story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

أسكاس أمباركي.. قصة رأس السنة الأمازيغية منذ عهد الملك شيشنق

ص ص

يحتفل المغاربة هذا الأحد 14 يناير 2024، لأول مرة برأس السنة الأمازيغية كعطلة رسمية تم إقرارها قانونيا، بعد عقود طويلة من النضالات والمطالب التي رفعها رواد الحركة الثقافية الأمازيغية.

وينقسم المؤرخون حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في هذه الفترة تحديدا، ،ذلك في مناطق شاسعة تمتد من ليبيا شرقا إلى المغرب وموريتانيا غربا، بين من يرى أن اختيار هذه الفترة المتراوحة بين 12 و14 يناير، يرمز للاحتفال بالأرض والزراعة، ما جعلها معروفة باسم “السنة الفلاحية”، ومن يربط هذا الأمر بالاحتفال بذكرى اليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي “شيشنق” على الفرعون المصري “رمسيس الثاني”، قبل 2974 سنة.

قرار ملكي وتنفيذ حكومي

تقرر اعتماد 14 يناير عطلة رسمية في المغرب بقرار للحكومة صدر شهر نونبر الماضي، عبد مرسومين يقومان بتحيين لائحة أيام الأعياد التي تؤدى عنها الأجور في المقاولات الصناعية والتجارية والمهن الحرة والاستغلالات الفلاحية والغابوية، وإضافة هذا اليوم إلى لائحة أيام الأعياد المسموح فيها بالعطلة في الإدارات العمومية والمؤسسات العمومية والمصالح ذات الامتياز.

وجاء ذلك “تنفيذا للأمر الملكي القاضي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم بالنسبة للسنة الهجرية وفاتح يناير بالنسبة للسنة الميلادية”. حسب بلاغ أصدرته الحكومة وقتها، فيما تم تحديد عطلة يوم رأس السنة الأمازيغية “في 14 يناير بناء بعد استشارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية”.

وكان الملك محمد السادس قد أعلن في ماي 2023 عبر بلاغ للديوان الملكي، إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، داعيا الحكومة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي.

انتظار طويل

جاءت هذه الخطوة لتتوج عقودا طويلة من المطالب والانتظار، حيث انتظرت المسألة الأمازيغية بالمغرب ما يقرب من أربعة عقود كي تعرف أولى خطوات الانفتاح، حين أعلن الملك الراحل الحسن الثاني عن تخصيص نشرة إخبارية يومية باللهجات الأمازيغية الثلاث (تاريفيت، تامازيغت وتاشلحيت) لأول مرة في التلفزيون العمومي، سنة 1994.

في بدابة “العهد الجديد”، أي بعد تولي الملك محمد السادس الحكم سنة 1999، بدأت الدولة المغربية تولي أهمية للغة الأمازيغية، وتجلى ذلك في مجموعة من المحطات كان أولها خطاب أجدير أثناء الزيارة الملكية إلى هناك في 17 أكتوبر 2001، والذي دعا فيه الملك محمد السادس إلى النهوض بالثقافة الأمازيغية وترسيخها، وهو ما أفضى إلى تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2002، قبل أن يتقرر في السنة الموالية (2003) إدراج اللغة الأمازيغية وتدريسها في المناهج الدراسية الخاصة بالمرحلة الابتدائية.

البيان الأمازيغي

خطوات سبقها تقديم مجموعة من النشطاء والمثقفين المدافعين عن الأمازيغية، ما يعرف ب”البيان الأمازيغي”، وهو عبارة عن بيان حرره المفكر محمد شفيق في مارس 2000 ووضعه بين يدي الملك، وكان بمثابة مانفيستو سياسي للحركة الأمازيغية بتضمنه مطالب على رأسها دسترة اللغة.

وتضمن البيان 9 مطالب أساسية كالتالي:

  1. فتح حوار وطني حول الأمازيغية، بعيدا عن التعصب للعربية
  2. الاعتراف الدستوري بالأمازيغية لغة رسمية وطنية.
  3. رصد برنامج خاص بتنمية المناطق الأمازيغية.
  4. فرض تعليم الأمازيغية في المدارس والمعاهد والجامعات
  5. إعادة النظر في مقررات التاريخ وتشكيل لجنة علمية عليا يوكل إليها وضع برامج التاريخ.
  6. إنشاء تلفزة خاصة بالبث باللغة الأمازيغية، توفير مترجمين بالمحاكم والمستشفيات والإدارات العمومية لمساعدة الناطقين بالأمازيغية، السماح لمنتخبي المجالس الحضرية والقروية بإجراء المداولات باللغة الأمازيغية، رفع الحظر على الأسماء الأمازيغية.
  7. رد الاعتبار للفنون الأمازيغية والعناية بالفنان الأمازيغي.
  8. وقف التعريب القسري للأماكن الأمازيغية
  9. الاعتراف للجمعيات الأمازيغية بصفة المنفعة العامة
    وفي سياق “الربيع العربي” ومبادرة الملك محمد السادس إلى الاستجابة لمطالب الشارع عبر تعديل دستوري حمل مجموعة من المستجدات، تمت دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، حيث نص الفصل الخامس من دستور 2011 على أن اللغة الأمازيغية “تعد (…) أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة من دون استثناء”، مشددا على “أن يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجال الحياة العامة ذات الأولوية، لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية”.

علاقة بخيرات الطبيعة

عمليا تشير جل الطقوس والعادات المتبعة في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى الأرض وخيراتها. فعادة ما يذبح المحتفلون ديكا قبل غروب شمس آخر يوم من السنة، ليكون طبقا رئيسيا للعشاء.

وتفضل بعض الأسر المغاربية إعداد أطباق الكسكس وتحضير الخبز بالأعشاب، وتناول المكسرات والفواكه المجففة مع توزيع حلويات على الأطفال… أما في المغرب فتعد الأسر بعض الأطباق المحلية الخاصة ووجبة الكسكس بالدجاج أو اللحم بسبعة أنواع من الخضر أو أكثر…

وتستند الرواية العلمية المستندة إلى حقائق تاديخية حول بداية التقويم الأمازيغي، إلى بداية عهد الملك “شيشنق”، والذي اعتلى حكم مصر عام 950 قبل الميلاد، بعد انتصاره على الملك الفرعوني وسيطرته على مثر قادما إليها من ليبيا.
فقد بدأ اعتماد هذا التقويم الأمازيغي في سبعينيات القرن العشرين، على يد جمعية أمازيغية تحمل اسم “الأكاديمية البربرية” تأسست عام 1966 في فرنسا على يد مجموعة من الأكاديميين، واعتبرت هذه الهيئة سنة 950 قبل الميلاد، بداية لهذا التقويم، وهو ما يصادف بداية عهد الملك شيشنق في مصر الفرعونية.

أسرة شيشنق الأمازيغية

علميا، تعرّف العالم لأول مرة على الملك شيشنق سنة 1940، وذلك حين تمكن الفرنسي “بيير مونتي” من اكتشاف مقبرته بكامل كنوزها ولم تتعرض للنهب. ونظرا لحجم الفضة التي عثر عليها بمقبرته سمي بالفرعون الفضي.

ويعود أصل أسرة شيشنق إلى ليبيا، وهي عبارة عن مجموعة من الأثرياء الذين استقروا في مدينة إهناسيا الواقعة في محافظة بني سويف، لكنهم مدوا نفودهم تدريجيا لغاية الفيوم، وكانوا يحترفون العمل العسكري.

نجح المقاتلون الليبيون “المشواش” في أن تكون معظم وحدات الجيش الفرعوني قاصرة عليهم وحدهم، وكان رؤساؤهم يتمتعون بنفوذ كبير لأن البلاد كانت في حالة انهيـار سياسي وعـسكري واقتصادي، وهي منقسمة إلى عدة ممالك، وأصبحوا يمثلون القوة العسكرية، واستغلوا هذا التفوق لكي يسيطروا على العرش.
حاولت البنية القبلية التي ينحدر منها شيشنق كثيرا السيطرة على مصر عن طريق القوة العسكرية، ولكن لم يتسن لهم البقاء على أرضها في محاولاتهم الأولى، لكن ذلك لم يمنعهم من دخول مصر مسالمين، وهم يضمون خليطا من أهل الصحراء الغربية (المصرية) الأقدمين وفئات من شعوب البحر الذين نزلوا سواحل ليبيا منذ أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

دخل المشواش أرض مصر كرعاة وتجار أو مرتزقة في الجيش، واستقرت قبائلهم منذ أواخر عهد رمسيس الثالث على أطراف مصر الزراعية، وفي محيط الحصون المنتشرة على الحدود الغربية، ودخلت جماعات منهم في الحاميات العسكرية المصرية، وحصلوا على بعـض الأراضي الزراعية كمرتبات لهم في مقابل خدمتهم بالجيش، مما ساهم في ازدياد نفوذهم، وتعلمهم كيفية الاستيلاء على الحكم دون مقاومة شعبية، وذلك بالحرص الشديد على التقاليد السياسية والدينية المحلية الموروثة من أقدم العهود التاريخية.

قوة عسكرية وأخرى “ناعمة”

لم يكن شيشنق في بدايته يحوز أيا من مقومات الصعود إلى العرش، حيث لم تكن تجري في عروقه دماء ملكية ولا يرتبط بعلاقة مصاهرة مع الأسرة الفرعونية، لكنه حلّ هذه المشكلة من خلال تزويج ابنه بأميرة، هي ابنة آخر الملوك الفراعنة، وهو ما ساعده في التحكم في مقاليد الحكم.

ومن مؤشرات قوة شيشنق وثرائه ومكانته في المجتمع قبل توليه الحكم، أنه في نهاية عهد الأسرة الحادية والعشرين، توفي أحد أبنائه ودفن، ثـم حدث اعتداء على مقبرته، فذهب شيشنق وشكا للفرعون، فاهتم بالأمر واصطحبه إلى طيبة ليستمعا إلى حكم “آمون رع” فـي ذلك، وانعقدت محاكمة انتهت بإدانة الجناة، وعندئذ انحنى الفرعون أمام تمثال الإله، وطلب منه أن يبارك كل أعمال شيشنق، وأرسل ترضية في صورة تمثال باسم والد شيشنق.

عندما تربعت أسرة شيشنق على عرش الفراعنة بفضل “القوة الناعمة”، اتخذت من بو بسطة عاصمة لها، ولم يحصل شيشنق على الاعتراف به ملكا على مصر لفترة، قبل أن يسلم الممانعون بالأمر الواقع، وهنا غادر بعض كهنة طيبة مصر كلها، لعدم رغبتهم في الخضوع للحكام ذوي الأصل الليبي، واتجهوا إلى أطراف الحدود المصرية الجنوبية، حيث كانت أسرة جديدة تحكم في نباتا عند سفح جبل البركل.

حملة على الشام وفلسطين

تقلد شيشنق زمام حكم مصر وهي ضعيفة وواقعة تحت أطماع جيرانها في الشرق ومنافستهم لها في مجال التجارة، مما يفسر لماذا تميّز عهد هذا الفرعون الليبي-المصري بالحروب الخارجية، وعلى رأسها حملة شيشنق العسكرية التي قادته إلى فلسطين والشام، وإن كانت المصادر التاريخية تعجز عن تحديد سبب هذا التحرك العسكري الذي وقع مباشرة بعد وفاة النبي والملك سليمان عليه السلام.

وتقدر المصادر العلمية العمر الذي توفي عنده شيشنق، بين 70 و80 عاما، بينما تأكد علميا أنه دفن في الجبانة الملكية في تانيس، حيث عثر داخل غرفة الدفن الرئيسية بإحدى مقابر الجبانة على تابوتين يرجّح أن أحدهما يعود لشيشنق.

فرغم عدم العصور على مومياء الملك في المقبرة، فإن هناك مومياء محفوظة في كندا وخضعت لبحوث علمية دقيقة، يرجّح أنها تعود لشيشنق، بالنظر إلى نتائج فحوصات تحديد العصر الذي تعود إليه، وجودة أسـلوب التحنيط الذي يتلاءم مع الطراز الملكي.