story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

” أجندة الحرية” لا تعنينا

ص ص

يدعي المستفيدون من منظومة الفساد التي تنخر عظام هذا البلد، بأن أية محاولة للتخلص منهم ومن الفساد قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى، وأنه من مصلحتنا التعايش، صاغرين أذلاء، مع هذه المنظومة، ويُرجع آخرون هذا “الاستقرار”، على هشاشته، إلى إنجازات مفترضة لدستور 2011، بينما لا يكف رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران عن ترديد خطاب شعبوي، ينسب هذا “الاستقرار” إلى حزب العدالة والتنمية وإليه شخصيا، اعتبارا لدوره المفترض أيضا، حين كان المغرب يعرف أوج الاحتجاجات الشعبية لحركة العشرين من فبراير، والتي كان قد وصل بها التطرف أحيانا إلى حد المطالبة بسقوط النظام .

والحقيقة أنه لم يكن، لا لبنكيران ولا لدستور 2011، هذا الكم من الفضل في إطفاء جذوة احتجاجات حركة العشرين من فبراير وتجنيب المغرب انهيارا سياسيا ومؤسساتيا كانا في حكم الوارد والممكن. ولكي نفهم ذلك دعونا نستقرئ التاريخ، القريب منه على الخصوص .

لقد دأبت الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي على تعبئة واستعمال المجتمع المدني، من أجل الثورة على، والإطاحة بالأنظمة المعارضة لها، أو تلك التي استنفذت رصيد مصداقيتها وصارت أو سارت بما لا يروق لواشنطن، وتلك الثورات هي ما عرف لاحقا بالثورات الملونة، لأن الإعلام والدعاية الغربية ارتأت أن تمنح لكل واحدة من تلك الثورات اسما جذابا مرتبطا بفصل الربيع كإحالة شعرية على عودة انبثاق الحياة، وكإحالة تاريخية ضمنية على كل من “ربيع براغ”، الذي استمر من يناير حتى غشت من سنة 1968 وانتهى بتدخل الاتحاد السوفياتي، و”ربيع بيجين أو ربيع تيانانمين” الذي استمر من أبريل حتى يونيو 1989 وانتهى بدوره بتدخل الجيش الصيني، وبالتالي.

مع بداية القرن الجديد أصبحت واشنطن تعطي لهذه الثورات كما قلنا اسما مميزا مرتبطا بالربيع ، مثل “ثورة الورد” في جيورجيا في نوفمبر 2003، و”الثورة البرتقالية ” في أوكرانيا بين سنتي 2004-2005، و”ثورة الأقحوان أو التوليپ” في قيرغيزستان سنة 2005، و”ثورة الأرز” في لبنان، و”ثورة الزعفران” في ميانمار، وغيرها.

لكن في سنة 2005 تنبه الرئيس الأمريكي آنذاك جورج والكر بوش، بسبب ما حققته تلك الثورات لأمريكا من نجاحات سياسية وإعلامية، إلى فكرة مأسسة هذه العملية برمتها وشرعنتها وإعطائها بعدا جيوسياسيا عوض الاستمرار في القيام بذلك سرًا من طرف أجهزة السي آي إي، فكان أن أعلن رسميا عما سماه في خطاب له ب ” أجندة الحرية” (Freedom Agend)، وفحوى تلك الأجندة وهدفها هو أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتوجه ابتداء من تلك السنة وبشكل علني نحو “دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان”، في العالم ، وهو ما يعني علنيا وضمنيا وبوضوح، التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي تعتبر أمريكا أنها ليست ديمقراطية بما يكفي في نظرها، والعمل على تغيير أنظمتها السياسية وتنصيب حلفاء واشنطن مكانها. ومنذ ذلك التاريخ صار لتلك المبادرة ديناميتها السياسية الخاصة وأجهزتها المتخصصة التي تسهر على بلورة حلقاتها وتنفيذ أحداثها .

كان من نتائج هذه الأجندة ما سيعرف لاحقا بـ”الربيع العربي”، ومنه “ثورة الياسمين” في تونس وثورة 25 يناير في مصر وثورة 11 فبراير في اليمن وثورة 17 فبراير في ليبيا ثم حراك 20 فبراير في المغرب.

وإذا كانت الثورات التي قامت في كل من سوريا وليبيا واليمن ومصر وتونس متوقعة ومخطط لها من طرف أجهزة “أجندة الحرية” الأمريكية بسبب عداء قادة تلك البلدان وأنظمتها السياسية لواشنطن، فإن حركة 20 فبراير لم تكن ضمن برنامج تلك الأجهزة بل كانت مجرد شكل من أشكال “الأضرار الجانبية” للأجندة المذكورة ولم يكن للمغرب، الحليف الاستراتيجي لأمريكا بالإضافة لدول عربية أخرى، أن يكون على جدول أعمال تلك الأجندة، ولذلك حدث شيئان: أولهما أن حركة 20 فبراير لم تحظى تقريبا بأي غطاء أو دعم سياسي خارجي باستثناء تهافت قناة الجزيرة التي لم تدرك في الوقت المناسب أن المغرب ليس ضمن حسابات “الربيع العربي” رسميا، وثانيهما أن التدخل الخارجي، بسبب ما سبق، جاء لصالح دعم الاستقرار بالمملكة وسهّل الإجراءات التي أدت إلى وفاة حركة العشرين من فبراير، ومن ذلك تبني دستور جديد وواعد (لم نر لحد اليوم أثره الكبير على أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية) وتسهيل فوز الإسلاميين بانتخابات 2011 ووصولهم إلى سدة الحكم، دون تمكينهم من أية قدرة على الفعل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي الحقيقي، وإنما في أفق “موتٍ مبرمج” أو كما سيحلو للإسلاميين تسميته بـ”الموت الموقوت”، والذي جاء بالفعل فور انكسار جذوة الاحتجاجات بشكل تام في سنة 2021 .

لذلك سيكون من الصواب ومن الحياء أيضا أن يتوقف كل “تجار الاستقرار” سواء أولئك المفسدون المستفيدون من هذا الاستقرار المزعوم أو السيد بنكيران وحزبه الذين لا يمثلون في الحقيقة سوى “حادثة سير” في تاريخ النظام السياسي المغربي، عن الادعاء بأن لأي منهم فضلا على البلاد في هذا “الاستقرار “.