story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

تاج الدين الحسيني: زيارة ماكرون تعني تعميق العلاقات والتوصل إلى اتفاقيات ذات بعد استراتيجي

ص ص

بعد مرحلة من الجمود التي عرفتها العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا امتدت منذ ما يقرب من عشر سنوات ووصلت ذروتها في السنتين أو ثلاث سنوات الأخيرة، يعود الدفء من جديد للعلاقات بين البلدين، خاصة بعدما اعترفت فرنسا رسميا أواخر شهر يوليوز المنصرم بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، لتأتي زيارة الدولة التي يستهلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على رأس وفد هام غدا الإثنين، تتويجا لفصل جديد في عهد العلاقات بين الشريكين التقليديين، و“فرصة لمنح شراكتنا الاستثنائية رؤية متجددة وطموحة تغطي عدة قطاعات استراتيجية وتأخذ في الاعتبار أولويات بلدينا”، كما جاء في الدعوة التي وجهها الملك محمد السادس للرئيس الفرنسي شهر شتنبر الماضي.

تتويج للموقف الفرنسي

وفي هذا الصدد، يقول أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط محمد تاج الدين الحسيني، إن هذه الزيارة هي بالتأكيد تتويج لما ورد في الرسالة التي وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعاهل المغربي محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ 25 لعيد العرش.

وأوضح تاج الدين الحسيني أن تلك الرسالة “كانت فتحًا جديدًا في العلاقات المغربية الفرنسية، لأن الرئيس الفرنسي لم يقف عند ما وصلت إليه ألمانيا أو إسبانيا فقط، لكنه تجاوز ذلك إلى التصريح بشكل صريح وواضح بالاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء عندما قال إن الصحراء، اليوم أو غدًا، تبقى تحت السيادة المغربية”.

وأضاف الأستاذ الجامعي، أن هذا اعتراف صادر بطريقة رسمية ومباشرة عن رئيس الدولة، الذي يؤهله الدستور الفرنسي، تطبيقًا لمقتضيات المواد الرابعة والخامسة من الدستور، للقيام بمثل هذا الاعتراف، مذكرا بأن “فرنسا كانت قبل ذلك قد قدمت نوعًا من الاعتراف الضمني من خلال تصريح مسؤول عن التجارة الخارجية وكذلك وزارة الخارجية بإمكانية الاستثمار من قبل الشركات الفرنسية في الصحراء”.

دلالات الاعتراف الفرنسي

وشدد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية على أن الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، هذا له أهمية قصوى، وسيكون له تأثيره من خلال تشجيع المزيد من الدول الأخرى للسير على نفس النهج وبالتالي ترسيخ هذا الاعتراف، وفي نفس الوقت إلغاء وضعية جبهة “البوليساريو” الانفصالية ككيان معترف به من بعض الكيانات الصغيرة التي لا تزال تصر على هذا الاعتراف حتى الآن.

وأشار المتحدث، إلى أن فرنسا ليست بالدولة الصغيرة أو العادية، مبرزا أن “فرنسا دولة عظمى، مرتبة بشكل قوي داخل مجموعة الدول السبع الصناعية التي لم تعد الثمانية بعد تجميد عضوية موسكو، فأصبحت سبع دول، فضلا عن كونها “لاعبا أساسيا في مجموعة العشرين، وهي في نفس الوقت رئيسة ما يسمى بتحالف الفرانكوفونية الذي يضم أكثر من ثمانين دولة”.

ولفت إلى أنه بغض النظر عن كونها دائمة العضوية وتتوفر على حق الفيتو داخل الأمم المتحدة، “فهي في نفس الوقت تُعتبر من بين الدول الرئيسية في مجموعة أصدقاء الصحراء التي تقوم بإنجاز مشاريع القرارات الخاصة بالملف وتقديمها لمجلس الأمن”.

“ورغم أن الولايات المتحدة هي حامل القلم في صياغة هذه التقارير، إلا أن فرنسا لها تأثير قوي، نظرا لمعرفتها بتفاصيل هذه المنطقة، وشاركت مع إسبانيا في وضع الخطط الاستعمارية منذ مدة طويلة، بل وتتوفر على أكبر أرشيف مهم يضم الوثائق التي تقر بمغربية الصحراء وتفند ما يعارض ذلك، والتي لا زالت لم تنشر بعد حتى الآن”، يقول الأستاذ الجامعي تاج الدين الحسيني.

فتح قنصلية فرنسية

وإلى جانب ذلك تحدثت وسائل إعلام فرنسية عن إمكانية الإعلان عن فتح قنصلية فرنسية إما بمدينة العيون أو الداخلة خلال زيارة ماكرون للرباط، وذلك في خطوة عملية تجسد الاعتراف الفرنسي على الأرض من جهة، وتسهيل الاستثمارات الفرنسية بالأقاليم الجنوبية من جهة ثانية.

وفي غضون ذلك، قال الأستاذ الجامعي تاج الدين الحسيني، “أعتقد أن فرنسا قد تتخذ قرارًا بفتح قنصلية في مدينة العيون أو الداخلة، خاصة وأن هناك أخبارًا تدور اليوم حول استعداد الولايات المتحدة هي الأخرى، لنقل قنصليتها الافتراضية التي كانت قائمة مع المغرب منذ اعترافها بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية إلى قنصلية فعلية في مدينة الداخلة”.

وسجل المتحدث أن، “هذه الفرصة قد تكون مواتية لنشهد حضور قنصليتين لدولتين تمتلكان حق الفيتو وعضوية دائمة في مجلس الأمن”.

ليست زيارة خاصة.. لكنها زيارة دولة

ومن جانب لفت أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية إلى أن هذه الزيارة تمثل خطوة متقدمة على مستوى الزيارات الرسمية، نعم، هي ليست زيارة خاصة ولا زيارة عمل، لكنها زيارة دولة، وزيارة الدولة في المعجم الدبلوماسي تعني تعميق العلاقات والتوصل إلى اتفاقيات ذات طابع استراتيجي وإعطاء الزيارة عدة أبعاد”.

وأكد المصدر ذاته، أن “هذه الأبعاد أصبحت واضحة للعيان عندما تقرر في الزيارة زيارة ضريح محمد الخامس للترحم على روح الملكين الحسن الثاني ومحمد الخامس، وكذلك زيارة البرلمان وإلقاء خطاب أمام أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين مجتمعين في جلسة مشتركة”.

حضور وازن واتفاقيات استراتيجية

وفي سياق هذه الزيارة التاريخية، سيرافق الرئيس الفرنسي زوجته بريجنيت ماكرون ووفد هام يضم العديد من السياسيين والديبلوماسيين والمنتخبين والعسكريين ورجال المال والأعمال والمثقفين وغيرهم، وذلك بالنظر لحجم وقوة الاتفاقيات الاستراتيجية التي ينتظر التوقيع عليها بين الطرفين.

“الأهم من كل هذا هو نوعية الاتفاقيات التي سيتم توقيعها، لأن زيارة الرئيس الفرنسي لن تكون منفردة، بل سيكون مرفوقا بعدة مسؤولين، بمن فيهم وزير الداخلية ووزير الدفاع والأركان، وكبار الشخصيات النافذة في الشركات الكبرى للتصنيع في فرنسا، وغيرهم”، وبطبيعة الحال، هذا يؤشر على نوعية الإتفاقيات التي سيتم التوقيع عليها، خاصة فيما يتعلق بمسألة الهجرة ووضعية المواطنين المغاربة في فرنسا، وربما التعاون في المجال العسكري، وربما تأسيس مصانع عسكرية في المغرب” يؤكد المتحدث.

ومن بين الشركات الكبرى التي تحدثت الصحافة الفرنسية عن حضورها خلال هذه الزيارة، شركة الطيران “إيرباص” وشركة “ألستوم” المتخصصة في القطار السريع والسكك الحديدية، ناهيك عن شركات أخرى، وذلك في إطار ما وعد به الرئيس الفرنسي قبل بضعة أيام في بيان الإليزيه، بأن “فرنسا تقف إلى جانب المغرب في الاستعدادات المتعلقة سواء بمباريات كأس إفريقيا لكرة القدم سنة 2025 أو الاستعداد لكأس العالم لسنة 2030”.

وفي ذلك، يقول تاج الدين الحسيني، “إن هذا يعني أن فرنسا تساهم في بناء خط السكك الحديدية الخاص بالقطار السريع الذي سيصل إلى مراكش، وربما قطارات أخرى على مستوى اتجاهات نحو مدن في الجنوب والشمال، إضافة إلى التفكير الجدي في المشاريع الكبرى التي انخرط فيها المغرب وعلى رأسها الاستعداد لبناء تحالف أطلسي من البلدان الإفريقية وبلدان الساحل، وكذلك مشروع خط الغاز الممتد من نيجيريا إلى أوروبا عبر المغرب”.

وخلص الأستاذ الجامعي بالقول إلى أنه “إذا كانت بعض البلدان العربية، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، قد عبرت عن استعدادها لدعم هذه المشاريع الكبرى من خلال دعم مالي قوي، فإن فرنسا ستكون حاضرة لتقديم الدعم التكنولوجي” وتسهيل عملية التواصل في إنجاز هذه المشاريع الاستراتيجية.