أطفال السجون والاعتقال الاحتياطي .. إشكالات في مشروع قانون جديد لتدبير السجون
بدأ مجلس النواب، في مناقشة مشروع قانون متعلق بتدبير المؤسسات السجنية، كانت قد أعدته الحكومة، بهدف مراجعة القانون الحالي الخاص بهذه المؤسسات، وتحسين ظروف الاعتقال، في الوقت الذي أظهرت المناقشات الأولية، استمرار طرح إشكالات تدبير الاعتقال الاحتياطي وتواجد الأطفال داخل المؤسسات السجنية، على الرغم من اتجاه الحكومة نحو تعديل القوانين المنظمة لهذه المؤسسات.
مشروع القانون رقم 10.23 الخاص بتدبير المؤسسات السجنية، الذي أعدته الحكومة من أجل مراجعة القانون الحالي رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، بدأت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب مناقشته هذا الأسبوع في جلسات امتدت لساعات طويلة، بحضور وزير العدل عبد اللطيف وهبي، لمناقشة المشروع وتقديم تعديلاتهم عليه، فيما قدم كذلك المجلس الوطني لحقوق الانسان رأيه حول المشروع.
سلامة السجناء والمباني
المشروع الذي صادقت عليه الحكومة شهر مارس، قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي لأول مرة أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب في شهر يونيو الماضي، ليكون أول نشاط له بعد وعكة صحية كانت قد أوقفت نشاطه الحكومي، وسجل أن هذا النص القانوني جاء للتركيز على الحفاظ على سلامة السجناء والأشخاص والمباني والمنشآت المخصصة للسجون، والمساهمة في الحفاظ على الأمن العام وضمان حقوق النزلاء به وأمنهم والنهوض بأوضاعهم الإنسانية، وإصلاح وتقويم سلوك السجناء وإعادة إدماجهم داخل المجتمع.
وأضاف أن هذا المشروع، يحمل تعزيزا للمقتضيات المتعلقة بالقواعد الخاصة بحماية الفئات المستضعفة المحرومة من حريتها ومراعاة احتياجاتها الفردية، كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، تيسيرا لها في التأقلم مع ظروف الاعتقال وتهييئها للاندماج السريع في المجتمع بعد قضاء فترة العقوبة المحكوم بها.
وحسب وهبي فقد روعي في هذا المشروع الحرص على إضفاء الطابع الإنساني على ظروف العيش بالسجون، كفضاء للتأهيل الاجتماعي للأشخاص المحرومين من حريتهم وإعادة إدماجهم في النسيج المجتمعي باعتمادهم على أنفسهم في ظل احترام القانون.
الأنسنة وضمان الحقوق
من جانب آخر، تقول الحكومة على لسان وزير العدل، أن المشروع الجديد يحمل هم ضمان حقوق السجناء غير القابلة للتقييد في تحسين ظروف الاعتقال والمعاملة بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر، دون تمييز في المعاملة بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو غيرها، في انتظار إعادة إدماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم.
وكشف وزير العدل أنه تم التشديد في هذا المشروع على مراعاة حقوق السجناء حيث ضمن لهم الاتصال بمحام من اختيارهم وحق الزيارة وتوجيه الرسائل وتلقيها وحق التطبيب والترفيه وتقديم كل التسهيلات لمتابعة الدراسة والتكوين المهني، وحق المزاولين منهم لنشاط منتج في مقابل منصف وحقوق الدفاع.
علاوة على ذلك، أشار وهبي إلى أن المشروع الحكومي جاء بمقتضيات جديدة تهم الرخص الاستثنائية للخروج بقصد الحفاظ على الروابط العائلية ولتهييئ إدماجهم في المجتمع، وحافظ أيضا على التقيد بالفصل التام والصارم بين النساء والرجال والأحداث في تدبير الحياة مدة الاعتقال.
واجبات انضباط جديدة
وفي المقابل، تضمن النص التشريعي المذكور، وفق وزير العدل حزمة من الواجبات وجب الانضباط لها تحت طائلة توقيع تدابير تأديبية في حق المخالفين لها، مبرزا أن هذا المشروع يشكل لبنة أخرى من اللبنات الأساسية في مسار تصحيح معالم القصور في مضامين القانون الحالي على مستوى معالجته لبعض الإشكاليات المرتبطة بالجوانب الأمنية، خاصة في ظل التطور النوعي والكمي للجريمة بكل تعقيداتها الاقتصادية والنفسية والسوسيولوجية والإيديولوجية.
كما يتضمن المشروع الحكومي الجديدة، موازنة بين طبيعة الجريمة والضرر الذي تحدثه، وبين دور العقوبة السالبة للحرية، ومن خلالها الدور الذي يجب أن تضطلع به المؤسسة السجنية في بعديه الأمني والإصلاحي.
صعوبة فصل الأطفال على الأمهات السجينات
وخلال المناقشة التفصيلية للجنة العدل والتشريع بمجلس النواب هذا الأسبوع لمشروع قانون تدبير المؤسسات السجنية، أثار النواب أمام وزير العدل إشكالية الاعتقال الاحتياطي، وخطورة بقاء الأطفال رفقة أمهاتهم داخل السجون، وهي ملاحظات لم يثرها تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان حول المشروع.
ودعا نواب ضمن مناقشة المشروع إلى تخصيص أماكن للأطفال بعيدا عن مكان تواجد السجينات وما يدور في حياة السجن اليومية، حفاظا على اتزانهم النفسي، وحرصا على سلوكهم التربوي. وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أبدى تفهمه لملاحظات النواب، غير أن المشروع لا يحمل إجابات عليها، حيث رأى الوزير أنه من الصعب فصل طفل عمره أقل من خمس سنوات عن أمه، ومضيفا أنه يتم اللجوء إلى المساطر المعمول بها والاتفاق حول تسليم الطفل إلى الجدة أو أحد الأقرباء بحسب ما تنص عليه القوانين.
في المقابل، وفي نفس النقطة، يقترح المجلس الوطني لحقوق الانسان توفير أماكن مخصصة للأمهات المعتقلات المرافقات لأطفالهن، وإنشاء دور للحضانة داخل المؤسسات السجنية لتوفير الرعاية والمرافقة لهذه الفئة من ساكنة السجون.
الاعتقال الاحتياطي “مؤرق”
خلال مناقشة المشروع في لجنة العدل والتشريع بالبرلمان، أثار نواب إشكالية الاعتقال الاحتياطي الذي لا زال يعتبر من أبرز مسببات الاكتظاظ في السجون، وطالبوا باعتبار توفر الضمانات الكافية كفيلا بأن يظل المتابعون في حالة سراح إلى حين صدور الحكم الابتدائي.
نواب آخرون ذهبوا أبعد من ذلك، وطالبوا وبتسمية السجن الخاص بهذه الفئة “المعقل الاحتياطي”، باعتبار المعنيين لم يصبحوا سجناء بعد، وإنما متابعون في انتظار صدور حكم قضائي.
وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أقر باستمرار طرح إشكال الاعتقال الاحتياطي في المغرب، وقال إن هذا الموضوع “مؤرق”، إذ إن الطاقة الاستيعابية للسجون لا تتجاوز 64 ألفا، وحاليا بلغ عدد السجناء 100 ألف، في الوقت الذي يشكل المعتقلون الاحتياطيون حوالي 43 في المائة من الساكنة السجنية.
المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج كانت قد دقت ناقوس الخطر في السجون بسبب الاكتظاظ، داعية السلطات القضائية والإدارية إلى الإسراع بإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة لتفادي ما قد يترتب عن هذا الوضع الإشكالي المقلق من اختلالات أو حتى انفلاتات أمنية، علاوة عن المشاكل التي من المفروض أن تنتج عنه في ما يتعلق بظروف الإيواء، والتغذية، والتطبيب، والاستفادة من برامج التأهيل لإعادة الإدماج.
إصلاح السجون مرهون بمراجعة القانون الجنائي
وعلى الرغم من أن الحكومة تراهن على هذا المشروع من أجل وضع خطوة في طريق حل الإشكالات التي تتخبط فيها المؤسسات السجنية، إلا أن وزير العدل يقر بأن هذا المشروع لوحده لن يمكن من إحداث فرق كبير بدون إخراج قوانين أخرى.
وزير العدل، وخلال تفاعله مع مداخلات النواب في لجنة العدل والتشريع خلال المناقشة التفصيلية للمشروع، شدد على أن إصلاح المؤسسات السجنية رهين أيضا بمراجعة مقتضيات القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، و أن الهدف من مقتضيات النص هو أنسنة السجون وتحسين وضعية السجناء، وتجنب ظاهرة الاكتظاظ عبر عدد من الإجراءات وتنزيل مشروع قانون العقوبات البديلة.