تخمة الملاعب !
بعد انطلاق أوراش بناء وإعادة هيكلة الملاعب الكبرى في المغرب، استعدادا لتنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، جاء الدور على ملاعب أخرى صغيرة وغير مرشحة لاحتضان أي شيء سوى مباريات الأندية التي تنتمي لهذه المدن.
أرصدة مالية مهمة وميزانية أخرى ضخمة سيتم استخراجها من صناديق المال العمومي من أجل إعادة هيكلة ملاعب كرة القدم، وتمكينها من مواصفات حديثة وأشكال هندسية بديعة وتجهيزات تواكب شروط الفيفا والكاف في بناء الملاعب المؤهلة لاحتضان المباريات الدولية.
طبعا لا يمكن لأي أحد يحب أن يرى بلاده تتوفر على هذا العدد الكبير من المنشآت الكروية الحديثة والبديعة التصميم، إلا أن يثني على من ساهم في إخراجها إلى حيز الوجود، ولا يمكن لأي عاشق لكرة القدم وللرياضة بصفة عامة، إلا أن يبدي سعادته وهو يتطلع لأن يرتاد ملاعب جميلة تتوفر فيها شروط الراحة والسلامة ومتعة العين.
هذا ما يتعلق بالنصف الممتلئ من الكأس، إذن تعالوا لنرى ما في نصفه الفارغ أو الذي يتم إفراغه بمثل هذه السياسات، وهذه القرارات التي تترك جسد التنمية البشرية يمشي أعرجا على رجل واحدة.. كيف ذلك؟
الصناديق التي يقتطع من ميزانيتها هذه الأموال الكثيرة لإعادة هيكلة الملاعب الصغيرة لكرة القدم فقط دون غيرها من الرياضات، نظريا هي إما للقطاع الوزاري المشرف على كل الأنواع الرياضية أو للبلديات، المفروض فيهما معا التفكير في ضمان حق المواطن العادي في ممارسة الرياضة، عبر تمكينه من ملعب أو حلبة أو مضمار أو مسبح ليمارس في أحدها رياضته المفضلة، والسؤال هنا، بأي حق تركز هذه الجهات على كرة القدم وحدها، وتخصص كل هذه الأموال المقتطعة من جيوب دافعي الضرائب لبناء ملاعب كبيرة تحتضن مباراة واحدة في الأسبوع لفريق كرة القدم بالمدينة الذي هو نظريا تابع لشركة رياضية، الشركة التي من المنطقي أن يكون أصحابها يتوفرون على عقلية استثمارية تفرض عليهم بناء ملعب خاص بالنادي بالوسائل المالية التي يرونها مناسبة ل”شركتهم”؟
أليس من الأجدر أن تذهب كل هذه الأموال العمومية ،طبقا للدور الإجتماعي للقطاع الوزاري وللبلديات، إلى بناء مركبات سوسيورياضية تضم مختلف الأنواع الرياضية، وتحتضن المئات من أبناء الشعب لممارسة الرياضة التي يفضلون، وإلى دعم الجمعيات الرياضية بالتجهيزات اللوجيستيكية لممارسة دورها التأطيري؟
الحقيقة أن هذا التوجه العام للدولة في بناء وإعادة هيكلة ملاعب لرياضة كرة القدم وحدها، أصبح مبالغا فيه، وسيصيب البلاد بالتخمة منها، خصوصا عندما ستمر هذه المنافسات الرياضية التي سيحتضنها المغرب خلال السنوات المقبلة، وسنجد أنفسنا أمام متطلبات مالية أخرى جد مكلفة تتعلق بصيانتها وأداء فواتير الماء والكهرباء والنظافة لمنشآت تعوق فيها الغربان طوال الأسبوع.
من يريد أن يعرف لماذا نفشل في مختلف الرياضات، ولماذا لا نتوفر على أبطال رياضيين من المستوى العالي.. هذه واحدة منها.