خطأ ديميستورا القاتل!
منذ عدة أشهر، كتبت بأن كلا من أوكرانيا وإسرائيل يفكران ويخططان بنفس الطريقة، وأنهما يعملان على استدراج الولايات المتحدة للدخول في حرب مباشرة مع روسيا، لأن كليهما يعتبر التخلص من روسيا ضرورة جيوسياسية للتمدد في محيطهما الإقليمي وتعزيز مكانتهما الدولية.
ذلك أن أوكرانيا تعرف أنها لن تصبح أبدًا لاعبا إقليميًا ذو قيمة في ظل تواجدها في الجوار المباشر لموسكو، كما أن إسرائيل تدرك جيدًا أن الوضع السياسي الدولي لروسيا ونفوذها على الصعيد الأممي وتمتعها بحق الفيتو يجعلان من تحقيق الطموح التوسعي لتل أبيب أمرًا شبه مستحيل وخصوصا في ظل تواجد الجيش الروسي على مرمى حجر من تل أبيب، أي في سوريا، وهو ما يجعل إسرائيل شبه محاصرة بين إيران وسوريا .
وقد امتنعت واشنطن لحد الآن عن الانزلاق نحو المواجهة مع موسكو رغم الضغوط التي يمارسها اللوبي اليهودي في أمريكا على الصعيدين الإعلامي والمالي، وإن كانت واشنطن توفر لإسرائيل الحماية السياسية والأسلحة للحرب على دول المنطقة.
فالبيت الأبيض يدرك جيدا ما يمكن أن تسفر عنه أية مواجهة مع موسكو من نتائج عسكرية واقتصادية وسياسية لن تكون بالضرورة في صالح أمريكا، بل قد تكون كارثية عليها بجميع المقاييس…
ورغم ذلك، تبقى تل أبيب مستمرة في سعيها نحو جعل هذه المواجهة حتمية، وقد تفتقت “عبقرية” تل أبيب عن استراتيجية هي أقرب إلى المقامرة منها إلى التخطيط، وتقتضي هذه الاستراتيجية أن يزحف الجيش الإسرائيلي شمالا نحو لبنان ومنها إلى سوريا وبالخصوص نحو المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وتلك التي تحظى بتواجد عسكري للجيش الروسي وغير بعيد عن مناطق تواجد الجيش الأمريكي، وتهدف العملية برمتها لخلق مناطق احتكاك بين الجيشين الروسي والأمريكي، من خلال اختلاق مواجهة بين الجيش الروسي والإسرائيلي لجر الجيش الأمريكي إلى حرب مباشرة مع الروس، سرعان ما ستمتد، إن حدثت، لكل مناطق التماس بينهما وخصوصا في أوكرانيا وإفريقيا .
وإدراكًا من موسكو لهذه المكيدة، فإنها تقوم، وفق العديد من المؤشرات، بتعزيز تواجدها العسكري بشكل غير مسبوق والرفع من مستوى تسليح قواتها المتواجدة في سوريا بشكل كبير، كما تعمل على ترتيب تحالفاتها الاستراتيجية والعسكرية في المنطقة، ومن ذلك أن موسكو وطهران سيوقعان بعد أيام على شراكة استراتيجية تنطوي دون أدنى شك على شق عسكري مستتر، بما سيؤدي في حالة تسارع الأحداث، كما أتوقعها، إلى انخراط طهران علنيا ورسميا في معركة سوريا، وهي المعنية بقوة بهذا النزاع كما تؤكد الأحداث المتوالية في المنطقة خلال العام المنقضي من الحرب.
ومن جهة أخرى فإن زيارة وزير الدفاع الروسي قبل أيام للصين، ولقائه كلا من وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الصينيين، وإعلان البلدين عن تعميق تحالفهما الاستراتيجي (ونتكلم هنا عن وزراء الدفاع وليس وزراء الاقتصاد والمالية)، دون أن ننسى بأن روسيا كلما همت بالإقدام على مبادرة عسكرية من هذا الحجم، إلا وتقوم بالتشاور والتنسيق مع بكين كما حدث قبل بضعة أيام من اندلاع الحرب الأوكرانية حيث زار بوتين الصين شخصيا.
ومن جهة ثالثة، فإن تسريب محتوى الوثيقة المتعلقة بما سمي “الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الاتحاد الروسي وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية” أي كوريا الشمالية، في هذه الظرفية، ليس صدفة أو عبثا، خصوصًا أن الوثيقة تقول حرفيا في المادة الثالثة: “… في حالة وجود تهديد فوري بارتكاب عمل عدواني مسلح ضد أحد الأطراف، يتعين على الأطراف، بناء على طلب أحد الأطراف، أن تستخدم على الفور القنوات الثنائية للتشاور من أجل تنسيق مواقفها والاتفاق على التدابير العملية الممكنة، لمساعدة بعضهم البعض في القضاء على التهديد الناشئ.”
كما تقول المادة الرابعة من اتفاق الشراكة هذا: “إذا تعرض أحد الطرفين لهجوم مسلح من قبل أي دولة أو عدة دول، ووجد نفسه بالتالي في حالة حرب، يقدم الطرف الآخر على الفور المساعدة العسكرية وغيرها من المساعدات بكل الوسائل المتاحة له”. ينضاف إلى ذلك الخطوة التي أقدمت عليها موسكو في أفغانستان من خلال رفع اسم طالبان من لائحة الإرهاب، وتدشين عهد جديد من التعاون بين البلدين.
وأظن شخصيا أن روسيا ستسرع من تواجدها العسكري في أفغانستان وتسليحها للحركة في أفق استعمال موقع أفغانستان كمنصة للحرب القادمة بين محور روسيا والمحور الغربي في كل من سوريا وأوكرانيا، بل وربما تمتد هذه الحرب إلى إفريقيا كما سبقت الإشارة ( هذا الأمر سأتناول حيثياته في مقال لاحق)، وأشير الآن فقط إلى حدث يهمنا بشكل مباشر.
ذلك أن إقبال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا على تقديم استقالته، ليس مجرد قرار شخصي روتيني، بل هو ناتج عن خطأ فادح ارتكبه حين اقترح إعطاء روسيا موطئ قدم في غرب إفريقيا من خلال اقتراحه تقسيم الصحراء وإنشاء دولة ستكون، إن أحدثت، امتدادًا جغرافيا للجزائر التي تعتبر بدورها امتدادًا جيو استراتيجيا لموسكو في غرب إفريقيا، وخصوصا في ظل التواجد القائم أصلا للجيش الروسي في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
بل سيؤدي هذا المقترح حتى إلى إفشال المقترح المغربي المتعلق بالمبادرة الأطلسية، لأن التقسيم الذي يقترحه دي ميستورا يضع الجمهورية الوهمية بين المغرب وموريتانيا وبالتالي يقطع على المغرب وحلفائه بعدهما الجغرافي والجيو استراتيجي الإفريقي.
وبالعودة لما يقع في الشرق الأوسط، أكاد أراهن على أن كل المقترحات التي توضع وستوضع أمام مجلس الأمن الدولي والمتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ستبوء بالفشل حتما، لأنها تتعارض مع المخطط الإسرائيلي المتعلق باجتياح التراب السوري في أفق إشعال الحرب بين روسيا وأمريكا، بل إن إسرائيل، الواثقة من خطتها ومخططها، نجحت في استدراج واشنطن لنصب منصات صواريخ ثاد( THAAD) الاعتراضية التي لم تسلمها أمريكا من قبل، خارج الحلف الأطلسي، سوى لكوريا الجنوبية، ولا يمكن أن يفعل ذلك من يتوقع السلام ووقف الحرب.