رقمنة الخدمات وتعزيز الاتصال والذكاء الاصطناعي.. تفاصيل “استراتيجية المغرب الرقمي 2030”
بعد انتظار دام عامين، أعلنت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة صباح اليوم الأربعاء 25 شتنبر 2030 عن “استراتيجية المغرب الرقمي 2030″، والتي تهدف أساسا إلى رقمنة الخدمات العمومية بهدف توفير خدمات بسيطة شفافة، وسهلة الولوج لجميع المواطنين، بالإضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي والاهتمام بقطاع ترحيل الخدمات، والشركات الناشئة.
وفي ما يلي أهم تفاصيل هذه الاستراتيجية، حسب المعطيات التي عرضتها غيثة مزور وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، خلال مراسيم الإطلاق صباح اليوم:
“رقمنة الخدمات العمومية وتبسيطها”
تسعى الحكومة من خلال هذا الهدف إلى كسب عدد من الرهانات الدولية، وتحسين تصنيفها على مستوى المؤشر الذي يقيس رقمنة الخدمات العمومية على المستوى العالمي، حيث لا زال المغرب يقبع حاليا في المركز 100 عالميا والـ11 قاريا، وفق تصنيف هذه السنة الصادر عن هيئة الأمم المتحدة.
في هذا السياق، سطرت استراتيجية المغرب الرقمي 2030 خارطة طريق لرفع تصنيف المغرب ضمن هذا المؤشر إلى المركز الـ85 عالميا و6 إفريقيا بحلول سنة 2026، ومن ثمة إلى المركز الـ50 عالميا والأول قاريا في أفق سنة 2030.
ولتحقيق هذه الغاية، تسعى الاستراتيجية إلى رفع نسبة رضا المستخدمين إلى أزيد من 80 بالمائة، وذلك من خلال تقليص آجال المساطر الإدارية ب50 بالمائة، وكذا تبسيط المساطر سواء من حيث الوثائق اللازمة ومراحل إنجازها، وذلك بنسبة 40 بالمائة.
وأكدت وزيرة غيثة مزور أن الاستراتيجية ستعتمد على منهجية تركز بشكل أساسي على المرتفقين وتبسيط تجربتهم مع الإدارة المغربية، من خلال رفع عدد الخدمات المرقمنة وتوضيح جميع مراحلها، وكذا إلغاء العمل بالوثائق التي لا فائدة منها وتثقل كلها المواطنين، بالإضافة توحيد نافذة الولوج لجميع هذه الخدمات، مؤكدة وجود عدد من الخدمات المرقمنة الغير المعروفة لدى المواطنين بسبب تشتتها.
“رفع مداخيل التصدير الرقمي”
في شقها الاقتصادي، تسعى الاستراتيجية إلى رفع مداخيل التصدير الرقمي أو ما يعرف ب”الآوت-سورسينغ” من 18 مليار درهم التي حققها المغرب سنة 2023 إلى 25 مليار بحلول 2026، ومن ثمة 40 مليار درهم سنة 2030.
ولتحقيق هذه الأهداف، تسعى الاستراتيجية إلى العمل على تطوير البنية التحتية المناسبة لخدمات التعهيد (Outsourcing) والتصدير الرقمي، وكذا تطوير قاعدة مواهب كافية وذات جودة، مع تقديم تحفيزات ضريبية للشركات العاملة في هذا المجال بما يتكيف مع متطلبات الرقمنة .
“الآوت-سورسينغ” (Outsourcing) : عملية تقوم بها العديد من الشركات من خلال نقل أجزاء من سيرورة إنتاجها إلى دول أو موردين آخرين لتقليل التكاليف وتحسين الجودة، وهي ممارسة باتت شائعة في مختلف المجالات التكنولوجية.
على المستوى الداخلي، تولي الاستراتيجية أهمية كبرى للشركات الناشئة بهدف تطوير حلول رقمية مغربية 100 بالمائة، بدل الاعتماد فقط على الاستيراد، حيث تهدف إلى رفع عدد الشركات الناشئة المغربية من ما يناهز 380 شركة سنة 2022، إلى 3 آلاف شركة ناشئة بحلول سنة 2030.
في هذا السياق، أكدت مزور أن الاستراتيجية ستعمل على رفع تمويل هذه الشركات الناشئة من 240 مليون درهم سنة 2022 إلى 7 ملايير درهم بحلول سنة 2030، وهو ما سيمكن في أفق سنة 2026 من الوصول إلى ما مجموعه 10 شركات ناشئة سريعة النمو تحقق زيادة في مداخيلها بنسبة 20 بالمائة أو أكثر سنوياً لمدة أربع سنوات متتالية أو ما يعرف بـ”الشركات الغزالة”، على أمل الوصل بعد ذلك على شركتين ناشئتين يتخطى رأسمالهما المليار دولار، أو ما يعرف بـ”الشركات أحادية القرن”.
ومن بين الإجراءات المعتمدة لذلك، أكدت الوزيرة أنه سيتم إطلاق ما يعرف بـ “منحة الحياة” لتمويل الأشخاص الذين لهم تجربة مهنية طويلة والراغبين في التفرغ من التزاماتهم المهنية لخلق شركة ناشئة، وذلك من خلال تقديم دعم مادي لهم لأشهر عدة.
“المواهب الرقمية”
في الجانب البشري، تضع الاستراتيجية هدفا أساسيا يتعلق بالوصول إلى معدل 100 ألف مواهب رقمية سنويا، فعلى مستوى التكوين الأساسي يكمن الهدف في تكوين 45 ألف شخص سنويا ابتداء من سنة 2030، وإعادة تأهيل 50 ألف شخص سنويا ابتداءا من ذات السنة، وذلك من خلال توسيع نطاق آليات إعادة التكوين المختلفة، كمعسكرات التدريب المكثفة، ومدارس البرمجة وبرامج الشهادات.
في ذات السياق، سيتم استحداث ما يعرف ب”فيزا تِك” لجذب المواهب الأجنبية، وبالتالي الوصول الى هدف الاستراتيجية في هذا الجانب واستقطاب 6 آلاف شخص من الخارج سنويا بحلول سنة 2030.
“الحوسبة وتعزيز السيادة الرقمية”
ولتعزيز سيادة المغرب على معطياته الرقمية، خصوصا في ظل الحساسية التي بات يعرفها هذا المجال في السنوات الأخيرة، تسعى الاستراتيجية إلى تقديم المغرب كوجهة أساسية لخدمات “الحوسبة السحابية”، بما يمكن من إبقاء البيانات الحساسة الوطنية على الأراضي المغربية وبالتالي خضوعها للقانون المغربي.
في هذا السياق، أكدت مزور أن المغرب سيسعى إلى تعزيز سيادته من خلال جعل الخدمات السحابية مُدارة من قبل مشغل أو مشغلين مغاربة، مع توفير “حوسبة سحابية سيادية” للإدارات والمؤسسات، وذلك استعدادا للانتقال العالمي نحو الحلول الرقمية العالمية القائمة حصريًا على الحوسبة.
“تطوير الاتصال بالانترنت”
وتهدف الاستراتيجية أيضا إلى تحسين عملية الاتصال بالانترنت في جميع ربوع المملكة، وكذا إطلاق خدمة الأنترنت من الجيل الخامس (5G) مع الوصول إلى نسبة تغطية تصل إلى 25 بالمائة سنة 2026، قبل أن تقفز إلى 70 بالمائة بحلول سنة 2030.
الاستراتيجية ستعمل أيضا على رفع عدد المنازل المرتبطة بخدمة الـ”فيبر أوبتيك” من 1,5 مليون منزل سنة 2022 إلى 5,6 مليون بحلول 2030.
أما بخصوص المناطق القروية، والمدن ذات الاتصال الضعيف، فقد ذَكَّرت مزور بالشطر الثاني من الخطة الوطنية للنطاق العريض (Haut Débit)، التي تهدف إلى تغطية ما يناهز ألفي منطقة تعاني من ضعف الاتصال أو انعدامه، بحلول سنة 2026، بالإضافة إلى تقديم منح لتغطية المواقع القروية باتصال عبر الأقمار الصناعية.
وتابعت أنه سيتم ضمان سرعة تدفق لا تقل عن 20 ميغابايت/ثانية بدلاً من 2 ميغابايت/ثانية حالياً، مع تحديد المتطلبات المشتركة بين المشغلين الثلاثة لنشر البنى التحتية الجديدة
“اللحاق بقطار الذكاء الاصطناعي”
ويعد الذكاء الاصطناعي مجالا آخر من المجالات التي تتميز بالأولوية في “استراتيجية المغرب الرقمي 2030″، خصوصا في ظل “التهافت الدولي” على هذا المجال الذي أثبت أهميته القصوى مستقبلا في تحديد التوجهات العامة الدولية في العديد من المجالات.
وغير بعيد عن السياق الدولي، تسعى الاستراتيجية إلى تمكين المغرب من الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي من أجل دعم التحول الرقمي في الخدمات العمومية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين والشركات.
ولهذا الغرض، أكدت مزور أن المغرب سيسعى في إطار هذه الاستراتيجية إلى جذب فاعلين دوليين جدد متخصصين في الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تحفيز الفاعلين الحاليين على تطوير عروض خدمات ذات قيمة مضافة عالية قائمة على الذكاء الاصطناعي.
كما سيتم دعم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تعمل في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وكذا مرافقــة جهود البحث والتطوير وتعزيز الابتكار في هذا المجال، كما سيتم تنفيذ أنشطة توعوية لدعم تحول السوق فيما يتعلق بالاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي.
“نقاط قرب لمن تعوزهم المعرفة”
ولتمكين جميع المواطنين من الخدمات التي سيتم إطلاقها ضمن هذه الاستراتيجية بمن فيهم كبار السن والأشخاص الذي يجهلون التعامل مع أدوات التكنولوجيا الحديثة، سيتم إطلاق عدد من نقاط القرب في مختلف المدن المغربية، ليصل عددها إلى ألف نقطة سنة 2026، ثم إلى ألفين و500 بحلول سنة 2030.
وحسب مزور فإن هذه النقاط ستوفر فرصة لمختلف المواطنين لقضاء حوائجهم الإدارية دون الحاجة إلى التنقل إلى الإدارات العمومية، كما ستمكنهم من الحصول على معطيات وافية حول جميع الخدمات الرقمية التي تهمهم.