أحلام ماسك في المغرب
بعدما حسم الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، السباق الانتخابي لصالحه وبات مؤكدا عودته إلي البيت الأبيض شهر يناير المقبل، لابد من الانتباه إلى الرجل-المفتاح في فريق ترامب، والذي يجسده دون أي منازع، أغنى أغنياء الكوكب وأكثرهم طموحا، إيلون ماسك.
يكفي أن هذا الأخير اشترى منصة “تويتر” التي كانت قد قررت حظر حساب ترامب وأدرجته ضمن مصادر المحتوى غير اللائق، وغيّر اسمها، وحوّلها إلى منصة دعائية فتاكة لمصلحة ترامب، وفي جعبته الكثير من الأحلام المقتطعة من الحلم الأمريكي الكبير: البقاء في صدارة العالم.
إيلون ماسك، رجل الأعمال الذي يمزج بين الجرأة والجموح، يعود اليوم إلى الساحة السياسية ضمن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب، في لحظة حرجة تضعه في موقع يمكنه من التأثير العميق على مستقبل علاقات الولايات المتحدة مع العالم.
هذا الرجل الذي صنع من التحدي فرصة ومن الأحلام مشروعا، لم يكن يوما أسيرا للتقاليد أو محافظا على القواعد المتعارف عليها. بل عُرف بمشاريعه الجريئة في مجال الفضاء والذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، ويقف الآن على عتبة تأثير سياسي يعزز من طموحاته ويمنحه نفوذا جديدا.
ماسك، الشاب القادم من جنوب إفريقيا إلى أمريكا، سعى منذ البداية إلى تخطي الحدود نحو فضاء أوسع. مسيرته التي بدأت بمشاريع صغيرة تحوّلت تدريجيا إلى إمبراطوريات اقتصادية مثل “سبيس إكس”، التي تأخذ على عاتقها تحقيق حلم الإنسان بالسفر إلى المريخ واستعمار الفضاء، و”تسلا” التي ترسم ملامح مستقبل خالٍ من التلوث.
إن إيمان ماسك بإمكانية تجاوز الحدود الجغرافية والتقنية لم يكن مجرد فكرة بل شكلت دافعا وراء استثماراته في الطاقة المتجددة والتكنولوجيات الذكية، ومن هذا المنطلق يجد المغرب في ماسك شريكا محتملا لتحقيق طموحاته في التحوّل نحو الاقتصاد الرقمي والطاقة النظيفة.
ففي عالم يتّجه بسرعة نحو اعتماد تقنيات جديدة وصديقة للبيئة، يبدو أن طموحات إيلون ماسك تتلاقى بشكل عميق مع خيارات المغرب في الصناعة والطاقة. فبلادنا تسعى إلى تحقيق قفزة نوعية في قطاع الصناعة عبر توجيه استثماراته نحو التصنيع المستدام وتعزيز الكفاءة الطاقية، وهو ما يتقاطع مباشرة مع توجه ماسك نحو السيارات الكهربائية والبطاريات المتطورة، باعتباره فرصة سانحة لشراكة ذات أبعاد استراتيجية.
ويبرز مشروع “تسلا” للبطاريات كفرصة مثالية لدعم الاستراتيجية المغربية في تخزين الطاقة المتجددة، لا سيما في ظل اعتماد المملكة على الطاقة الشمسية وطموحها لتوسيع قدراتها في توليد الكهرباء النظيفة.
علاوة على ذلك، تتيح هذه التقاطعات إمكانيات تطوير صناعات متقدمة داخل المغرب، حيث يمكن للمملكة أن تصبح مركزا إقليميًا لتصنيع وتركيب البطاريات والتقنيات المرتبطة بالطاقة النظيفة، مما يعزز من مكانتها كمحور لصناعة المستقبل في إفريقيا.
مشروع “ستارلينك” الذي أطلقته “سبيس إكس” يوفر إنترنت عالي السرعة عبر الأقمار الصناعية حتى في أبعد المناطق، مما يلبي طموح المغرب في ربط المناطق النائية بخدمات الإنترنت وفتح آفاق جديدة للتعليم عن بعد والخدمات الصحية الرقمية.
المغرب الذي يطمح إلى تحقيق توازن تنموي بين مناطقه، يمكنه أن يجد في هذا المشروع فرصة لدمج القرى النائية في الأطلس والشرق والصحراء داخل المجتمع الرقمي، وبهذا تلتقي رؤية ماسك الهادفة إلى توسيع الاتصال الرقمي عالميا مع تطلعات المغرب لتعزيز شمولية الخدمات في كافة ربوع البلاد.
وفي مجال الطاقة المتجددة، يلتقي مشروع “نور” للطاقة الشمسية مع خطط ماسك في شركة “سولار سيتي” التي تهدف إلى جعل الطاقة الشمسية متاحة للجميع. هذه الشراكة الممكنة تعزز رؤية المغرب ليصبح مركزا للطاقة النظيفة في إفريقيا، بينما يستفيد من خبرة ماسك في تطبيق تقنيات متقدمة لتحقيق نقلة نوعية في الطاقة المتجددة وتخزينها.
وفي هذا السياق، يمكن تصور أن تعمل شركات ماسك بالتعاون مع مشاريع الطاقة الشمسية في المغرب، ما يحول المملكة إلى محطة لتصدير الكهرباء النظيفة، ويعزز استقلالها في مجال الطاقة ويجعلها شريكا استراتيجيا في مجال الطاقة الخضراء.
وجود ماسك في فريق ترامب لا يحمل فقط فرصة شراكة اقتصادية، بل هو بُعد سياسي عميق، حيث يقود ماسك تيارا اقتصاديا تكنولوجيا يلتقي مع رؤية ترامب التي تُعلي من شأن العلاقات الثنائية وتفضّل الشراكات المباشرة على الصعيد العالمي.
إن انضمام ماسك إلى دائرة ترامب يعني أن المغرب قد يملك فرصة أكبر لتعميق علاقاته مع الولايات المتحدة، عبر بوابة التعاون في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ورؤية ماسك في الذكاء الاصطناعي، التي تدرس تطبيقات الروبوتات في العمل والصناعة، تتناغم مع رغبة المغرب، المعلنة، في تطوير اقتصاد متقدم يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا.
ولا يتوقف طموح ماسك عند الإنترنت والطاقة المتجددة، بل يمتد إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في قطاعات جديدة. وهذا الطموح يتماشى مع رغبة المغرب في تهيئة بيئة ملائمة للشركات التكنولوجية الناشئة، ما يجعل المملكة قابلة لأن تصبح منصة إقليمية للابتكار الرقمي.
ماسك الذي كسر الحواجز في مجالات الفضاء والسيارات والطاقة والذكاء الاصطناعي، يعود اليوم كلاعب أساسي في دائرة التأثير السياسي داخل إدارة ترامب، حيث تتشابك طموحاته الاقتصادية مع دور سياسي استراتيجي يفتح الباب أمام المغرب لتحقيق شراكات نوعية تعزز مكانته كقوة صاعدة في إفريقيا.
في ظل رؤية تجمع بين الابتكار السياسي والاقتصادي، يستطيع المغرب أن يصبح جزءا من خريطة ماسك وتطلعاته، ليكون شريكاً محتملا في مشاريع تتجاوز حدود التكنولوجيا إلى رسم مستقبل جديد للعلاقات بين الشمال والجنوب… وهو الطموح الذي يجدر أن توجّه نحوه جهود العلاقات العامة واللوبيينغ التي تكلّف المغرب أموالا طائلة.