story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

أرباح تفوق 300%.. ارتفاع صادم لأسعار الأدوية في المغرب يفاقم معاناة المرضى

ص ص

أثار الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، من جديد النقاش حول الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار الأدوية في المغرب، مشيرا إلى أن هامش أرباح بعض الشركات المستوردة للأدوية قد يصل إلى نسبة كبيرة تزيد عن 300% معتبرا الأمر “غير مقبول”.

وصرح لقجع، خلال استضافته من طرف الاتحاد العام لمقاولات المغرب لمناقشة تدابير قانون المالية 2025، يوم الخميس 23 يناير 2025، (صرح) قائلا: إن “مستوردي الأدوية من حقهم تحقيق ربح صافي بنسبة تصل 10 في المائة، لكن أن يتجاوز الفرق بين التصريح الجمركي و السعر الذي يباع به الدواء نسبة 300 في المائة أمر غير مقبول”.

وفي ظل هذه الاختلالات التي يعرفها سوق الأدوية بالمغرب، وعد لقجع بأن تستأنف الحكومة النقاش حول موضوع الأدوية، مع تحديد أهداف واضحة لهذه النقاشات، مبرزا أن المُنتج الوطني للأدوية يجب أن يظل منتجا حقيقيا ولا يمكن أن يتحول إلى مستورد لبعض الأدوية لمجرد وجود فرصة للاستيراد من دول مثل مصر و غيرها.

وليست هذه المرة الأولى، التي يثير فيها لقجع هذا النقاش، حيث سبق له أن أكد بلجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، خلال اجتماع لمناقشة تعديلات مشروع قانون المالية 2025، أن مجموعة من الأدوية في المغرب تباع بأسعار تفوق بأربع وخمس مرات الأسعار الموجودة في العالم، موضحا أن تخفيض رسوم الاستيراد على الأدوية هدفه خفض أسعارها محليا، وليس العكس.

وتإلى جانب تصريحات الوزير فوزي لقجع، أكدت مجموعة من التقارير والدراسات بالأرقام والمعطيات، الارتفاع الكبير الذي تعرفه أسعار الأدوية بالمغرب مقارنة بعدد من الدول، والذي قد يصل إلى نسب تصل إلى أزيد من 300% و500%.

  • ما هو القانون المنظم لأسعار الأدوية المستوردة في المغرب ؟

ينظم المرسوم رقم 2.13.852 الذي نشر في 18 ديسمبر 2013 بالجريدة الرسمية، مهمة تحديد أسعار الأدوية، حيث يقدم المرسوم طريقة جديدة في تسعير الأدوية، تقوم على مقارنة معيارية مع 6 دول، هي فرنسا وبلجيكا وتركيا والسعودية وإسبانيا والبرتغال بالإضافة إلى البلد المنتج للدواء.

وبناءً على هذا المرسوم، يتم تحديد سعر الدواء استنادًا إلى ثلاثة عناصر أساسية:

  • أدنى “سعر بيع مصنع” مسجل في الدول المرجعية.
  • هوامش ربح الموزعين والصيدليات، والتي تحددها المادة 4، بناء على جدول يأخذ بعين الاعتبار سعر المصنع.
  • الضريبة على القيمة المضافة (TVA)، التي تُضاف عند الاقتضاء.

وتواجه هذه الطريقة في التسعير انتقادات كبيرة، خصوصا في الشق المتعلق بتحديد الدول الأوروبية كدول مرجعية، نظرا للاختلاف الكبير في القدرة الشرائية للمغاربة مقارنة بمواطني هذه الدول.

وتستغرب ذات الانتقادات من عدم اعتماد هذه المقارنة المعيارية مع دول عربية وإفريقية تتوافق القدرة الشرائية لمواطنيها مع قدرة المواطنين المغاربة، بدلا من دول كفرنسا وبلجيكا وإسبانيا.

وبالنسبة لهوامش أرباح الموزعين والصيدليات، فتتولى المادة 4 من ذات المرسوم مهمة تحديدها بناء على سعر المصنع بدون رسوم (PFHT)، حيث تتقلص هوامش الأرباح كلما ارتفع سعر المصنع.

ويتم توزيع الأدوية إلى أربعة فئات بناء على أسعارها النهائية:

  • الفئة T1 وهي الأدوية التي يتراوح سعرها بين 0 و300 درهم
  • الفئة T2 وهي الأدوية التي يتراوح سعرها بين 300 و1.000 درهم.
  • الفئة T3 الأدوية التي يتراوح سعرها بين 1.000 و3.000 درهم.
  • الفئة T4 الأدوية التي يتجاوز سعرها 3.000 درهم.

ويرى خبراء أن الأدوية من فئتي T3 و T4 تعرف أكبر الارتفاعات رغم تمثيلها للحصة الأقل من مبيعات السوق، في حين تؤثر الأدوية من الفئة T1 بشكل أكبر على جيوب المواطنين، لكونها تمثل أزيد من 85% من إجمالي مبيعات الأدوية في المغرب.

  • إلى أي حد تصل الارتفاعات التي يعرفها سوق الأدوية في المغرب ؟

وحتى عند مقارنة أسعار الأدوية بالدول المرجعية الست التي يشترط مرسوم 2013 بشكل واضح، أن يكون “سعر المصنع” في المغرب ضمن حدود أدناها، فإن أسعار الأدوية في المغرب تظل أعلى بكثير.

هذا الأمر تؤكده أرقام دراسة سابقة للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس)، حيث تظهر المعطيات “الارتفاعات المهولة” لأسعار بعض الأدوية بالمغرب مقارنة بفرنسا وبلجيكا. إذ تجاوزت نسبة هذه الارتفاعات 1500%.

اسم الدواءنوع المرضالسعر في المغرب
(بالدرهم)
السعر في فرنسا
(محول للدرهم)
السعر في بلجيكا
(محول للدرهم)
أقصى فرق بالـ%
Temodal 5 mgالسرطان21912,996,71589%+
Eloxatine 5 mg/mlالسرطان1203117,4397,5925%+
Carboplatine Cooperالسرطان1553208,41278645%+
Vidaza 25 mg/mlالسرطان3259800,71213,8307%+
Pradaxa 110 mgالقلب والدم1026278,5531,1268%+
Plavix 75 mgالقلب والدم316120,591,1247%+
Baraclude 0,5 mgالتهاب الكبد52661678,31681,6214%+
Velcade 3,5 mgالسرطان585518893663210%+
Aubagio 14 mgالتصلب المتعدد86995465,83356,5159%+
Avastin 100 mgالسرطان29081177,21976,5147%+
Gilenya 0,5 mgالتصلب المتعدد155886508,17680,5140%+
Stelara 90 mgالصدفية3182219963,4315088,62111%+
Afinitor 5 mgالسرطان1628010206,38067,2102%+
Tysabri 300 mgالتصلب المتعدد184649885,713115,987%+
Lantus Solostar 100 Uالسكري744422,3501,276%+
Betaferon 250 ug/mlالتصلب المتعدد848056955807,949%+
Enbrel 50 mgالتهاب المفاصل69605188,44981.240%+
Ibrance 75 mgالسرطان2002418457,522332.430%+

وفي تفسيره لعدم احترام هذه الأرقام للمعايير المعيارية، يرى الخبير الاقتصادي، زكرياء كارتي أن أساليب التفاوض التي ينهجها المغرب مع المصنعين الأجانب، لا تمنحه القدرة على الضغط للحصول على ثمن مناسب يمكن من خفض سعر بيعها النهائي للمواطنين، موضحا أيضا أن بعض الأدوية المستوردة يتم تسريع دخولها إلى السوق الوطنية دون اتفاق مسبق على الثمن، مما يمنح للمصنع إمكانية فرض الأثمنة التي تناسبه دون اعتماد المقارنة المعيارية مع 6 دول.

ماهي البدائل لمواجهة هذا الارتفاعات في سوق الأدوية؟

وأمام هذا المشكل يبرز خيار اعتماد الأدوية الجنيسة، كبديل قوي لمواجهة ارتفاعات بعض الأدوية الأصلية، حيث تكون أسعار الأدوية الجنيسة، في المتوسط، أقل بنسبة تتراوح بين 30% و40% مقارنةً بالأدوية الأصلية.

ويٌعرف الدواء الجنيس بكونه دواء يحتوي على نفس المادة الفعالة الموجودة في دواء أصلي مُسجل ببراءة اختراع، ويتم تصنيعه بعد انتهاء فترة حماية البراءة الخاصة بالدواء الأصلي، ويتميز الدواء الجنيس بفعالية مماثلة للدواء الأصلي من حيث التأثير العلاجي والجودة.

في هذا السياق، كشفت الفيدرالية المغربية للصناعة والابتكار الصيدلاني (FMIIP)، مطلع السنة الماضية أن الأدوية الجنيسة مكنت من توفير ما مجموعه 3.8 مليار درهم في سنة 2021، ليرتفع الرقم إلى 22.7 مليار درهم خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2015 و2021.

أي أنه، لو لم تكن هناك أدوية جنيسة في المغرب، لكان مستوى إنفاق المرضى ومنظمات التأمين الصحي على الدواء، خلال سنة 2021، قد بلغ 22.30 مليار درهم بدلاً من 18.52 مليار درهم التي تم إنفاقها فعليا خلال تلك السنة.

وكشفت الفدرالية خلال المؤتمر الطبي الوطني الـ 39 لجمعية العلوم الطبية المغربية، في فبراير سنة 2024، أن الأدوية الجنيسة وفرت 1.45 مليار درهم بالنسبة للأدوية المضادة للفيروسات، ومليار درهم سنويًا للأدوية المضادة للقرحة، وهو ما يخفف الضغط على المرضى وصناديق الدولة.

وأضاف المصدر ذاته أنه في سنة 2020، تم علاج مريض سكري من بين كل خمسة مرضى، بفضل الأدوية الجنيسة، في حين لم يتم علاج سوى مريض سكري من بين 21، سنة 2000، وذلك بسبب التكلفة العالية للأدوية الأصلية.

وتُرجع الدراسات العلمية هذا الفارق في الأسعار إلى غياب الاستثمارات في البحث والتطوير. فبينما تعتمد الأدوية الأصلية في تسعيرها على عوامل متعددة، من بينها تكاليف البحث العلمي، تظل تكاليف الإنتاج العامل الرئيسي المحدد لأسعار الأدوية الجنيسة. كما تُلزم هذه الأدوية عند دخولها السوق بتقديم أسعار منخفضة لتعزيز قدرتها على المنافسة.

وعلى الرغم من الامتيازات التي يوفرها هذا النوع من الأدوية، تقول الفدرالية، لا تزال نسبة انتشار الأدوية الجنيسة في المغرب تراوح 46%، في الوقت الذي تصل فيه ذات النسبة بالولايات المتحدة وألمانيا، على التوالي إلى 80% و70%.

  • ما مدى تأثير هذه الارتفاعات على أزمة صناديق التأمين الصحي ؟

استمرار ارتفاع أسعار الأدوية لن يكون عبئا فقط على جيوب المغاربة، بل قد يزيد من تعميق أزمة صناديق التأمين الصحي، خاصة في ظل ارتفاع الطلب على الأدوية والخدمات الصحية بسبب برنامج تعميم التغطية الصحية، بالإضافة إلى مخلفات كوفيد-19، وتداعيات المتغيرات المناخية، التي يرى مختصون أنها عوامل رفعت من وتيرة الأمراض المزمنة والخطيرة في المغرب.

في هذا السياق، أشارت دراسة “كنوبس” حول 300 دواء بالمغرب إلى أنه لو كانت أسعار الأدوية في البلاد مماثلة لنظيرتها في فرنسا، لتمكن الصندوق من توفير ما يقارب 600 مليون درهم سنويًا من التعويضات التي يدفعها مقابل شراء الأدوية.

ومن الممكن أن يوفر هذا الرقم موارد مالية مهمة للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس) الذي يسجل عجزا ماليا للسنة الرابعة على التوالي، نتيجة التفاوت بين الاشتراكات والأداءات حيث بلغ الرقم 1.28 مليار درهم سنة 2023، بعد تسجيل عجز مالي سنتي 2021 و2022، في وقت تصاعدت فيه تحذيرات من استنفاذ احتياطيات الصندوق في أفق سنة 2027.

في هذا السياق، كان زكرياء كارتي، الخبير الاقتصادي والمالي، قد أوضح أن الدواء يكلف ما بين 20 إلى 30 بالمائة من استحقاقات التأمين التي تؤديها صناديق التأمين عن المرض.

وأوضح كارتي أن عدد الأدوية المستفيدة من التأمين يصل إلى 5.000 من أصل 7.500 دواء متوفر في المغرب حاليا، مبرزا أن هذا الرقم يبقى مرتفعا خصوصا أن الرقم المستفيد من التأمين خلال سنة 2006 لم يتجاوز ألف دواء، وهو ما بات يشكل تهديدا لصناديق الـتأمين عن المرض.