خريف الكتاب!؟
قبل بضع سنوات، كانت هذه الفترة من السنة تضج بأخبار إصدارات الكتب الجديدة، وإن كان كثيرون يرون أن المغرب ليس بلاد ثقافة كتاب بامتياز. وخلال السنوات الأخيرة؛ أي بعد تراجع آثار وباء كورونا الكارثية، لم تعد الوتيرة الخبرية المتعلقة بالكتاب تكتسي الزخم السابق ذاته. يجب أن نعترف هنا صراحة أن إصدارات الكتب في خريف السنوات الثلاث الأخيرة تراجعت كثيرا. وهو أمر يبعث على الاستغراب، إذ لم يثر هذا التراجع أي ردود فعل تذكر، كأننا أمام لغز محير لا يهم أحد حله، أو كأن هذا الدخول الثقافي، الذي أريد له، قبيل كورونا، أن يكون موسما قارا، لم يعد مجديا، ولا مغريا.
وللمرء أن يتساءل هنا: هل أخفقت التجربة التي أطلقتها وزارة الثقافة، بشراكة مع اتحاد الناشرين المغاربة، قبيل كورونا؟ أم أن الوباء أثر سلبا في عوامل إنجاحها، ومنها تحقيق تراكم لا بأس به، قبل الانتقال بالفكرة إلى الاحتراف، كما هي الحال في الغرب؟ أم أن هناك من أقبر المشروع، قبل أن ينقلب إلى بعبع مخيف، على غرار مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية رائدة سابقة كانت واعدة بالنجاح؟ في الواقع، لا يكشف الفضاء الثقافي، أو حتى السياسي، “لا حق ولا باطل” في هذا الباب، لكن بمقدور المرء أن يجري تخمينات في الموضوع.
قد يقول قائل إن الواقع الاقتصادي المتأزم، الذي تترجمه حالة التضخم المرتفع خلال السنوات الثلاث الماضية، كفيل بأن ينطوي على جواب ما. قد يكون الأمر كذلك، لكن كثيرا من القطاعات الثقافية، وفي مقدمتها المهرجانات الفنية، استعادت عافيتها بشكل كبير، رغم أن عائدها المالي وربحها المادي غير ظاهرين البتة. لِمَاذا لا يستعيد الكتاب إذا حيويته ونشاطه، رغم محدوديتهما، كما هو شأن هذه المهرجانات الفنية؟
وقد يقول آخر إن اختيارات المغاربة الثقافية أخذت تنحو نحو مجالات أخرى، مثل الفنون السينمائية والمشهدية والغنائية وغيرها. قد يكون الأمر كذلك أيضا، لكننا لا نملك من الحجج ما يثبت هذا التغير الجذري في الذوق والتلقي الثقافيين. حتى وإن كان الأمر كذلك، فإن الحاجة إلى الكتاب ستظل قائمة، بما أن هناك أساتذة وطلبة وقراء ومهتمين ما يزالون يقبلون على الكتاب لأغراض خاصة، وبما أن هناك سوقا عربية ودولية يجب أن يستجيب لها الكاتب والناشر المغربيان على الدوام.
في مقابل هذا، يبدو أننا نحجم عن طرح العامل الرئيس، أي ذاك الكامن في نقل معرض الكتاب من الدار البيضاء إلى الرباط وتغيير موعده السنوي من فبراير إلى بداية يونيو، أي إلى نهاية الموسم الثقافي. وقد اعترفت وزارة الثقافة، ضمنيا وجزئيا، بتأثير هذا العامل السنة الفارطة، حين قررت تنظيم المعرض خلال ماي، بدل يونيو، لتزامنه مع الامتحانات في المدارس الثانوية والجامعات، بعد أن انتبهت إلى أن شريحة كبيرة، تتكون أساسا من الأساتذة والطلاب، لا يرتادون أروقة الكتب في هذا الموعد الحرج.
في حقيقة الأمر، إن تأجيل المعرض إلى هذا الموعد المتأخر من الموسم الثقافي والدراسي والسياسي يؤدي إلى تأخير صناعة النشر وإنتاج الكتاب؛ ومن ثمة، لا يستفيد هذا الأخير من الفسحة الزمنية المطلوبة لرواجه وانتشاره. باتت هذه الفسحة لا تتعدى أسابيع قليلة، بخلاف ما كان عليه الأمر في السابق، حيث كان المعرض يقام أواسط الموسم الثقافي، وفي مدينة معروفة بنشاطها الاقتصادي، إذ كان توزيع العناوين الأولى في كل موسم جديد يبدأ خلال نونبر، أو دجنبر على حد أقصى.
أهي سخرية القدر أن تنتهي صناعة الكتاب إلى خريفٍ في فصل الربيع؟