دروس الكلاسيكو الإسباني
الكلاسيكو الإسباني بين ريال مدريد وبرشلونة، لم يكن فقط مواجهة مألوفة بين غريمين يجمعهما تاريخ طويل من الصراع الكروي الممزوج بالكثير من التوابل السياسية والعرقية والإقتصادية، وانتهى بانتصار مبهر للكطلان في قلب ملعب سانتياغو بيرنابيو.
كلاسيكو السبت الماضي حمل معه الكثير من التفاصيل التي يجب الوقوف عندها كثيرا، والتأمل في أبعادها الرياضية والأخلاقية والحضارية، واعتبارها رسائل لكل من يريد منتوجا كرويا راقيا يحظى بكل هذه الملايين من المشاهدات عبر العالم.
المباراة التي انتظرها جميع متابعي كرة القدم، جاءت في أسبوع ممتلئ بالمباريات الحارقة لكلا الناديين، وتشاء الصدف أنهما خرجا معا من مباراتي كأس رابطة الأبطال الأوربية وسط الأسبوع بانتصارين كاسحين على ناديين ألمانيين عريقين هما بروسيا دورتموند وباييرن ميونيخ، ولعب ريال مدريد وبرشلونة بمعنويات فوق السحاب لتأكيد ما صنعاه في المباراة الأخيرة قبل الكلاسيكو، لذلك جاءت الموجهة حاملة لكل ذلك التشويق وكل تلك الإثارة.
الدرس البليغ الأول، هو أهمية كيفية اختيار مدربٍ للفريق ، وضرورة الإطلاع على فكره وعقليته وتكوينه، هل يوافق ذلك هوية النادي وخصوصية المرحلة التي يعيشها أم لا، والكلاسيكو أكد بما لا يدع مجالا للشك أن أحسن قرار اتخذته إدارة البارصا خلال السنوات الأخيرة، هو إسناد مهمة تدريب الفريق الأول للمدرب هانزي فليك، الذي قام بمجرد قدومه، بثورة داخل النادي الكطلوني، وأظهر بصمته الفعالة على نفس التركيبة البشرية التي فشل معها تشافي هيرنانديز، وحولها من فريق متواضع في النتائج والأداء، إلى آلة تحصد الأخضر واليابس وبحصص عريضة.
الدرس الثاني هو أن المباريات تُخسر مباشرة بعد إضاعة فرص التسجيل الواحدة تلوى الأخرى برعونة كبيرة، وأن المباريات تزداد صعوبة كلما مر عليك الوقت دون أن تفلح في التسجيل، وهذا ما حدث لريال مدريد بعد إضاعة هجومه لفرص سانحة لافتتاح النتيجة وأي واحد يفهم قليلا في كرة القدم سيقول، “إنه لو سجل لاعبو أنشيلوتي هدف السبق، ربما كنا سنكون أمام سيناريو آخر للمباراة..” كان واضحا من خلال المباراة أن الفعالية أمام المرمى هي الجزء الأكبر من الفوز.
الدرس الثالث هو أن السن في كرة القدم لايعني شيئا، حيث أن النضج الكروي الذي ظهر به لاعبو البارصا الذين دون سن العشرين من عمرهم، وشخصيتهم القوية التي أظهروها في مباراة حارقة كان يشاهدها العالم، وتحملُهم مسؤولية حمل قميص نادي عريق بقوة ذهنية مثيرة للإعجاب، كل ذلك يثبت أن التكوين العلمي الإحترافي للمواهب هو السبيل لتطوير كرة القدم وأن الهواية والإرتجال لا تصنع سوى لاعبين معطوبين تقنيا وتكتيكيا وغير قادرين على اللعب في المستوى العالي.
الدرس الرابع يتعلق بالجمهور وقيم احترام الآخر في المجتمعات التي لا تعتبر كرة القدم قضيتها المصيرية، إذ رغم حضور مئات من مشجعي برشلونة (على غير العادة) في ملعب سانتياغو بيرنابيو، ورغم الصراع الكروي الشرس بين الناديين، ورغم بعض مخلفات التناحر العرقي القديم، إلا أنه لم تسجل أي محاولة للإعتداء عليهم ولم يتم الإبلاغ عن أي اشتباك حدث وسط مدينة مدريد بين أنصار الناديين.
بالإضافة إلى قرار ريال مدريد فتح تحقيق في الهتافات العنصرية التي تلقاها لامين يامال لاعب البارصا من طرف أربع مشجعين للنادي الملكي كانوا في مدرجات الملعب، وهو ما يعطي درسا أن أندية كرة القدم في أوروبا تنهي أي حديث عن كرة القدم ونتائجها وصراع أنديتها عندما يتعلق الأمر بالعنصرية والإساءة للإنسان بالخطابات التمييزية.
هي الزوايا التي من المفروض أن نشاهد بها مباراة كبيرة من حجم “كلاسيكو الأرض”، لا أن نركز فقط على النتيجة و”الشدان” المغرق في التنابز بالنتائج، لأن النتائج الرياضية تبقى دائما محدودة في الزمان بالنسبة لفريقين يلعبان ضد بعضهما مرتين في السنة على الأقل، ففائز اليوم قد يكون هو الخاسر في الكلاسيكو المقبل، وأرقام النتيجة المسجلة في الذهاب قد تتبادل المواضع بينها في مباراة العودة.. وكثيرا ما حدث ذلك في مباريات الكلاسيكو الشهير.