story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

لِنَعُد إلى جيناتنا الكروية !

ص ص

عندما تشاهد نجم أكاديمية البارصا حاليا الطفل آدم قروال المزداد وسط أسرة مغربية في مدينة مونشينغلادباخ الألمانية، كيف يداعب الكرة، وكيف يراوغ، وكيف يمرر بلمسة ساحرة، وكيف يموه ويقذف في اتجاه المرمى، لابد وأن تتساءل كيف لهذه الموهبة الخارقة أن تخرج من بيئة كروية ألمانية معروفة بالخصوصيات البدنية والبنية الجسمانية القوية، وأنها تنتج فقط “ماكينات” تطبق خطط كرة القدم، ولا تعرف من المهارة والتقنيات ورشاقة الجسد شيء حتى في الفئات الصغيرة السن.

لاشيء يفسر خروج طفل موهوب بكل تلك الإمكانيات المهارية من بيئة كروية ألمانية آلية “ناشفة”، سوى الجينات الوراثية التي ولد بها، فكثير من الأبحاث العلمية التي أجريت من قبل معاهد ومؤسسات رصينة حول علاقة الجينوم البشري بطريقة ممارسة الإنسان لأي نوع رياضي، توصلت إلى أن الجينات هي التي تعطي الشغف بممارسة الكرة، وتحدد التكوين الجسماني والحركي للناشئين، وطريقة التحكم في الكرة والشجاعة في الإحتفاظ بها، وذكاء المراوغة والتمرير وتسجيل الأهداف.

آدم قروال بالطريقة التي يلعب بها، لا يختلف في أي شيء عن الأطفال الذين يولدون في المغرب ويتعلمون كرة القدم في حواريه وأزقته الشعبية، هو واحد منهم بكل خصوصياته الكروية المغربية التي تميل إلى الطابع الإحتفالي في اللعب، الفرق أنه ولد بجيناته المغربية في ألمانيا وسط بيئة تصنع لاعبين مختلفين عنه، وتفوق بها بينهم.. والطفل آدم في لعبه ومهاراته قريب جدا من كل الأجيال التي عرفتها كرة القدم المغربية، فلاعبو كرة القدم في المغرب تاريخيا معروف عنهم أنهم مهاريون ذوي قامات متوسطة ويجيدون اللعب القصير، ويقدسون “الفراجة” وخلق الأجواء الإحتفالية.

نفس ما قيل عن الطفل آدم قروال، يمكن أن ينطبق على لاعبي المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة الفائز بالميدالية البرونزية في الألعاب الأولمبية، فرغم أن معظمهم ولد ونشأ في أوربا حيث الأولوية للتكتيك والقوة البدنية واللعب المباشر، إلا أن المدرب طارق السكيتيوي عرف كيف يستخرج منهم جيناتهم الكروية المغربية الميالة إلى اللعب الجماعي بالتمريرات القصيرة والمراوغة واللمسات المهارية، وهو ما أكسبهم تعاطفا وإشادة من الجمهور المغربي الذي أجمع على خلاصة واحدة خلال تلك الألعاب، وهي أن طريقة لعب المنتخب الأولمبي هي كرتنا “الإحتفالية” التي تشبهنا والتي مارسناها منذ القِدم داخل المغرب.

هذه الهوية الكروية المستمدة من جينات المغاربة، أصبح من المفروض أن تؤخذ بعين الإعتبار في أي مشروع تكوين للناشئين في المغرب، فاستقدام مناهج أوربية لتلقين كرة القدم ومحاولة تطبيقها على الأطفال دون استحضار جيناتهم الميالة إلى الإحتفالية، وخصوصياتهم الثقافية والإجتماعية التي تصنع إنسانا على شاكلة معينة، ستستمر في منحنا أجيالا ناقصة التكوين، وتجد صعوبة كبيرة في الخضوع واستيعاب المناهج الأوربية التي تخص بيئة ليس بيننا وبينها سوى الخير والإحسان.

لنعد إلى جيناتنا الكروية الإحتفالية الأولى، فهي الوحيدة التي يمكن أن تصنع لنا هوية يعرفنا بها العالم.