤول”، محمّلة الجهات المعنية كامل المسؤولية في “إفشال تنظيم هذه الدورة، التي كانت ستشهد مشاركة نخبة من النقاد والشعراء والفنانين المغاربة، بالإضافة إلى فعاليات ثقافية وإعلامية وطنية ودولية”.
وشددت الجمعية على أن المهرجان يشكل تقليدًا ثقافيًا وطنيًا عريقًا، انطلق منذ سنة 1965، وأسهم في التعريف بحركة الشعر المغربي الحديث، ويُعد واجهة إشعاعية لمدينة شفشاون على المستوى الوطني والعربي، معبرة عن أسفها العميق لتأجيل الموعد، مؤكدة في الوقت ذاته، أن الاستحقاق سيتم تحديد تاريخه الجديد لاحقًا، في حال توفر شروط الدعم والاحتضان.
ودعا البلاغ جمهور الشعراء والنقاد والفنانين والمهتمين الذين عبّروا عن رغبتهم في الحضور، إلى تفهم أسباب التأجيل، مشيرة إلى تمسكها بمواصلة هذا التقليد الثقافي الأصيل فور توفر الشروط الملائمة.